يا دارُ مَا طَرِبَتْ إلَيكِ النّوقُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
يا دارُ مَا طَرِبَتْ إلَيكِ النّوقُ | إلا وربعك شائق ومشوق |
جاءتكِ تَمرَحُ في الأزِمّة ِ وَالبُرَى | وَالزّجْرُ وِرْدٌ وَالسّياطُ عَلِيقُ |
وتحن ما جد المسير كأنما | كل البلاد محجر وعقيق |
دارٌ تَمَلّكَهَا الفِرَاقُ فَرَقّهَا | بالمحل من أسر الغمام طليق |
شرقت بأدمعها المطي كأنما | فيها حَنِينُ اليَعمَلاتِ شَهِيقُ |
خَفَقَتْ يَمَانيَة ٌ عَلى أرْجَائِهَا | وطغت عليها زعزع وخربق |
في كل أصباح وكل عشية | يسري عليها للدموع فريق |
سَخِطَ الغُرَابُ على المَساقطِ بَينَها | فله بأنجاز الفراق نعيق |
فتوزعت تلك القذاة نواظر | وَتَقَسّمَتْ تلكَ الشّجَاة َ حُلوقُ |
الآن أقبل بي الوقار عن الصبا | فغضضت طرفي والظباء تروق |
ولو أنني لم أعط مجدي حقه | أنكَرْتُ طَعمَ العزّ حينَ أذُوقُ |
رمت المعالي فامتنعن ولم يزل | أبَداً يُمَانِعُ عَاشِقاً مَعشُوقُ |
وصبرت حتى نلتهن ولم أقل | ضجراً دواء الفارك التطليق |
ما كنت أول من جثا بقميصه | عبقُ الفخار وجيبه مخروق |
كَثُرَتْ أمَانيّ الرّجَالِ، وَلمْ تزَلْ | مُتَوَسِّعَاتٌ، وَالزّمَانُ يَضِيقُ |
من كل جسم تقتضيه حفرة | فكأنه من طينها مخلوق |
ومفازة تلد الهجير خرقتها | وَالأرْضُ من لمعِ السّرَابِ بُرُوقُ |
بنَجَاءِ صَامِتَة ِ البُغَامِ كأنّها | والآل يركض في الفلاة فنيق |
سَبقتْ إليكَ العزْمَ طائشة ُ الخُطى | فنجت وأعناق المطي تفوق |
جذبت بضبعي من تهامة قاصداً | والنجم في بحر الظلام غريق |
مُستَشرِياً بَرْقاً تَقَطّعَ خَيطُهُ | فله عن طرر البلاد شروق |
هز المجرة أفقه وكأنها | غصن بأحدق النجوم وريق |
وَالليلُ مَحلولُ النّطاقِ عن الضّحى | عارٍ، وَعِقدُ الصّبحِ فيهِ وَثيقُ |
ما كان الأهجعة حتى انثنى | والطرف من سكر النعاس مفيق |
وتماسكت تلك العمائم بعد ما | أرْخَى جَوَانبَها كَرًى وَخُفُوقُ |
ما رفهت ركباتها إلا وفي | جلد الظلام من الضياء خروق |
يا ناق عاصي من يماطلك السرى | فلَحيقُ غَيرِكِ بالعِقالِ خَلِيقُ |
وردي حياض فتى معد كلها | فالحبل اتلع والقليب عميق |
وإذا تراخت حبوتي أوثقتها | بفناء بيت تربه العيوق |
في بلدة حرم على أعدائه | وَعَلى النّوَائِبِ رَبْوَة ٌ إزْلِيقُ |
تتزاحم الأضياف في أبياته | فِرَقاً تَحِنّ إلى القِرَى وَتَتُوقُ |
وَإذا رَآهُمْ لمْ يَقُلْ مُتَمَثّلاً | أبنى الزمان لكل رحب ضيق |
عجَباً لرَبعكَ كيفَ تُخصِبُ أرْضُه | وَجَنابُهُ بدَمِ السّوَامِ شَرِيقُ |
وَالخَيلُ تَعلَمُ أنّ حَشوَ ظُهورِها | منه نهى ينجاب عنها الموق |
مَا زَالَ يَجنُبُها إلى أعْدائِهِ | والشمس تسحب والفلاة تضيق |
مِنْ كُلّ رَقّاصٍ كَأنّ صَهيلَهُ | نغم وما مج الطعان رحيق |
طِرف تعود أن يُخلَّقَ وجهه | في حَيثُ يَنضُو النّقعَ وَهوَ سَبوقُ |
ذو جِلْدَة ٍ حَمرَاءَ تَحسَبُ أنّها | من طول تخليق الرهان خلوق |
واليوم ملطوم السوالف بالظبا | وَاللّيلُ مُرْتَعدُ النّجومِ خَفُوقُ |
لقطت نفوسهم شفاه صوارم | فَرَغَتْ وَأسيَافُ العَوَامِلِ رُوقُ |
في كُلّ يَوْمٍ يَندُبُونَ مصَارِعاً | للوَحْشِ فِيها وَالنّسُورِ طُرُوقُ |
نَشوَانَة ُ الأعطَافِ مِنْ دَمِ فتيَة ٍ | فيهم صبوح للردى وغبوق |
تبكي عليها غير راحمة لها | بالهَاطِلاتِ رَوَاعِدٌ وَبُرُوقُ |
طلَعتْ وَفي سَجف | ِ الغيوبِ فُتوقُ |
ويكر والفرس الجواد مبلد | وَيَقُدّ وَالعَضْبُ الحُسامُ مَعوقُ |
كرات من شدت قوائم عزمه | فلها رسيم في العلى وعنيق |
كفاه ادبتا السهام فما لها | في النّبضِ عن خطإ البَنانِ مُرُوقُ |
لَوْلا احتذاءُ السّهمِ طاعة َ قَوْسِهِ | ما شَيّعَ النّصْلَ المُصَمِّمَ فُوقُ |
يدني الحمام بكفه مترسل | لقضائه نائي السنان رشيق |
نُفِضَتْ عَلى الأيّامِ مِنهُ شَمائلٌ | ابرزن وجه الدهر وهو طليق |
وَأقامَ أسوَاقَ الضّرَابِ فللرّدَى | فيهن من سبي النفوس رقيق |
نفسي فداؤك أي يوم لم تقم | لك فيه من جَلَبِ القَوَاضِبِ سُوقُ |
قمر يهاب الموت ضوء جبينه | واليوم خوار العجاج غسوق |
وَالسّيفُ ليسَ يُهابُ قَبلَ قِرَاعِه | حَتّى يَمَسّ العَينَ مِنهُ بَرِيقُ |
عشق السماح وكل سحر للمنى | فيهِ بأنفَاثِ السّؤالِ يُحيقُ |
طهرت قلبي مذ علمت بأنه | لتُرى مدائحه العظام طريق |
كم كاهل للشعر أثقل نعته | عطفيه وهو لما يؤدّ مطيق |
طأْطأْت فرع المجد ثم جنيته | فارْتَدّ وَهوَ عَلى عِداكَ سَحُوقُ |
فرع أشار إلى السماء فجازها | حتى كأن له النجوم عروق |
وَمُبَخَّلٍ شَهِدَتْ عَلَيهِ يَمينُهُ | في حَيثُ يَمنَعُها النّدى وَيَعُوقُ |
يبكي إذا بكت السحاب كأنه | أبداً عَلى طَرفِ الغَمَامِ شَفِيقُ |
وإذا تعرض عارض أغضى له | ألاّ يَرَى الأنْوَاءَ كيفَ تُرِيقُ |
لَوْ أبدَتِ الأيّامُ جانِبَ وَجهِهِ | لتشبثته مظالم وحقوق |
إنْ سَارَ سَارَ إلى النّزَالِ بخِفيَة ٍ | حتى كأن سلاحه مسروق |
بيت أقام البخل فيه فاستوى | بفنائه المحروم والمرزوق |
يرجو بلوغ نداك وهو محقق | مع حرصه أن الجواد عتيق |
في الطينة البيضاء غرسك أنه | غَرْسٌ تَداوَلُهُ البِقَاعُ عَرِيقُ |
فإذا التثمت فكل وجه باسل | وإذا حسرت فكل خد رُوق |
اللَّهُ جَاركَ، وَالمَطيُّ جَوَائِرٌ | وَالنّصرُ دِرْعُكَ، وَالحُسامُ ذَليقُ |
لا زِلتَ تَجنُبُ من سيوفك في العدى | نَحراً يَخُبّ وَرَاءَهُ التّشرِيقُ |
وَإذا جهرْتَ بصَوْتِ عزْمك مُسمعاً | أصْغَى إلَيكَ اليُمْنُ وَالتّوْفيقُ |
شرّفتَ مَدحي فاعتَلى بكَ طَوْدُهُ | ومن المدائح فائق ومفوق |
شَهِدَتْ لَهُ خَيلُ الخَوَاطرِ أنّهُ | خَيرُ الصّهيلِ، وَمَا سِوَاهُ نَهيقُ |