int(94) array(0) { }

أرشيف المقالات

حينما توجه أسئلتك الشرعية إلى محرك البحث (قوقل)

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
حينما تُوجِّه أسئلتك الشرعية إلى محرك البحث (قوقل)
 
من النعم التي أنعم الله بها على الناس، تسهيل طرق العلم الشرعي بعدما كانت إلى وقت قريب تتطلب جهدًا ومالًا، وقد اعتمد كثير من المسلمين في الآونة الأخيرة على الإنترنت ومُحرِّك البحث الشهير قوقل في الحصول على إجابات لاستفساراتهم الشرعية ومسائلهم التي يواجهونها؛ حيث سهَّل هذا الأمر الحصول على المعلومة بطريقة أسهل وأسرع من ذي قبل، فقد لا يحتاج الشخص أن يذهب إلى فقيه في مسجده أو عالم في بيته كي يسأله، والذي قد لا يُوفَّق للقاء به نظرًا لانشغال العالم أو عدم وجود الفقيه في بلده أو لغيرها من الأسباب، وقد يكون السائل بحاجة إلى إجابة عاجلة وسريعة على سؤاله، ولا يستطيع التواصل المباشر مع جهة الفتوى، كما هو الحال أثناء تأدية مناسك الحج أو مسائل النكاح والطلاق.

وبذلك يتَّجِه السائل إلى محرك البحث الشهير (قوقل) كي يزوده بالجواب، وهنا لا بد أن يراعي السائل عددًا من الأمور سواء كانت أمورًا شرعية أو تقنية، انطلاقًا من قول التابعي الجليل محمد بن سيرين: (إن هذا العلم دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم)[1]، ولأن عدم الأخذ بمثل هذه الأمور قد ينتج عنه الحصول على إجابة خاطئة أو فتوى غير صحيحة، ولعلي أركِّز على عاملين اثنين فقط:
العامل الأول: أن يعي المسلم أن مُحرِّكات البحث سواء كان قوقل أو غيره من المحركات إنما تعتمد على خوارزميات[2] معدة مسبقًا تتمكن من الوصول إلى ما يريده الباحث عن المسألة الشرعية، وهذه الخوارزميات تتأثر بشكل كبير بعدد من العوامل منها نَصُّ السؤال أو الكلمات المفتاحية (Keywords) التي يكتبها الباحث عما يريد، فقد يبحث اثنان عن مسألة واحدة ويحصلان على نتائج غير متشابهة، والسبب أن الكلمات المِفْتاحية التي استعملها الأول تختلف عما استخدمه الثاني، فعلى سبيل المثال، لو كان السائل يريد معرفة ما إذا كان النوم ناقضًا للوضوء أم لا؟ فالباحث الذي يكتب ثلاث كلمات في خانة البحث وهي (حكم) و(النوم) و(الوضوء)، يختلف عمن يضيف كلمة رابعة هي (ينقض) أو (ناقض) فنتائج الثاني ستكون أدق من الأول، طبعًا الخوارزميات المشار إليها يتم تحسينها بين فترة وأخرى من قبل الشركة الأُمِّ بحيث تساعد المستخدم بشكل كبير في الوصول لما يريد، فهي تُقدِّم له عددًا من الكلمات المفتاحية الإضافية المقترحة التي اكتشفتها ذات الخوارزمية بشكل تلقائي بسبب اكتشافها "نمط" (Pattern) معين لدى نسبة كبيرة من السائلين أو الباحثين عن إجابات.

في الرابط أدناه ستجد صورة لنتائج البحث عندما كتبنا الكلمات الثلاث:
https://drive.google.com/file/d/17Af683JRTMt1jmMzM9EkMlqDfXHU8c-t/view?usp=share_link
 
فنلاحظ من النتيجة أن أكثر المصادر موثوق بها وهذا شيء سار؛ لأن هذا يعني أن هذه المواقع هي أكثر المواقع التي تظهر للباحثين عبر قوقل، لكن بعدما أظهر في الصفحة الأولى أكثر المواقع وثوقًا بها (موقع ابن باز، موقع الإسلام سؤال وجواب، موقع الدرر السنية، موقع عبدالرحمن البراك، موقع ابن عثيمين، مركز الفتوى بموقع إسلام ويب، ومقاطع يوتيوب لكل من: عثمان الخميس، سليمان الماجد) مع ذلك أظهر مواقع غير موثوق بها في الفتوى (موقع صدى البلد، وموقع أخبار الوطن) وفي الصفحة الثانية (اليوم السابع)، وكل هذه مواقع إخبارية؛ أي: صحف إلكترونية، مثلها مثل الصحف السيَّارة؛ لذلك على السائل ألَّا يعتمد عليها في الحصول على جواب لسؤاله، اللهُمَّ إلا أن الصحيفة تنشر فتوى رسمية لأحد العلماء الموثوق بهم دون تغيير أو تبديل فنَعَم، وإلا فالمواقع الأولى هي أسلم وأحكم، خصوصًا أن السائل قد لا يتمكن من التأكُّد مما إذا كانت الصحيفة نشرت الفتوى بشكلها الصحيح السليم كما أرادها المفتي أم لا! وحتى لو استبعدنا المواقع الإخبارية أو غيرها من المواقع غير المتخصصة في الفتوى الشرعية، فإن محركات البحث ومنها قوقل لا تُفرِّق كثيرًا بين ما لو كان المصدر موثوقًا به أو لا، فيمكن للباحث أن يضيف اسم العالم الذي يبحث عن رأيه، ففي المثال السابق، يمكن أن يضيف كلمة (ابن باز) ككلمة رابعة حتى يحصل على كلام ابن باز في هذه المسألة وبدون إضافة اسم الشيخ فقد يحصل الباحث على إجابات من كل من هَبَّ ودَبَّ، على أن يجعل كلمة (ابن باز) بين علامتي تنصيص، هكذا "ابن باز" أو "بن باز".
 
العامل الثاني: قد يجد الباحث أن هناك أكثر من إجابة عن سؤاله ومن أكثر من مصدر، وكل المصادر موثوق بها، وهذه من الحالات التي يخالف فيها السؤال التقليدي السؤال الإلكتروني، ففي الطريقة التقليدية يسأل السائلُ العالمَ ويحصل على الجواب، أما في حالة قوقل فالسائل يحصل على عدة إجابات وفي صفحة واحدة، فإذا وجد اختلافًا بين هذه الإجابات، فالواجب عليه حينئذٍ عدة أمور، فإن السائل لا يعدو أن يكون أحد شخصين: إما (عامِّيًا) أو (متَّبِعًا)، واستبعدنا (المجتهد) لأن المجتهد لا ينبغي له أن يقلِّد أحدًا على الراجح، وإلا ما صار مجتهدًا، فالعامِّي عليه أن يُقلِّد المفتي الذي ظهر له من خلال صفحة قوقل بشرط أن يثق به أو اشتهر بين الناس بأنه من العلماء أو طلبة العلم وهذا يكفيه، وعليه حينئذٍ العمل بما جاء في جواب هذا العالم أو طالب العلم، أما إن كان السائل متبعًا وهو أعلى من العامِّي درجةً، وأقل من المجتهد بحيث يتمكَّن من معرفة دليل المسألة ويستطيع أن يُميِّز بين الأدلة وبين مصطلحات المفتي كمصطلح (حديث ضعيف) أو مصطلح (قول الجمهور) ونحوها، فهذا ينبغي عليه ألَّا يأخذ إلا ممَّن دعم جوابه بالدليل الصحيح الصريح؛ لأنه يستطيع أن يُرجِّح بين أقوال المفتين، وفي حال أنه لم يستطِع لأي سبب فيفعل مثلما فعل العامِّي.

وفي كلتا الحالتين: حالة العامِّي وحالة المُتَّبع، ينبغي أن يكون قصد السائل الوصول إلى الحق لا البحث عن الجواب الذي يناسب هواه؛ لأن الواقع يشهد أن البعض كلما وجد جوابًا لسؤاله لم يوافق هواه يقوم بتغيير الكلمات المفتاحية إلى أن يصل إلى عالم أو شيخ يفتيه بما يريده، فيأخذ بـ "مقاطع" شيخ مُعيَّن في أحكام الصلاة وبمنشورات شيخ آخر في أحكام المعاملات البنكية وبتغريدات ثالث فيما يتعلق بأحكام النساء والنكاح، فهذا يجتمع فيه الشر كله كما قال بعض السلف[3]، ومثله من يختار المفتي المُتشدِّد؛ لأن التشديد في الفتوى يحسنه كل أحد[4]، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وخير الأمور أوسطها، وحتى العامِّي ينبغي أن يختار من نتائج قوقل التي ظهرت له أن يختار جواب العالم الذي يثق به وبدينه، ومثَّل الفقهاء[5] ذلك بالشخص الذي يختار بين طبيبين في علاج ابنه، فهو يختار الطبيب الذي يثق به وبعلمه وليس الطبيب المتساهل أو الضعيف علميًّا، فإن لم يستطع العامِّي أن يُرجِّح بين الأقوال، وكل الأقوال صدرت من أهل ديانة (كما في المثال أعلاه حيث ظهر موقع ابن باز وموقع ابن عثيمين والبراك) وقد كانت أقوالهم مختلفة، فهنا يمكنه أن يستشير طالب علم حتى يُرجِّح له بين الأقوال، فإن لم يستطِعْ هذه الاستشارة، فيعمل بالأحوط لدينه ويبتعد عن التشهي.

وكل ما سبق من تقسيمات مستقى -في الجملة- من كلام الأصوليين تحت أبواب الاجتهاد والتقليد والإفتاء.

وأخيرًا، فإنه ومع أن مواقع علماء أهل السنة هي الأكثر حضورًا في المثال الأسبق لكنَّ هذا لا يعني بحال أنها ستبقى كذلك بعد فترة زمنية أو فيما لو كان الاستفسار عن مسألة ليست فقهية؛ لذلك ينبغي على مستخدم قوقل أن يعي آلية البحث التي قد تتغيَّر هي الأخرى، وبدون مثل هذه الاعتبارات فقد يتضرَّر السائل من قوقل بدلًا من أن يستفيد، ويتعاظم الأمر فيما لو كانت المسألة المبحوث عنها مسألة في باب الاعتقاد؛ لأن لكل أصحاب العقائد حضورًا على الإنترنت.



[1] مقدمة صحيح مسلم 1 /14.


[2] الخوارزمية -في أبسط صورها- مجموعة من الخطوات المنطقية والمتناهية لحل مسألة ما؛ مما يعني وجود مدخلات حتى تتمكن الخوارزمية من إعطاء المخرجات المتوقعة.


[3] جامع بيان العلم وفضله (2 /927).


[4] جامع بيان العلم وفضله ( 1 /784).


[5] إعلام الموقعين (4 /203).

شارك المقال