الكتب
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
1 - وحي العصر - تأليف الأستاذ إبراهيم المصري
2 - قصص الحياة - تأليف السيدة نور الهدى الحكيم
للأستاذ محمود الخفيف
ترى في هذين الكتابين مثلين من ألوان الأدب العصري في مصر. أما أولهما فمجموعة مقالات تتخللها عدة أقاصيص مترجمة، قسمه المؤلف خمسة أقسام: دراسات أدبية، واجتماعيات وصرخات، ووجوه وأروح، وقصص.
ولذلك كان الكتاب في بنائه وفي موضوعه لا يخرج كثيراً عن ذلك النوع من الأدب المعروف (بأدب المقالة)، فلقد جمع المؤلف شتيت ما كتب في مناسبات مختلفة وأطلق عليه اسم وحي العصر، وإن كان هذا الاسم يوحي إليك فكرة متصلة أو دراسة مفصلة للعصر الذي يعيش فيه تطالع الفصل الأول (وحي البيئة والعصر في الأدب الحديث) فترى الكاتب يقرر أن الأدب الحي الجدير بالبقاء هو ما جمع بين تأثير البيئة وإيحاء العصر، وتراه من أجل ذلك يعيب على أدبنا العصري خلوه من هذه الصفة، بينما هو يمتدح الأدب الأوربي ويعجب به، وهو إذ يورد لك الأمثلة في أدبنا ينسى أن ما يشكو منه إنما هو وليد البيئة، كما جاء في كلامه عن طريقتنا في الحب والشعر مثلا؛ والغريب أنه يشير إلى العلة، وهي بعد المرأة عن الرجل! أوليس تأثير البيئة الذي يدعوا إليه واضحاً في هذا؟ وكيف يتسنى لنا أدب آخر مع ما نحن عليه؟ وإنك لتنتظر أن يدور الكتاب على تلك القاعدة التي يدعو إليها، فإذا بك لا تكاد تحس أثراً لبيئتنا إلا في تلك القطعة الجميلة القوية وهي (المرأة المصرية قبل الكفاح الوطني وبعده) وماعدا هذه فالصيغة كلها غريبة، أوربية وأمريكية، ففي مقالة (الصدق في الأدب والحياة) تجده لا يقتصر عن اتهام أدبنا فيرمينا بأننا نؤثر اللذة على الألم في إنتاجنا ضعفاً منا وجبنا، ثم هو يعيب علينا كثرة الخيال وضعف قوى العقل، يعيب ذلك علينا في الشعر والقصة، وهو لا يجهل أن الشعر في العالم قديمه وحديثه شرقيه وغربيه وليد الخيال، وأن القصة تفقد أهم عناصرها إذا غلب فيها التحليل والدرس على الخيال الشعري القوي، فإذ طلب الصدق فعليه أن يطلبه في الفلسفة، فان الصدق في الأدب عدو الخيال، ومن ثم فهو عدو الشعر والقصة.
على أن الكاتب الفاضل لا يلبث أن ينسى القاعدة أيضاً، فيرى أن الأدباء البرجوازين يتعامون عن بيئتهم، ويزيغون عنها، ويبتعدون بذلك عن الصدق، وهو مع ذلك يرى في أدبهم قوة تنجيه من اللوم، ثم تراه حين يتحدث عن (الشعر في هذا العصر ونهضته في فرنسا) يدعوا مع الداعين من أبناء الغرب إلى السمو الروحاني والخيال الجامح المليء بالرؤى والأحلام، تراه يدعو إلى (ذلك الشعر الذي يغلب فيه الخيال على العقل، والذي ينطلق كموج الموسيقى، ويتصاعد إلى السماء كالصلاة، ويقصد به الشاعر التغني بالحياة وتمجيد ظواهرها واستبطان هذه الظواهر بواسطة الإشراق الروحي والاتصال من خلالها بالقوة العلوية الخالدة التي أبدعتها) فأين هذا من إنكاره الخيال في الأدب وخصوصاً في أدبنا؟! ولعل هذا التناقض نتيجة انعدام الوحدة في الكتاب كما سبق أن ذكرت أما باقي موضوعات الكتاب فهي كما أسلفت غريبة الروح والعاطفة، فأنت تقرأ الأدب الأمريكي الحديث وترجمة خمسة من أعلامه، وتقرأ أدب السرعة ومظهره في أوربا، كل ذلك دون أن تظفر بإشارة إلى شاعر من شعرائنا أو كاتب من كتابنا؛ وفي قسم التراجم من هذا الكتاب لن تجد سوى أعلام الغربيين كأميل زولا، وبول بورجيه، ورومان رولان، وهنري دي منترلانن وغيرهم؛ وفضلاً عن ذلك فلن تحس بشخصية المترجم في تلك التراجم، وهي على دقتها واستيفائها لا تخرج في جملتها عما نطالعه في المجلات من لمحات بسيطة في سير هؤلاء الرجال حتى لقد أحسست أن ثقافة المجلات مسيطرة سيطرة قوية على الأديب المؤلف في هذا الباب حتى الأقاصيص تجدها معربة تشرح بيئات غير بيئتنا ومجتمعاً غير مجتمعنا، ومثلاً غير مثلنا.
نعم لا ضير على الأديب أن ينقل إلينا ما استحسن من النماذج بين حين وآخر، ولكن على شرط أن يشعرنا بألحاننا ويرينا من ألوان ثقافتنا وصور حياتنا ما يؤنسنا وسط هذا الضجيج الغربي الذي نخشى أن يعوق تقدمنا، ويمحو ذاتيتنا، ويحول بيننا وبين الأصالة والخلق، ويقطع الصلة بيننا وبين ماضينا الحافل ولست أشك في أن الأستاذ إبراهيم المصري بذكائه ونشاطه واستعداده قمين أن يجول في أدبنا المصري الناشئ جولات تعود علينا بالخير، إن هو وجه إليه بعض عنايته يأتي بعد ذلك الكتاب الثاني (قصص الحياة في الأسرة والمجتمع) للمربية الفاضلة السيدة نور الهدى الحكيم، ويقع في نيف وثلثمائة صفحة، وذكرت مؤلفته أنه مؤسس على نظريات التربية وعلم النفس والاجتماع.
ولقد قرأته فألفيته يدور كله حول المرأة وعلاقتها بالرجل، وهو يضم إلى ما به من أقاصيص بعض نظرات في الحياة (كاستفتاء في حادث خلقي) والمجتمع الحديث للأسر المصرية، وتطور الآراء في تربية المرأة.
وهذا الكتاب يتناول المجتمع المصري والبيئة المصرية في الكثير الغالب من موضوعاته، حتى لتكاد تنعدم فيه الصبغة الغربية، على الرغم من أن صاحبته عاشت في أوروبا زمناً، وهي ظاهرة نحمدها لها؛ فما أحوجنا إلى من يتناول حياتنا بالشرح والتحليل في إخلاص وعطف.
ولقد أحسست الإخلاص والتحرق إلى الإصلاح في هذه الأقاصيص الساذجة، وأعجبتني تلك الروح الطيبة؛ فالكاتبة لا تشير إلى عيوبنا إشارة المترفع المستكبر الذي يباهي بمدنية غيره، ولن يهمه سوى إظهار نقائصنا وعرضها في شكل فضائح كما يفعل شبابنا، بل تراها تعرض لها في رفق وهوادة، ولن تقتصر على الموقف السلبي منها، وإنما تذكر اوجه العلاج وتشرحها جهد طاقتها، وهي كما أذكر طريقة حميدة وروح محمودة.
هذا إلى أن الكاتبة الفاضلة قد وفقت إلى أسلوب بسيط مقبول، تراه وإن لم يرضك كثيراً من ناحية البلاغة، لن يثقل عليك ولن تمله غير أني أرى بناء القصة عندها ضعيفاً، ولعلها لا تسير فيها على قاعدة ولا تنتهج طريقة، وإنما يختلج الرأي في رأسها فتلبسه ثوب القصة في أي وضع، جاعلة نصب عينيها إبراز الفكرة وتوضيحها بطريقة سهلة غير طريقة الدفاع والمناقشة.
ولعلها لم تفكر قط في بناء تلك الأقاصيص؛ والحقيقة أنها أقرب إلى (الحكايات) التي تدور بين جليسين منها إلى القصة في وضعها الفني، فأنت إذا طلبت الاستمتاع الفني عند قراءة هاتيك الأقاصيص لن تظفر به في معظمها، أما إذا طلبت الرأي والعاطفة فهي متوفرة لديك هذا إلى أن الكاتبة النابهة، أقوى شخصية وأشد تأثيراً وأسمى بياناً في المقالة عنها في القصة، فلقد أعجبت حقاً بمقالها (تطور الآراء في تعليم المرأة وتربيتها) وتلوته مرتين مستمتعاً بما جاء فيه من آراء صائبة، وما تجلى في ثناياه من روح متوثبة وإني إذ أقدم هذا الكتاب إلى فتياتنا وفتياننا، أتقدم بالثناء للمربية الفاضلة على ما بذلت من جهد وما توخت من خير الخفيف