تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ | ففجِّرْ ينابيع المدام مع الفجر |
وخُذْ من فتاة الغيد راحاً سبيئة ً | لها قدمٌ في السبق من قدم العمر |
ولا تشربنْ في كبوة ِ الكوب بالفتى | كذلك يجري في مَدَى السكر من يجري |
وإن الندى ما زال يدعو رياضه | إليها الندامى وهي في حُلَلِ الزهر |
فتجلوهُمُ أيدي السقاة عرائساً | ترى الدّرّ أزرارا لأثوابها الحمر |
وتحسب إبريق الزجاجة مُغزلاً | يُشوَّفُ في الارضاع منه إلى غفرِ |
ومشمولة ٍ في كأسها اشتملت على | نجومِ سرورٍ بين شُرّابِها تسري |
تريكَ إذا ما الماءُ لاوَذَ صِرفَها | تَوَاثُبَ نَمْلٍ في زجاجاتها شُقْر |
يفرّ الأسى عن كلّ عضو تحلّهُ | فرارَ الجبانِ القلب عن مركز الذمر |
وأشمطَ خُضنَا نحوه الليل بالسرى | وقد خاطَ منه النومُ شفراً على شفر |
له بيعة ٌ ما زال فيها محَلِّلاً | حرامَ الربا في بيعهِ التبرَ بالتبر |
بسطنا له الآمال عند انقِباضِهِ | لأخذ عجوز من بُنيانهِ بكر |
معتقة ٍ حمراءَ تنشرُ فضلها | لخطابها في اللون والطعم والنشر |
إذا شمّها أعطاك جُملة َ وصفها | ففي أنفهِ عِلمُ الفراسة بالخمر |
لها قسوة ٌ من قبله مستملة ٌ | لِعُنْفِ نَدَامَاها كذا قَسوة ُ الكفر |
ولله ما ينساغُ منها لشربها | بتسهيل خُلقِ الماء من خُلقها الوعر |
وقد عَقَدَتْ أيمانُهُ العُذْرَ دونها | فحلّ ندى أيماننا عُقدَ العذر |
وأبرزَ منها في الزجاجة جوهراً | نُسَائلُهُ بالشّمّ عن عَرَضِ السُّكر |
تَمَيّعَ منها كالنّضَارِ مُشَجَّرا | وإن كان في ريّاه كالعنبر الشِّحري |
أدَرْنَا شُعَاعَ الشمس منها بأنْجُمٍ | نُبادرها مملوءة ً مِنْ يدِ البدر |
على حينَ شابتْ لِمَّة ُ الليل بالسنا | ونفرَ عنا نومنا العودُ بالنقر |
كأنَّ الثريَّا في انقضاض أفولها | وشاحٌ من الظلماء حُلّ عنِ الخصر |
كأن انهزام الليل بعد اقتحامه | تموُّجُ بحرٍ ناقضَ المدَّ بالجزر |
كأنَّ عَصَا موسى النبيّ بضربها | تُريكَ من الأظْلام منفلقَ البحرِ |
كأنَّ عَمُودَ الصبح يُبْدِي ضياؤه | لعينيك ما في وَجْهِ يحيى من البشر |
رحيبُ ذُرَى المعروف مُستهدَفُ الندى | تندّى الأماني في حدائقه الخضر |
تَحَلّبُ من يمناه ثُجَّاجَة ُ الندى | وَتَنْبُتُ من ذكراه ريحانة ُ الفخر |
له سيرة ٌ في ملكه عُمْرِيّة ٌ | وكفٌّ من الإعدام جابرة ُ الكسر |
بعيدٌ كذات الشمس دان كنورها | وإن لم تنلْ ما نال من شرفِ القدرِ |
تكفكفُ عنه سورة َ اللحظ هيبة ٌ | فلله منها ما تصوّر في الفكرِ |
كأنَّ الزمانَ الرحبَ من ذكره فمٌ | ونحنُ لسانٌ فيه ينطقُ بالشكر |
تعودَ منه المالُ بالجود بذلة ً | لإيسارِ ذي عسر وإغناءِ ذي فقر |
فإن أنت لم تنفقهُ أنْفَق نَفْسَهُ | وصار إلى ما كان تدري ولم تدر |
كأنَّ عطاياه وهُنّ بداية ٌ | بحورٌ وإن كانت مكاثرة القطر |
همامٌ إذا ما همّ أمضى عزائماً | بواترَ للأعْمار بالقُضُبِ البُتْر |
وصَيّرَ في إقْحَامِهِ مُهَجَ العِدى | تسيل على مذلوقة ِ الأسل السُّمر |
ينوبُ مناب السيف في الروع ذكره | فما ذكرٌ ماضٍ يسيلُ من الذكر |
ويختط بالخطيِّ أرضَ كريهة ٍ | يجرّرُ فيها ذيلَ جحفَلِهِ المَجْر |
ومُقْتَحِمُ الأبْطالِ يَبْرُقُ بالرّدى | وتخفق في آفاقه عذبُ النصر |
محلّقَة ٌ في الجوِّ منه قشاعمٌ | كأن شراراً حشو أعينها الخزر |
تروحُ بطاناً من لحومِ عداته | فما لقتيلٍ خرّ في الأرض من قبر |
ويثني عن الضرب الوجيع سيوفهُ | من الدّم حُمراً في عجاجاته الكُدرِ |
وكم ردّها مَفْلُولة ً حدُّ صبره | إذا جزعُ الهيجاء فلّ شبا الصبر |
فلا تأمنِ الأعداء إملاءَ حِلمهِ | بتأخُيرِ نَزْعِ السهم يَصْدَعُ في الصخر |
إذا لبد الليث الغضنفر فارتقب | له وثبة ً فراسة ً النابِ والظفر |
وربَّ شرارٍ للعيون مواقعٍ | تَحرّك للإحراقِ عن ساكنِ الجمر |
فيا ابن تميم والعلى مستجيبة ٌ | لكلّ امرىء ٍ ناداك يا ملكَ العصر |
ومنْ مالهُ بالجود يسرحُ في الورى | طليقاً، وكم مالِ من البخل في أسر |
حللنا بمغناك الذي يُنْبِتُ الغنى | ويُجْرِي حياة َ اليُسْرِ في ميّتِ العسر |
وكم عَزْمة ٍ خضنا بها هَوْلَ لُجّة ٍ | كصارمك الماضي، ونائللك الغمر |
وجدنا المُنى والأمن بعد شدائد | تقلّبُ أفلاذَ القلوب من الذعر |
فمدحك في الإحسان أطلقَ مقولي | وعندك أُفني ما تبقى من العمر |
وجدنا المُنى والأمنَ بعدَ شدائدٍ | بأكبرَ لم تعلقْ به شيمة ُ الكبر |
وفوزَ أُناسٍ، والمواهبُ قسمة ٌ، | بلثم سحابٍ من أناملك العشر |
ورفعَ عقيرات المدائح والعُلى | تصيخُ إلى شعرٍ تكلّمَ بالسحر |
بمختَلفِ الألفاظِ والقصدُ واحدٌ | كمختلفِ الأنفاسِ من أَرج الزهر |
فمن تاركٍ وكراً إليكَ مهاجرٍ | ومن مستقرٍ من جانبكَ في وكرِ |
وإن كنتُ عن مُجْرى السّوابقِ غائباً | فحاضرُ سبْقِي فيه مع قُرْحِ الخطر |
ويهدي إليكَ البحرُ دُرَّ مغاصِهِ | وإنْ لم تَقِفْ منه على طرفِ العبر |
حميتَ حمى العلياء في الملك ما سرى | إلى الحجرِ السّاري وخَيَّمَ بالحِجْر |