أرشيف المقالات

أين أنتم يا أهل الفضل

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أين أنتم يا أهل الفضل؟

آيةٌ واحدةٌ فيها أجمل معاني الحياة، ومنتهى الإنسانية؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237].
 
يقول إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيرها: "ولا تغفلوا أيها الناس الأخذَ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه"، ومن كان اليوم مُدَّعيًا فغفر وأصلَح وتفضَّل، قد يكون غدًا مدَّعًى عليه، فيحتاج إلى العفو عنه، وبذلك تنتشر هذه الممارسة الفاضلة في صفوف المسلمين، فتَعُمُّ بينهم الرحمة، ويكونون أقرب إلى رحمة الله لهم.
 
إن من مكارم الأخلاق، وكمال الأدب والرحمة - ألا تَنسى الفضل لمن كانت بينك وبينه مودة وأُلفة، فنسيان فضل صاحب الفضل من ذميم الأخلاق وسوء الطباع.
 
﴿ وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم… ﴾، هل تستطيع أن تنسى فضل والديك عليك وهما اللذان أفنَيَا عمريهما في تربيتك، وربَّياك بدموع قلبيهما قبل عينيهما، وأمضَيَا لياليَ مضنيةً سهرًا عند مرضك، وبحثًا عن لُقمة عيشك؛ كي تشعر بالأمان وتعيش هانئ البال.
 
﴿ وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم… ﴾، كيف تنسى مودة تلك الزوجة التي فتحت لك قلبها زوجًا، ورضيت وصبرتْ معك على حلو الأيام ومُرِّها، وهبَّت بعد ذلك عواصفُ هوجاءُ عاتية كانت سببًا في أن يذهب كلٌّ منكما في طريق، ولكن هل سيدفعك هذا الأمر لتنسى سنوات العِشرة الطيبة التي جمعتكما تحت سقف واحد، وتُحاربها بشتى الوسائل لتُرضي غرورك الذكوري، أم ستكون من أهل الفضل وتُعاملها كما أمرك الله تعالى بالمعروف، وتطبِّق وصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، "رفقًا بالقوارير"، وتُبدي لها الإحسان ولا تضطهدها، وتَحرمها من حقوقها.
 
﴿ وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم… ﴾، هل يا تُرى سيأتي اليوم الذي ستتبرَّأ فيه من أخيك الذي ولدته أمك بسبب خصامٍ تافه واختلاف وجهات النظر؟ وهل ستنسى ذاك الرابط المقدَّس الذي جمعكما وهو رابط الدم والأُخوَّة؟ فأين فضل الأُخوَّة والحب الذي نشأتما عليه صغارًا؟
 
﴿ وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم… ﴾، جارك الذي اخترتَ أن تسكن بجواره، وتجاذبتَ معه أطراف الحديث، وتبادلتما أطباق الطعام، وقد يكون أقرب إليك من أخيك في بعض الأحيان، هل يا ترى بسبب سوء فَهم يسير لن تلقيَ عليه السلام، وستُشيح بوجهكِ بعيدًا عنه، أين فضل الجار؟
 
﴿ وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم… ﴾، صديقك الصَّدوق الذي سكن فؤادك، وبُحت له بمعظم أسرارك، وعِشتُما أجمل اللحظات وأروعها، هل ستتأفَّف منه يومًا ما وتشتكي من تصرفاته، ولن تلتمس له الأعذار، وقد كان من أقرب الناس إلى قلبك؟ أين فضله؟
 
﴿ وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم… ﴾، هل ستنسى فضل شيخك ومعلِّمك الذي نهلتَ منه العلم ومكارم الأخلاق، فارتفعت مكانتك بين الناس، فهل ستتعالى عليه، أم ستدعو له دومًا وتتحدَّث عن جميل فضله ما حييتَ؟ فأين فضيلة العلم في نفسك؟
 
هذه الآية هي من أجلِّ القواعد الربَّانيَّة التي تَبعث على الوفاء والحب والاعتراف بالفضل والجميل لكل شخصٍ تربطك به علاقة، وهي من أوثق الصِّلات للتسامح والشعور بالطُّمأنينة النفسيَّة؛ فحاول أن تكون شعارك في هذه الحياة، وعليك ألا تنساها أبدًا.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣