قَليلٌ مِنَ الخُلاّنِ مَنْ لا تَذُمُّهُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
قَليلٌ مِنَ الخُلاّنِ مَنْ لا تَذُمُّهُ | وَكُثْرٌ مِنَ الأعداءِ مَن أنتَ هَمُّهُ |
وغير بعيد منك ناءٍ تزوره | وَغَيرُ قَرِيبٍ قاطِنٌ لا تَؤمّهُ |
مصافيك في الأيام أنفك أنفه | إذا جَلّ مَا تَلقى ، وَرُغمُكَ رُغمُهُ |
ألا ليت بين الحيّ لم يقض يومه | وَلَيتَ ظَليعَ الذّوْدِ لم يُبرَ سُقمُهُ |
وليت أديم الأرض يعرى كما اكتسى | من النّاس أو يعفو كما بان رسمه |
فماذا الورى ممن يراد بقاؤه | وَلا المَوْتُ مَعذولٌ إذا جارَ حُكمُهُ |
تباشر عيني فيهم ما سوءها | ويلقى جناني منهم ما يغمه |
سقى الله قلباً بين جنبيّ ريّه | وَمَا نَافِعٌ قَلبي مِنَ المَاءِ جَمّهُ |
ولكنَّ مشتاقاً إذا بلغ المنى | تقضى أوام القلب أو زال وغمه |
أما علم الغادون والقلب خلفهم | يضم زفيراً يصدع الصّلد ضمه |
بأنّ وَميضَ البَرْقِ ما لا أَشِيمُهُ | وَأنّ نَسيمَ الرّوْضِ ما لا أشُمّهُ |
وَرُبّ وَميضٍ نَبّهَ الشّوْقَ وَمضُهُ | ورُبَّ نسيم جدّد الوجد نسمه |
أضَعْتُ الهَوَى حِفظاً لحَزْمي، وَإنّما | يُصَانُ الهوَى في قلبِ من ضَاعَ حَزْمُهُ |
وَطَيفِ حَبيبٍ رَاعَ نَوْمي خَيَالُه | وعرّفني طول الليالي ملمّه |
وما زارني إلاّ ليخجل طيبه | نَسيمَ الصَّبا أوْ يَفضَحَ اللّيلَ ظَلمُهُ |
تَطَلّعَ مِنْ أرْجَاءِ عَينيَ دَمْعُهَا | وَما كادَ لَوْلا الوَجدُ يَنقادُ سجمُهُ |
ألا هَلْ لحُبٍّ فاتَ أُولاهُ رَجعَة | وَإن زَادَ عندِي أوْ تضَاعَفَ اسمُهُ |
لياليَ أسري في أصيحاب لذة | ومخ الدّجا رارٌ وقد دقّ عظمه |
وأغدوا على ريعان خيل تلفها | صدور القنا والنّقع عالٍ احمه |
رَأيتُ الفَتى يَهوَى الثّرَاءَ، وَعُمرُه | يُرى كلّ يوم زائداً منه عدمه |
عَقيبُ شَبابِ المَرْءِ شَيبٌ يَخُصّهُ | إذا طَالَ عُمرٌ أوْ فَناءٌ يَعُمّهُ |
طليعة شيب بعدها فيلق الردى | برأسي له نقع وبالقلب كلمه |
أُغالِطُ عَنْ نَفسِي حِمامي، وَإنّما | أُدارِي عَدُوّاً مَارِقاً فيّ سَهْمُهُ |
وَلَيسَ يَقُومُ المَرْءُ يَوْماً بحُجّة ٍ | إذا حضر المقدار والموت خصمه |
وَأوْلى بمَنْ يَستَخلِفُ الدّهرَ بَعدَه | على صِرْمه أن يُودعَ الأرْضَ صِرْمُهُ |
فَوَا عَجَبا للمَرْءِ، وَالداءُ خَلفه | ومن حوله الأقدار والموت أمه |
يُسَرّ بِمَاضِي يَوْمِهِ، وَهوَ حَتفُه | وَيَلتَذّ مَا يُغذَى بهِ، وَهوَ سُمّهُ |
ورودٌ من لآجال لا يستجمّنا | وَوِرْدٌ مِنَ الآمَالِ لا نَستَجِمّهُ |
إلى كم أذُودُ السّيفَ عن هامِ عُصْبة ٍ | أما فيهمُ من يطعم السّيف لحمه |
وعنديَ عال من دم الجوف شربه | وماضي الظُبا من أسود القلب طعمه |
أقُولُ لِغِرٍّ بي: لُفِفْتُ بضَيغَمٍ | يَؤدّ الأعادي خَطفُهُ ثمّ حَطمُهُ |
فدع هضبة منا بنى الله سمكها | فَإنّ بِنَاءَ اللَّهِ يُعيِيكَ هَدْمُهُ |
ومن عجب الأيام إني محسد | أُعادَى على ما يوجبُ الوُدّ حُكْمُهُ |
وليس الفتى من يعجب الناس ماله | وَلكِنّهُ مَنْ يُعجِبُ النّاسَ عِلمُهُ |
تَشُفّ خِلالُ المَرْءِ لي قبلَ نُطقِه | وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه |
أرَى آخِرَ الخُلاّنِ وُدّاً يَسُوءُني | إذا همّ واطى بين رأييه همه |
ولو غير قلبي ضمّ ذا العزم شقه | ولكنّه لا يقتل الصلّ سمّه |
وأبلج لا يرضى عن العجز رأيه | تمدُّ على أضوى من البدر لثمه |
إذا خَلَعَ اللّيلُ النّهارَ سمَتْ بِهِ | مآرب مضَّاءٍ على ما يهمّه |
وكم في نزار من نهيض نجيبة | إذا سلّ عضباً سابق الضرب عزمه |
أنِيسٍ بلُقْيَانِ الحُرُوبِ كَأنّمَا | تمطّتْ به في ناشر النّقع أمّه |
إذا ضَرَعَ الأقوَامُ من سُوءِ نكبَة ٍ | جلاها قويم الأنف فيها أشمّه |
رَفيعُ بُيُوتِ المَجْدِ كَالجَدّ جَدُّهُ | فخاراً وفي العلياء كالخال عمّه |
مهيب وقار الجانبين أبيّه | وَمُخوِلُ مَجْدِ الوَالِدَينِ مُعِمّهُ |
فَمِنْ خَائِفٍ عِندَ اللّيَالي نُجِيرُهُ | ومن شعث بين المعالي نلمّه |
وإنّي لدفاع بيَ العزم والمنى | إلى كُلّ لَيل يَعقِدُ الطّرْفَ نَجمُهُ |
وما تستدل النّجم عينايَ في الدّجا | ضلالاً ولكنْ مثل عينيّ جرمه |
شددنا بأيدي العيس كل ثنية | وَمِنْ دُونِها جَوْنُ القَرَا مُدلَهِمّهُ |
ومنخرق لا يقطع الطرف عرضه | ولا ينزوي عن أعين الرّكب خرمه |
تَوَهّمتُ عَصْفَ الرّيحِ بَينَ فرُوجِه | يُسِرّ إلى سَمعي مَقَالاً يُصِمّهُ |
وجيش يسامي كلّ طود عجاجه | ويفترّ عنه كلّ وادٍ يضمه |
تخطفُ أبصار الأعادي سيوفه | وَتَمْلأُ أسْمَاعَ القَبَائِلِ لُجْمُهُ |
إذا سار صبحاً طارد الشمس نقعه | وإن سار ليلاً طبّق الأرض دهمه |
تراجعُ حمراً من دم الضّرب بيضه | وَتَنجابُ شُقراً من دَمِ الطّعن دُهمُهُ |
صدمنا به الجبَّار في أمّ رأسه | وكانَ شِفاءَ الرّأسِ ذي الدّاءِ صَدمُهُ |
وَما ضَاقَتِ الأقطارُ مِنْ دُونِ فَوْتِهِ | ظبانا ولكنْ أوبقَ العبد ظلمه |
عَذيرِيَ مِمّنْ ذَمّ عَهدي، وَقد نبا | مِرَاراً، وَقَلْبي وَادِعٌ لا يَذُمّهُ |
تجرم لما لم يجدْ ليَ زلة | وأقصدني باللّوم والجرم جرمه |
تَعَمّدتُ بُعدي عَنه من غيرِ سَلوَة ٍ | ليعلّمني يوم النّوى كيف طعمه |
وَأجمَمْتُهُ لا عَنْ غَنَاءٍ، وَإنّمَا | لأشربه في حرّ خطب أجمه |
وَإنّي، وَإنْ وَالَى على القَلبِ حَرْبَه | لمنتظر أنْ يعقب الحرب سلمه |
وَلا تَيْأسَنْ مِنْ عَفْوِ حُرٍّ، فإنّما | تَحَلُّمُهُ بَاقٍ، إذا ضَاعَ حِلمُهُ |
أأطْمَعُ أنْ أنْسَاكَ يَوْماً، وَإنّمَا | هواك ضجيع القلب مني وحُلمه |
يقر بعيني منظر أنت قيده | |
وَأنتَ الفَتى لا عاجزٌ عَن فَضِيلَة ٍ | وَغَيرُ قَليلِ مَنْ مَعاليهِ قَسْمُهُ |
تجاوَزْ بعَمدٍ وَاعفُ، فالعَتبُ إن يَدُمْ | على الخلّ يفسُدْ ظنّ قلب ووهمه |
أرى آخر الخلاّن وداً يسؤني | ويمدح عندي أولا طال ذمه |
عَلى أنّني رَاضٍ بِمَا جَرّ هَجْرُه | وهل أنا إلاّ القلب يلتاث جسمه |