بِحُكمِ زمانٍ يا لَهُ كيفَ يحكمُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بِحُكمِ زمانٍ يا لَهُ كيفَ يحكمُ | يُحرّمُ أوطاناً علينا فَتَحْرُمُ |
لقد أركبتني غربة ُ البين غربة ً | إلى اليوم عن رسم الحمى بي تَرسمُ |
إذا كلّ عني من سنا الصبح أشهبٌ | تناول حَمْلي من دُجَى الليل أدهم |
وتحسبُهُ يرتاضُ في غَرْسِ حمله | وَيُسْرَجُ فيه للركوب ويُلجَم |
لكلّ زمانٍ واعظٌ، وعظُهُ كما | يَخُطّ كلاماً بالإشارة أبكم |
وحادٍ رَمى بالعيسِ كلّ مُضِلّة ٍ | كأن عليه مَجْهَلَ الفيح مَعْلَم |
وقد نحرتْ في كلّ شرق ومغرب | عليها نُحور البيد في العزم أسْهَمُ |
وأوجفَ حوليها الكماة ُ ضوامرا | فلا سُنْبٌكٌ إلا يساويه مِنْسَم |
فمن راكبٍ يأتي به الخصب بازلٌ | ومن فارسٍ يَصْلَى به الحربَ شيظم |
فإن تسرِ في ليلٍ وجيشٍ فإنها | سفائنُ برٍّ بين بحرين عُوّم |
وصيدٍ يصيدون الفوارسَ بالقنا | إذا نكلَ الأبطالُ في الروعِ أقدموا |
ويستطعمون السّمر والبيضَ إنها | نيوبٌ وأظفار بها الأسد تطْعَمُ |
دعتهمْ بروقٌ بالأكفّ مشيرة ً | إليهم، وعينٌ عَرْفُهَا يتنسّم |
عصَا شملهم شُقّتْ فشرّق مُنجدٌ | إلى طيّة ٍ منهم، وغرّبَ مُتْهِم |
وما قَدَّ قَدَّ السير بالطول سَيرَهم | ولكنما المنقدّ قلبي المتيم |
طَوَى البعدُ عنا، فانطوينا على الجوى | نواعمَ تشقي بالنعيم، وتنعم |
دعونا نساير حادياً قادَ نحوها | مسامعَنا منه الحداءُ المُنَغَّم |
فما هذه الأحداجُ إلاّ قلوبُنا | حبائبنا فيها سرائر تُكْتَمُ |
بنفسيَ من حورِ المها غادة ٌ لها | فمٌ عن شديدِ الخوف بالصمتِ مُلجَم |
ينمّ عليها طيبُ ريَّا كلامِها | فيدري غيور أنصها تتكلّم |
أُرَجِّعُ بالشوقِ الحنينَ وإنَّما | يهيجُ حنيني عَوْدها حين يُرْزِمُ |
قد سَفَرَتْ في تُوضَحٍ فَتَوَضّحَتْ | مسالكهُ للسفر، والليلُ مظلمُ |
ومرّت على سِقْطِ اللوى فتساقطتْ | دموعٌ عليها، دُرَّها لا ينظَّم |
وقد ضرّجتْ ثوبي لدى عينِ ضارجٍ | عليّ جفونٌ، ماؤها بالأسى دمُ |
معاهدُ مازال امرؤ القيس بينها | يُعبّرُ عن عهدِ الهوى ويترجمُ |
تَوَهّمْتِها حُلْماً بها فذكرتُها | وقد يذكرُ الإنسانُ ما يَتَوَهّمُ |
وإني لآوي من زمانٍ لبستهُ | إلى ذِكَرٍ تأسو فؤادى وَتَكْلُم |
لياليَ تسبي اللبّ منه سبيئة ٌ | تناولها من كافرِ القلبِ مُسلم |
سلافة كرمٍ ليس يسخو بمثلها | لغيرِ فتى تَحْظَى لديه وَتُكْرم |
يُطافُ بها في حُمْرّة ِ الوردِ جوهراً | له عرضٌ وهو السرورُ المُحرَّمُ |
يسيغُ فمي في شِدّة ِ السكر صِرْفَها | وما فرحة ٌ في السمع إلا الترنّمُ |
فلله عمرٌ مرّ بي فكأنني | به في جنانِ الخُلدِ قد كنتُ أحلمُ |
لياليَ روضُ العيشِ غضّ وماؤهُ | نميرٌ، ومنقوضُ الشبيبة ِ مُبْرَم |