من كان يعذب عندها تعذبني
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
من كان يعذب عندها تعذبني | أنى ترقّ لعبرتي ونحيبي |
من أين يعلم من ينام مسلَّماً | حُمة ً تؤرق مقلة الملسوب |
أتدبّ في جفنيه طائفة الكرى | وعقاربُ الأصداغ ذاتُ دبيب |
وتنام في ورد الخدود ولدغها | متسرّب من أعينٍ لقلوب |
وكأنَّما سَمٌّ مُذِيبٌ مِسْكُهَا | أيذيبني والمسكُ غير مُذيب |
كيف السبيل إلى لقاء غريرة | تلقى ابتسام الشيب بالتقطيب |
من أين أرجو أن أفوز بسلمها | والحرب بين شبابها ومشيبي |
ما حبَّ شمس عنك تغرب في الفلا | من أنجم طلعت بغير غروب |
قالت لمنشدها نسيبي: ما له | ليس النسيب لمثله بنسيب |
فإلام يُنشدني تغزّلَ شاعر | ما كان أولاه بوعظ خطيب |
يا هذه أصدى دعوت مردداً | ليجيب منك فكان غير مجيب |
ليتَ التفاتي في القريض أعرتِهِ | حُسنَ التفاتك رحمة ً لكئيب |
وذكرتِ من ضرب المرفل صيغة ً | بمرفل من ذلك المسحوب |
وعسى وعيدُك لا يضيرُ فلم أجِدْ | في البحر ضرباً مؤلم المضروب |
إنَّ الزمان أصابني بزمانة ٍ | أبلت بتجديد الحياة قشيبي |
ففنيت إلاّ ما تطالع فكرتي | بالحذق من حِكَمي ومن تجريبي |
ووجدتُ علم الشعر أخفى من هوًى | لم تفشهِ عينٌ لعين رقيب |
ومدائحُ الحسنِ المبخَّرَة ُ الّتي | فغمت بطيب الفخر أنفَ الطيب |
ذو همَّة ٍ لَذَلَ الندى وحمى الهدى | بمهنَّدٍ ذرِبٍ بكفِ ضروب |
حامي الحقيقة ِ عادلٌ لا تَتَقِي | في أرضه شاة ٌ عداوة َ ذيب |
ملكٌ غدا للعيد عيداً مبهجاً | يرعى الفللا بفمٍ وترعى نحضهُ |
ورد المصلى في جلال معظَّمٍ | ووقارِ مخشع وسمت منيب |
بعرمرم ركبت لإرجال العدى | عقبانُ جوٍّ فيه أُسْدَ حروب |
عُقِدَ اللواءُ به على ذي هيبة ٍ | حالي المناسلب بالكرام حسيب |
والبُزلُ تجنحُ بالقبابِ تهادياً | عومَ السفين بشمألٍ وجنوب |
من كلّ رَهْوٍ في المقادة مَشْيُهُ | نَقَلَ الخطى منه على ترتيب |
وكأنما تعلو غواربها ربُى | روضٍ بثجّاج الحيا مَهْضوب |
ونجائبٍ مثلِ القسيّ ضوامرٍ | وصلت بقطع سباسب وسهوب |
من كلّ مختصرِ الفلاة بِمَعْجلٍ | فكأنها إيجازُ لفظِ أديب |
يرعى الفلا بفمٍ وترعى نحضه | من منسمٍ للمروِ ذي تشذيب |
ومطلة في الخافقين خوافقٍ | كقلوب أعداء ذوات وجيب |
من كل منشور على أفق الوغى | مسطُورُه كالمُهْرَقِ المكتوب |
جاءت تتربه العتاق بنقعها | والريح تنفضه من التتريب |
أو كلّ ثعبانٍ يُناطُ بقسورِ | بين البنودِ كَمُحَنَقٍ وَغَضُوب |
صور خُلعنَ على الموات فخليت | فيها الحياة بسورة ووثوب |
وفغرن أفواهاً رحاباً عطلت | أشداقها من ألسن ونيوب |
من كلّ شخصٍ يحتسي من ريحه | روحاً يحرك جسمه بهبوب |
وترى بها العنقاءَ تنفضُ سِقْطَها | في نَفْنَفٍ للحائمات رحيب |
وصلْتُ ذُرى المهديّتين وهاجرتْ | وكراً لها بالهند غير قريب |
وصواهلٍ مثل العواسل عدوها | أبدا لحرب عدوّك المحروب |
مِنْ كلّ وَرْدٍ ما يشاكلُ لونَهُ | إلاّ تورّد وجنة ِ المحبوب |
وكأنَّما كَنَزَتْ ذخيرة ُ عِتْقَه | منه عبابَ البحر في يعبوب |
أو أدهمٍ داجي الإهابِ كأنَّما | صَبَغَ الغرابَ بلونهِ الغربيب |
أرساغهُ دُررٌ على فيروزجٍ | لان الصفا من وقعهِ لصليب |
يعدو ولا ظلٌّ له فكأنَّهُ | برق فيا للبرق من مركوب |
أو أشهبٍ مثل الشهاب ورجمهِ | شخصَ المريدِ بِمُحرقٍ مشبوب |
لافرقَ ما بين الصباح وبينه | إلاَّ بعدوٍ منه أو تقريب |
أو أصفرٍ مثل البهار مغيّر | بسواد عَرْفٍ عن سواد عسيب |
أو أشعل للون فيه شعلة ٌ | تذكى بريحٍ منه ذات هبوب |
وكأنه مِرداة صخرٍ حطّهُ | من علوَ سيلٌ ماجَ في تصويب |
وكأنَّما سَكِرَ الكميتُ بلونه | فلهُ بمشيته اختيال طروب |
وكأن حدة َ طرفه وفؤاده | من خَلْقِهِ في الأذن والعرقوب |
وجلت سروج الحلي فوق متونها | سرجاً تألق، وهي ذات لهيب |
صَدَرَتْ من الذهبِ الثقيل خفافُها | ونشاطها متخثرٌ بلغوب |
وكأنَّما من كلّ شمسٍ حلية | صيغت لكلّ مسوَّمٍ مجنوب |
صليت ثم قفوت ملة َ أحمدٍ | في نَحْرِ كلّ نجيبة ٍ ونجيب |
من كلّ مرتفع السنام تحمَّلتْ | فيه المُدَى بالفرْيِ والتْرغيب |
حيثُ الندى بعفاته متبرحٌ | تسديه كفّ متوَّج محجوب |
يا من قوافينا مخافة َ نقده | خَلُصَتْ من التنقيح والتهذيب |
لم يبقَ في الدنيا مكان غير ذا | يجري المديح به ذوو التأويب |
خذها عروسَ محافل لا تجتلى | إلا بحلي علاك فوق تريب |
لم يخرج الدرُّ الذي زينت به | إلاَّ بغوصٍ في البحور قريب |
أما بناتي المفردات فإنها | في الحسن أشهر من بنات حبيب |
لا ينكح العذراء إلا ماجدٌ | تبقى بعصمته بقاءَ عسيب |
وأنا أبو الحسناءِ والغرّاءِ إنْ | أغربْ فما الإغرابُ لي بغريب |
يدعو لك الحجّاج عند عجيجهم | وصِياحِهِمْ بالبيتِ في ترحيب |
من كلّ أشعثَ مُحْرمٍ بلغ المُنَى | بِمِنى ً وأدركَ غاية َ المطلوب |
يبكي بمكة والحجونِ مردداً | وبيثربٍ يدعو بلا تثريب |
فبقيت في العليا لتدمير العدى | وغنى الفقير وفرجة ِ المكروب |