خطاب الرزايا إنه جلل الخطبِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
خطاب الرزايا إنه جلل الخطبِ | وَسَلْمُ المَنايا كالخَدِيعة ِ في الحربِ |
تريد من الأيَّام كفَّ صُروفها | أمنتقلٌ طبْعُ الأفاعي عن اللسب |
وتلقى المنايا وهي في عَرَض المنى | وكم أجلٍ للطير في ملقطِ الحبّ |
تناوم كلّ الناس عمّا يصيبهم | وهمْ من رزايا دهرهم سلمُ العصب |
بكأسِ أبِينا آدمٍ شُرْبُنا الَّذِي | تَضَمَّنَ سُكَرَ المَوْتِ يا لك من شرْبِ |
إذا ورث المولود عِلّة َ والدٍ | فعدِّ بهِ عَنْ حِيلَة ِ البرءِ والطبِّ |
حُتُوفٌ على سَرْحِ النفوس مغيرة ٌ | فقلْ كيف تغدو وهي آمنة السرب |
يَسُنّ عليه الذِّمْرُ عذراءَ نثرة ً | تخال بها التأنيث في الذكر العضب |
على الجسم منها الذوب إن فاض سرْدها | كفيضِ أتِيٍّ والجمود على الكعب |
ويُصميه سهمٌ مصردٌ ليس يتّقى | له في الحشا رامٍ تستر بالخلب |
وليس بمعصومٍ من الموْتِ مُخْدَرٌ | له غَضَبٌ يبدو بحملاقة الغَضْبِ |
كأنَّ سكاكيناً حدادا رؤوسها | مغززة في فيهِ في جانبي وقب |
فكيف نردّ الموت عن مهجاتنا | إذا غلبت منه ضراغمة الغلب |
وقاطعة ٌ طولَ السُّكاك وعرضه | تُحلِّق من بُعْدِ السماءِ على قربِ |
إذا برق الإصباح هزّ انتفاضها | من الظلّ أشباه العوامل والقضب |
مباكرة صَيْدَ الطيور فما تَرى | طريدتها إلا مخضخضة َ القعب |
وعصمٌ إذا استعصمن في شاهق رَقَتْ | إليها بنات الدّهرِ في المُرْتَقَى الصّعب |
على أنها تنقض من رأس نيقها | على كلّ رَوْقٍ عند قَرْع الصفا صلب |
سينسف أمْرُ الله شمّ جِبالها | كما تنسف الأرواح منهالة َ الكثب |
لكلٍّ حياة ٌ ثمّ موتٌ ومبعثٌ | إذا ما التقى الخصمان بين يدي ربي |
وتستوقف الأفلاك عن حركاتها | ويسقط دري النجوم عن القطب |
ألم تأتِ أهلَ الشرقِ صرخة ُ نائِحٍ | يُفِيض غروبَ الدمع من بلد الغرب |
سقى الله قبراً ثائراً بسفاقسٍ | سواجم يرضى الترب فيها عن السحب |
فقد عَمَّهُ الإعظامُ منْ قَبْرِ عَمَّة ٍ | أنوحُ عليها بالنحيب إلى النّحبِ |
بدمع يمدّ البحرُ في السِّيفِ نحوه | إذا الحزن منه واصل السكبَ بالسكبِ |
ولو آمنُ الإغراقَ أضْعَفْتُ سَحّهُ | ولكنّ قلبي الرطبَ رقّ على قلبي |
برغمي نعتها ألسنُ الركب للعلى | فكيف أرُدّ النعيَ في ألسن الركب |
غريبة ُ قبرٍ عن قبور بأرضها | مجاورة ٌ في خطّة الطعْنِ والضّرْبِ |
كريمة ُ تقوى في صلاة تقيمها | وصومٍ يَحُطّ الجسمُ منه على الجدب |
زكتْ في فروع المكرمات فروعُها | وأنجبت الدنْيا بآبائها النُّجب |
ولما عدمنا من بهاليل قومها | مآتم تبكيها بكينا مع الشهب |
حمدنا بكاءَ الزُّهْرِ بنتَ محمَّد | وهل ندبت إلاَّ ابنة السيد الندب |
مضَتْ ولها ذِكْرٌ من الدين والتّقى | تفسّره للعجم ألسنة العرب |
أيصبحُ قلبي بالأسى غيرَ ذائبٍ | وقلبُ الثرى قاسٍ على قلبها الرطب |
وكنتُ إذا ما ضاق صدري بحادثٍ | فزعتُ بنجواه إلى صدرها الرحب |
وتُذهبُ عني همّ نفسي كأنها | شَفَتْ غُلَّة َ الظمآن بالبارد العذب |
أهاتفة ً باسمي عليّ تَعَطّفاً | حنينَ عطوفٍ شقّ سامِعَتِي سَقْبِ |
أبوكِ الذي من غرسه طالت العلى | وأُسْنِدَ عامُ المحلْ فِيهِ إلى الخصب |
تَنَسّكَ فِي بِرٍّ ثمانين حِجَّة ً | فيا طول عُمرٍ فيه فرّ إلى الرب |
ضممت إلى صدري بكفّي جسمه | وأسندتُ مخضرّ الجنابِ إلى الجنب |
تبرّكتِ الأيدي بتسوية الثرَى | على جبلٍ راسي الأناة ِ على هضبِ |
أغارَ لهم ماءُ الجموم بعبرة | أم أنبَتّ في أيديهمُ كَرَبُ الغُرْبِ؟ |
فيا ليتني شاهدتُ نعشكِ إذا مشى | حواليه: لا أهلي حفاة ً ولا صحبي |
ودفنكِ بالأيدي الغريبة والتقت | مع الموت في إخفاء شخصك في حدب |
فأبسط خدي فوق لحدك رحمة ً | وتُسفي عليه الترب عيناي بالهدب |
أرى جسمك المرموسَ من روحه عفا | وأصبحَ معموراً به جدثُ الترب |
فلو أن روحي كان كسبي وهبته | لجسمك، لكن ليس روحيَ من كسبي |
ولَوْ تُنظم الأحساب يوْماً قَلائِدا | لقلد منها جَوْهَرُ الحسبِ اللّبِّ |
أبا الحسن الأيامُ تَصرعُ بالغنى | وتُعقِبُ بالبلوى وتخدع بالحبّ |
مصابك فيها من مصابي وجدته | وحزنك من حزني وكربك من كربي |
فصبراً فليس الأجر إلا صابراً | على الدهر إن الدهر لم يخلُ من خطبِ |
ألم ترَ أنا في نوًى مستمرة | نروح ونغدو كالمصر على الذنب |
فلا وصل إلاّ بين أسمائنا التي | تسافرُ منَّا في مُعَنْونَة ِ الكتبِ |
فدائمة السقيا سماءُ مدامعي | لخدي، وأرض الخدّ دائمة الشرب |