أيّ نَعِيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أيّ نَعِيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ | وشغلُ كفَّيّ بكوبٍ وقَدَحْ |
فلا تلمني إنَّني مُغْتَنِمٌ | من السرور في زماني ما منحْ |
فإنَّهُ مُسْتَرْجَعٌ هِبَاتِهِ | وباخلٌ من الصِّبَا بما سَمَحَ |
وسقني من قهوة كاساتها | تُسرج في الأيدي مصابيح الصبح |
لو شمّها صاحٍ عَسيرٌ سُكرُهُ | تحتَ لثامٍ في فدامٍ لَطَفَحْ |
ولا تسوّفني إلى ترويقها | لا يَشْتوي اللّيثُ إذا اللّيثُ ذَبَحْ |
حتى أقول زاحفاً من نشوتي | يَحْسنُ بالتزحيف بيتُ المنسرح |
ومالىء ٍ زقاً وكاه مردياً | سَمَ الأسَى مِنْهُ بدُرْياقِ الفَرَحْ |
وجاثمٍ بَينَ النَّدَامي تَرْتَوِي | أشباحُهُمْ منه بما يَرْوَى شَبَحْ |
كأنَّما رَدّتْ عليه روحَهُ | سُلافه الراح فإن مُسّ رمحْ |
غضّ الصِّبا كأنَّما حديثُهُ | يمازج النَّفسَ بأنفاسِ الملح |
حلّ وكاءً شدّهُ عن مُدْمَجٍ | طَلّ دَمَ العنقودِ منه وسفح |
حتى إذا ما صب منه رَيّقاً | سدّ على ذوبِ العقيقِ ما فتح |
ترى نجيع الزقّ منه راشحاً | كأنَّهُ من وَدَجِ الليلِ رَشَح |
مدامة ٌ للروح أختٌ برة ٌ | يَنْأى بها سرُورُنا عن التَرَحْ |
قد عَلمَتْ مزاجَ فَشُرْبُها | يَجْرَحُهُ ثُمّتَ يَأسُو ما جَرَح |
وتجعل القار الذي باشرها | في اللدن مسكاً للعرانين نفحْ |
يحجب جسمُ الكاسِ من سعيرها | نفحاً عن الكاسِ ولولاه نفح |
والشمسُ منها في نقاب غيمها | مخافة ً من نورها أن تفتضح |
يومٌ كأنَّ القَطْرَ فيهِ لؤلؤٌ | يَنْظمِ للرّوْضِ عُقودا وَوُشَح |
يَقدحُ نارا من زِنادِ بَرْقِهِ | ويطفىء الغيث سريعاً ما قدحْ |
لمَّا جَرَتْ فيهِ الصِّبا عَليَلة ً | رقّ الهواءُ فيه للنفس وصحّ |
كأنَّما الكافورُ نَثْرُ ثَلْجِنا | أو نَدَفَ البُرْسَ لنا قوسُ قزح |
حتى علا الجوَّ دجى ً لم يغتبق | فيه الثرى من الحيا كما اصطبح |
غرابُ ليل فوقنا محلّقٌ | يقبض عنّا ظلّهُ إذا جنح |
وقد محا صبغَ الدّياجي قمرٌ | دينارهُ في كفّه الغربِ رجحْ |
حتى إذا رَدَّ حُدا عَدوّهِمْ | من كان في وادي الرّقادِ قد سَرَح |
نَبّهَ ذا هَذا وكلٌّ طَرْفُهُ | يلمحُ طرفَ الشكرِ من حيثُ لمح |
يسألُ في تَقْوِيمٍ جيدٍ مائلٍ | لم يسامحْ في الحمْيّا لَسمَحَ |
أضارِبٌ كفّيه يَشدو سَحَرا | أم نافضٌ سقطيه فيه قد صَدَح |
نَبَّهَ للقهوَة ِ كلّ طافح | في مصرعِ السكر قتيلاً مطّرَح |
من كل جذلان كأن رُوحَهُ | عن جسمه من شدة السكر نزح |
إن الذي شحّ على إيقاظه | سامحَ في الشهبِ نداماه فشحْ |
وجاءنا الساقي بصحنٍ مفعمٍ | لو شاء أنْ يَسْبحَ فيه لسَبَح |
يا لائمي في الراح كم سيئة ٍ | تَجاوَزَ الغَفارُ عنها وصَفَح |
ماذا تريد من سبوقٍ كلما | رُمتَ وقوفاً منه باللوم جَمَح |
أغشٌ خلقِ اللهِ عند ذي هوى | من عرض الرشد عليه ونصح |
حتى إذا فكّر عَنْ بصيرة ٍ | ذمّ مِنَ الأفعالِ ما كان مَدَح |