ما أغمدَ العضبُ حتى جُرّد الذكرُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ما أغمدَ العضبُ حتى جُرّد الذكرُ | ولا اختفى قَمَرٌ حتى بدا قَمَرُ |
قد مات يحيى فماتَ الناسُ كلهمُ | حتى إذا عليٌّ جاءهم نُشروا |
إنْ يُبْعَثُوا بسُرورٍ مِنْ تملُّكه | فمنْ منية ِ يحيى بالأسى قُبروا |
أوْفَى عليٌّ فَسِنّ الملكِ ضاحكة ٌ | وعينُهُ من أبيه دمْعُها هَمِر |
يا يَوْمَ وَلّى عن الدّنيا به طُمِسَتْ | بظلمة ِ الرزءِ من أنوارِكَ الغُرَر |
ومادَتِ الأرضُ من فقدانها جبلاً | ينابعُ الجودِ من سفحَيه تنفجر |
لم تُغْنِ عنه غياضٌ من قناً وظُباً | حمرُ الحماليق فيها أسدها الهصُرُ |
يرونَ زُرْقَ ذئابٍ ما ثعالُبها | إلاَّ عواملُ في أيمانها سُمُر |
ويتركونَ إذا جَيشا الوغَى انتظما | سلخاً كساه حديداً حيّة ٌ ذكر |
وديعة ُ السيلِ في البطحاء غادرها | تقري الرماحَ بها الآصالُ والبكر |
لم يُغنيا عنه: لا عزٌّ يدلُ بهِ | مَنْ كانَ بالكبر في عرنينه أشرُ |
ولا مهابة محجوبٍ تبرجُها | كأنه عندَ أبصارِ الورى خفر |
شُقّتْ جيوبُ المعالي بالأسى وبكَتْ | في الخافقين عليهِ الأنجمُ الزهرُ |
إذ السماءُ بصوتِ الرعدِ صرختها | يكادُ منها فؤادُ الأرْضِ يَنْفَطِر |
والجوّ مُتّقِدُ الأحشاءِ مُكْتَئِبٌ | كأنَّما البرقُ فيها للأسى سُعُر |
وقل لابنِ تميمٍ حُزنُ مأتمها | فكلّ حزنٍ عظيمٍ فيه محتقرُ |
قامَ الدليلُ ويحيى لا حياة َ لهُ | إنَّ المنِيَّة َ لا تُبْقِي ولا تذر |
أمسى دفيناً ولم تُدْفَنْ مَفاخِرُهُ | كالمسكِ يُطوى ، ونشرٌ منه ينتشرُ |
قد كنتُ أحسبُ أن أُعْطَى مُنايَ به | وأن يطولَ على عمري لهُ عمر |
وها أنا اليومَ أرثيهِ وكنتُ لهُ | أنقّحُ المدحَ، والدنيا لها غيرُ |
يا ويحَ طارقِ ليلٍ يستقل به | سامي التليلِ براه الأينُ والضُّمر |
في سرجِهِ من طُيورِ الخيلِ مُبْتَدِرٌ | وما جناحاه إلاّ العنقُ والخصر |
يَطوي الضميرَ على سرٍّ يُكِنّ به | بُشْرَى ونَعْيٍ، حَيَارَى منهما البشر |
لولا حديثُ عليّ قلتُ من أسفٍ | بفيك -يا من نعى يحيى لنا- العفر |
إنْ هُدّ طودٌ فذا طودٌ يُعادله | ظلٌّ تُؤمَّنُ في أفيائِهِ الجدر |
أو غيضَ بحرٌ فذا بحرٌ بموضعهِ | لوارديه نميرٌ ماؤه خَصِرُ |
يا واحدا جُمعَتْ فيه الكرامُ ومَنْ | بسيفهِ ملّة ُ التوحيد تنتصر |
أوجَفْتَ طِرْفَكَ والإيجافُ عادتُهُ | والصبحُ محتَجَبٌ واللّيلُ معتكر |
لمَّا سَريتَ بجيشٍ كُنْتَ جُمْلَتَهُ | وما رفيقاكَ إلاَّ النصرُ والظفر |
طوى له الله سهباً بتّ قاطِعَهُ | كأنما بُعْدُهُ بالقربِ يُختصرُ |
وقصّرَ السعدُ ليلاً فالتقى عجلاً | منهُ العشاءُ على كفّيك والسحر |
وفي ضلوعِكَ قلبٌ حشوه هِمَمٌ | وبين عينيكَ عزمٌ نَوْمُهُ سَهَر |
حتى كسوتَ حياة ً جسمَ مملكة ٍ | بردّ روحٍ إليه منكَ ينتظرُ |
هنئتَ بالملكِ إذْ عُزّيتَ في ملكٍ | لِمَوْتِهِ كانَ منكَ العيش يذّخر |
جلست في الدست بالتوفيق وابتهجت | بكَ المنابرُ والتيجانُ والسُّررُ |
أضحتْ عُلاكَ على التمكين ثابتة ً | فطيبُ ذكركَ في الدنيا له سَفَر |
تناوَلَ القَوْسَ باريها، فأسْهُمُهُ | نوافدٌ في العدى ، أغراضُها الثُّغَر |
وقامَ بالأمْرِ سَهْمٌ منكَ مُعْتَزِمٌ | يجري من الله في إسعادِهِ القَدر |
وأصبَحَتْ هِمَمُ الآمالِ سانية ً | عن العطايا التي عُنوانها البدر |
وأنتَ سمحٌ بطبعٍ غير منتقل | سِيّانَ في المحل منكَ الجُوْدُ والمطر |
واسْلَمْ لعزّ بني الإسلامِ ما سَجَعَتْ | سوامرُ الطير وانآدت بها السَّمُرُ |