أغُمْرَ الهوى كم ذا تُقَطّعُني عَذْلا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أغُمْرَ الهوى كم ذا تُقَطّعُني عَذْلا | قتلتُ الهوى علماً، أتقتلني جهلا |
أظنّك لم تُفتحْ عليك نواظرٌ | إذا هي أعْطَتْ صبوة ً أخذَتْ عقلا |
ولا عرضتْ من بيضهنّ سوافرٌ | عليكَ الخدودَ الحُمرَ والأعينَ النُّجلا |
لم يصبِ منكَ القلبَ مَشّيُ جآذرٍ | يُنَزِّعُ فيه التّيهَ أقدامَها نَقْلا |
ولم ترَ سحراً كالعيون تخالُنا | بِزَعْمِكَ أحياءً ونحنُ بها قتْلى |
ومن أعجبِ الأشياءِ أنّ سيوفها | تعودُ رماحاً، حيثُ تلحظُ، أو نبلا |
خرجتُ على حدّ القياس مع الهوى | فقلْ مَنْ أمرّ الكأس من بعد ما أحلى |
ولما كتبتُ الحبّ في القلب وارتقى | إلى الطَرْفِ ماءُ الشوقِ أنكرَ ما أملى |
وبي كلّ غيداءِ القَوامِ كأنَّما | يُطاولُ منها قدُّها شعراً جثلاً |
لها بله بالحبّ تحسبُ جِدّهُ | إذا هزّ أعطافي بنشوته هزلا |
إذا غرسَتْ في مسمعِ الصّبِّ مَوْعِدا | جنى بيد التسويف من غرسها مطلا |
وإن هي زارَتْ خلتَها مستعيرة ً | لها من خطيب الحفل جلسته العَجْلى |
أرى البيضَ مثل البيض تقطعُ وصْل من | يُقْطعُ في كفّيه من غيره وصلا |
فلا تأمننْ منهنّ إن كنتَ حازماً | ولا من هواها المرءَ خبلاً ولا ختلا |
وساقٍ، على ساقٍ، يُصرِّفُ بيننا | بكأسٍ نَظَمْنا للسرور بها شَملا |
كلؤلؤة ٍ بيضاءَ في الكفِّ أقبلتْ | بياقونة ٍ حمراءَ مظهرة ً حَمْلا |
كأنّ وثوبَ السُّكرِ فيها مُساورٌ | يدبّبُ منه في مفاصلها نملا |
ترَكْنا لها من جَوْرِها ما يُسِيئُنا | فمن مزجها بالماء قارنتْ العدلا |
وعذراء كانت وردة ً قبل مزجها | ومن بعده عنّتْ لمبصرها شعلا |
إذا واجهتْ كاساتُها الليلَ خلتَها | تهتّكُ من ظلمائه حُجُباً كُحلا |
وتحسبُها تجلو علينا عرائساً | وشاربُها يفتضّ منهنّ ما يُجْلى |
وجدنا «نعم» في الناس يُهجَرُ قوْلُهَا | كأن على الأفواه من لفظها ثِقلا |
ولما احتواها كل حيٍّ تعلّقت | بلفظ ابن عبادٍ فكان لها أهلا |
جوادٌ بما فوق الغنى لك والمُنى | فهّمْتُكَ العُلْيا لهمتّه سفلى |
ترى الناس يستصحون من جود كفّه | إذا الوبلُ منه أنهلّ واتّبعَ الوبلا |
هزبرٌ الوغى بالسيف والرمح مقدمٌ | له الضربة ُ الفرغاءُ والطعنة ُ النجلا |
تنوءُ به غِرّا حفيظة ُ عَزْمِهِ | وترجحُ أسبابُ الأناة ِ به كهلا |
وحربٍ أذيقتْ في بنيها ببأسه | مرارة َ كأسِ الثكل لا عَدِمَتْ ثكلا |
وكانتْ عيونُ الماءِ زُرْقاً فأصبحتْ | بما مازَجَتْهُ من دمائهمُ شُهْلا |
وما ولدتْ سودُ المنايا وحُمرها | على الكره حتى كان صارمُكَ الفحلا |
أقائدها قبَّ الأياطلِ لم تلدعْ | له عند أعداءٍ إغارتُها ذَحْلا |
حميتَ حمى الاسلام إذ ذدتَ دونه | هزبراً ورشّحتَ الرشيدَ له شبلا |
لئن قلتُ فيه صحّ تأليفُ سُؤدَدٍ | فبارعُ نَقْلٍ من شمائلكَ استملى |
ألا حبذا العيدُ الذي عكفت به | على كفّك الأمواه تُمطرها قُبلا |
ويا حبذا دارٌ يدُ الله مسحتْ | عليها بتجديدِ البقاءِ فما تبلى |
مُقَدَّسَة ٌ لو أنَّ موسى كليمَهُ | مَشَى قَدماً في أرضها خَلَعَ النعلا |
وما هي إلاَّ حطة ُ الملِكِ الذي | يحطّ لديه كل ذي أملٍ رَحلا |
إذا فتحت أبوابها خلتَ أنها | تقولُ بترحيبٍ لداخلها: أهلا |
وقد نقلتْ صُنّاعُها من صفائه | إليها أفانينا فأحسنتِ النقلا |
فمن صدره رحباً ومن وجهه سناً | ومن صيتِه فرعا، ومن حمله أصلا |
وأعلتْ بها في رتبة ِ الملك ناديا | وقلّ له فوْق السماكين أن يُعْلى |
نسيتُ به إيوانَ كسرى لأنَّه | أراني له مَوْلى من الفضلِ لا مثلا |
كأن سليمان بنّ داودَ لم تُبحْ | مخافتهُ للجنّ في شيْدهِ مَهلا |
كأنَّ عيونَ السحر نافذة ٌ له | على كلّ بانٍ غاية ٍ منه أو فضلا |
فجاء مكانَ القول نبعثُ وصفهُ | رقيقاً، وأذنُ الدهر تسمعه جذلى |
تجوزُ له الأمواهُ بركة َ جدولٍ | تخالُ الصَّبا منه مشَطِّبَة ً نصلا |
إذا اتخذتها الشمسُ مرآة وجهها | أحالتْ عليها من مداوسِها صقلا |
ترى الشمسَ فيه ليقة ً تستمدّها | أكفٌّ أقامتْ من تصاويرها شكلا |
لها حركاتٌ أُودِعَتْ في سُكونِها | فما تبعَتْ في نقلهنّ يدٌ رِجلا |
***وقد توّج البهو البهيّ بقيّة ٍ | فقلْ في عروسٍ في جلابيبها تُجلى |
تجمعت الأضدادُ فيها مصانعاً | ولم أرَ خَلْقاً قبلها جَمَعَ الشّمْلا*** |
***وأغربُ ما أبصرتُ بعد مليكها | بها مُتْرعٌ يعدي الشجاعة َ والبذلا*** |
تنادمُ في غنّاءَ غنّتْ حَمَامُها | فوارسَ أغصانٍ ترجّحها حَملا |
إذا شَربتْ وُدّ المؤيد صيّرتْ | خلائقَهُ راحاً ورؤيتَهُ نُقْلا |
كأنَّ مها الأحْداج حلّتْ سماءَها | وإن لم تكن إلاَّ حنياته بُزْلا |
كأن سهماً أُرسلتْ عن قسيّها | فما عَدمتْ عينُ الحسود بها سَملا |
وما شئتُ ممات لو عُنيتُ بوَصْفِهِ | سلكتُ إليه كلّ قافية ٍ سبيلا |
فتحسبُ ما في الأرض من حيوانها | رقى شرفاً فيه إلى الفلك الأعلى |
ولمّا عشينا من توقّد نورها | تخذْنا سناه من نواظرنا كُحلا |
فيا دارُ أغضى الدهرُ عنكِ وأكثرتْ | أسودُكِ نسلاً فيه يختتل النسلا |