أمسكَ الصبا أهدتْ إلي صبا نجدِ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أمسكَ الصبا أهدتْ إلي صبا نجدِ | وقد ملِئَتْ أنْفاسُهُ لِي بالوجدِ |
رماني بحرّ الشوق بردُ نسيمها | أحدثتَ عن حرّ مذيب من البردِ |
وما طابَ عرفٌ من سراها وإنما | تطيبُ في جنح الدجى بِسُرَى هند |
حدا بالأسى شوقي رواحل أدمعي | فكم خدّدَ الخد الذي فوقه تَخْدِي |
ولي ذمّة ٌ مرعيّة ٌ عند عَبْرَة ٍ | تواصل ودي في فراق ذوي الود |
أُحِبُّ حبيباً نَجْلَ أوْسٍ لِقَوْلِهِ: | "فيا دمعٌ أنجدني على ساكني نجد" |
نوى أسلمتْ منا خلياً إلى شجى ً | ووصلاً إلى هجر، وقرباً إلى بعد |
وأسدٍ على مثل السعالي عوابس | لها لَبَدٌ من صَنعة ِ الحَلَق السّرْد |
كُفَاة ٌ وغيدٌ، أهدت الرّيحُ منهما | لنا سَهَكَ الماذيّ في أرَج الند |
سروا بالمها وهناً ومن ورق الظّبا | كناسٌ عليها حُفّ بالقصب المُلدِ |
ندير عيوناً شيبَ بالحسن حُسنها | فلله منها ما تُسر وما تبدي |
وتحسبُ منها في البراقع نرجساً | تخطّ الأسى بالطلّ في صفحة ِ الخد |
وكم غادة ٍ لا يعرفُ الرئمُ مثلها | رمتني بِسَهْمَيْ مقلتيها على عمد |
فريدة ُ حسن، تخجل البدر بالسنا | ودعصَ النقا بالرّدف، والغصن بالقد |
إذا عقدت، عَقْدَ الخيولِ، وشاحَها | على خصرها المجدول أوهت من العقد |
مهاة ٌ تكاد العين من لين جسمها | ترى الورق المخضّر في الحجر الصلد |
يَضِلّ سُرى المشط المسرح فرعها | إذا ما سرى في ليلِ فاحمه الجعد |
وتندى بمفتوتٍ من المسكِ صائك | قديرٍ إلى عصر الشباب على رد |
فلا تكُ منها ظالماً لِصِفاتِها | على الَثّغْرِ بالإغريضِ والرّيقِ بالشهدِ |
إذا باتَ قلبي بالصبابة ِ عندها | ففي أي قلبٍ بات وجدي بما عندي |
وليلٍ هوتْ فيه نجومٌ كأنها | يعاليلُ بحرٍ مُضمرِ الجزر في المد |
كأنَّ الثريّا فيه باقة ُ نرجسٍ | من الشرق يُهديها إلى مَغْرِبٍ مُهْد |
أردتُ به صَيْدَ الخيالِ ففاتَنِي | كما فرّ عن وصل المتيَّم ذو صد |
فكيفَ يصيدُ الطيفَ في الحلم ساهرٌ | أقلّ كرى من حَسْوَة الطائرِ الفرد |
أخو عَزَمَاتٍ باتَ يعتسِفُ الفلا | بعيرانة ٍ تردي وخيفانة تخدي |
قفارٌ نجت منها الصبا إذ تعلقت | حُشَاشَتُهَا مني بحاشية البرد |
وقد شُقّ خيطُ الفجر في جنح ليلنا | كما شُقّ حد السيف في جانب الغمد |
وأهدت لنا الأنوارُ في أرض حمة ٍ | من ابنِ عليٍّ غُرّة َ القمر السّعْد |
هنالك ألقى المجتدون عصيّهم | بحيثُ استراحوا من مطاوعة الكد |
لدى ملكٍ يُربي على الغيث جودهُ | وَيَغْرَقُ منه البحرُ في طَرَفٍ الثمد |
مندّى الأماني في مراتع ربعه | ومستمطر الجدوى ، ومنتجع الوفد |
ينير سريرُ الملك منه بأروع | سنا نورِهِ يجلو قذى الأعين الرمد |
غنيّ، بلا فقر لذكرى قديمة ٍ | بمفخره عن مفخر الأب والجد |
إذا السبعة ُ الشهبُ العليَّة ُ مثّلتْ | بمنظومٍ عِقْدٍ كان واسطة َ العقد |
جوادٌ بما قد شئت من بذل نائلٍ | ومن كرمٍ محضٍ، ومن حسبٍ عدِّ |
يجود ارتجالاً بالمنى لا رويَّة ً | فلا حُكْمَ تسويفٍ عليه ولا وعد |
تعوّد ظهر الحُجرِ في الحجرِ مركباً | ومَهّدَتِ العليا له الملكَ في المهد |
وقالت لقدّ السيف نبعهُ قَدِّهِ | ستعلمُ ما يلقاه حدّكَ من حدّي |
ترى الملكَ يستخذي لشدّة بأسه | خضوع ابن آوى للغضنفرة الورد |
تقوم على ساقٍ به الحربُ في العدى | ومجلسُهُ في صهوة الفرس النّهْد |
ويمتحُ نفسَ القِرْنِ عاملُ رُمحهِ | كما يمتح الماءَ الرشاءُ من الجُد |
إذا شرع الخطيَّ أغرى سنانه | من الذِّمر، معتاداً، بجارحة الحقد |
سليلُ الملوك الغر يؤنسُهُ النّدى | إذا ما عُلاهُ أوحشته من النِّدّ |
وما حِمْيَرٌ إلاَّ الغطارفة الألى | أياديهمُ تُسْدَى وأيديكُمُ تسدي |
يصولون صولَ الذائدين عن الهدى | ويعفون عفو القائدين ذوي الرشد |
وتسلب تيجان الملوك أكفُّهمُ | إذا طوقوا أيمانهمْ قضبَ الهند |
وحربٍ كأن البأس ينقدُ جمعها | ليعلم فيهم من يُزيَّفُ بالنقد |
ويقدح، قرعَ البيض في البيض، نارها | كما ينتضي القدحُ الشرارَ من الزند |
ضحوكٌ عبوسٌ في مراحٍ، مُنَقَّلٌ | عن الهزل في قطف الرءوس إلى الجد |
حشوها على الأعداء بالبيض والقنا | وبالزّرَدِ الموضون، والضُمّر الجُرْد |
أقول لك القولَ الكريم الذي به | جرى قلم العلياء في صحف الحمد |
وإن كنتُ عن علياك فيه مقصِّرا | فعذر مقلّ جاءَ بين يدي جهدي |
لك الفخر في جهر المقال كأنَّما | يُردّدُ في الأسماع صلصلة الرعد |
تولّى عليٌّ عهدَ يحيى وبعده | توليتَ عهدَ الملك، قُدّسَ من عهد |
وتوّجَ يحيى قبل ذاك بتاجه | تميمٌ، ومسعاه على سَنَنِ القصد |
وقال معزّ اليدن ذو الفخر لابنه | تميمٍ: سريرُ الملك أنتَ له بعدي |
ولو عَدّ ذو علمٍ جدودكَ لانتهى | إلى أوّلِ الدنيا به آخرُ العد |
وأنت على أعمارهم سوف تعتلي | لعمرٍ مقيمٍ في السعادة ممتد |
بكفّك سلّ الدِّين للضرب سيفه | وأضحى على أعدائه بك يستعدي |
سددت بأقيال الأسود ثغورهُ | وحقّ بها فتح الثغور من السد |
وجيشٍ عريضٍ بالشياح طريقه | يموج كسيلٍ فاض منخرقَ السد |
كأنَّ المنايا في الكريهة ألفيت | على خلقها من خلقه صورُ الجند |
وحربِيَة ٍ في طالع السعد أُنْشِيَتْ | فنيرانُها للحرب دائمة ُ الوَقْدِ |
جبالٌ طفت فوق اليماه وغيضتْ | بسمر القنا والمرهفات على الأسد |
ودُهمٌ بفرسان الكفاح سوابحٌ | تجافيفها في الروع منسدل اللبد |
فمن كلّ ذي قوسين يرسل عنهما | سهامَ المنايا فهي مُصْمِية ٌ تُرْدِي |
وترمي بنفطٍ نارُهُ في دخانه | به الموتُ محمرّ يؤوب بمسودّ |
وتحسب فيه زفرة ً من جهنم | تَصَعّدُ عن فَتْلِ اللوالب بالشد |
عرائسُ أغوالٍ تهادى وإنَّها | لَتُهْدِي، إذا صالت، من الموت ما تهدي |
قلوبُ عداة ِ الله منها خوافقٌ | كما قلبت فيها الصَّبَا عَذَبَ البند |
أبوك أصابَ الرشد فيها برأيه | وهدّ بها رُكْنَ العِدَى أيّمَا هَدّ |
وأصبحتَ منه في سجايا مُعَظَّمٍ | وحدُّ معاليك التعاليك عن الخد |
ولو كان يُستجدى الغمام بزعمهم | من البحر أضحى منك في المجد يستجدي |
فلا زالت الأعيادُ تلفيك سيدا | ينهَّى الندى في صونه رمثَ المجد |