أرشيف المقالات

لو كان خيرا لبقي

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
لو كان خيراً لبقي


تجري المقادير كما أراد الله لها أن تسير، فتارة تجيء بالحرمان والأحزان، وتارة تجيء بالنعيم والسرور، وحال المؤمنين في كل الرضا عن الله، وحسن الظن بخالقه ومولاه، يذعن ويسلم، ويخضع وينقاد، بكل معاني الحب والثقة والرضا واليقين، فحين تُقبِل النعم يرى الشكر لازمًا، وحين تدبر عنه يرى الصبر محَتّمًا.
 
حين يقوى إيمانك تحسن الفهم عن الله في عطائه ومنعه، وتعلم أن وراء الأحداث حكمة تهوِّن كراهتها، وتسيغ مرارتها، وحين تعصف الرياح بجميل أحلامك، وتقتلع الأعاصير واسع أمنياتك، وروائع ذكرياتك، ويخذلك الناس خذلانًا يليق ببشريتهم، وتوجعك الدنيا وجعًا يليق بخستها وحقارتها ؛ فتيقن أن ربك سيجبرك حينها جبرًا يليق بعزته وعظمته، ويعطيك عطاء يليق بكرمه وسعة خزائنه، فلا تتهاوَ، ولا تخُر، ولا تجزع، فقد يكمن الخير في الضر، واليسر في العسر، والراحة في العناء، فالأمور قد لا تكون كما يبدو ظواهرها.
 
ولرب أمر مُسخِطٍ * لك في عواقبه رضا
اللهُ عوّدك الجميل * فقس على ما قد مضى
 
كم من مكروهات كثيرة كان من ورائها خير عظيم، وكم من لذات وشهوات كان وراءها شر عميم، أنت لا تعلم، والله عز وجل يعلم، فما يضيرك لو تستسلم ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء/19].
 
أوَليس الخرق في سفينة الخضِر حفظَها للمساكين ونجاها من الغاصبين؟
 
فالمنحة قد تختفي وتكمن في عمق المحنة، والعطاء قد يتجسد داخل البلاء، فطب نفسًا بقضاء الله وقدره، فهو سبحانه العليم بالغايات البعيدة، فحين يأخذ منك شيئًا فهو يريدك أن تفهم عنه مراده في المنع، حيث يفتح لعقلك بابًا للعبرة والتفكر، والنضوج والتدبر، ويعطي قلبك فرصة للقرب منه والاستكانة إليه، والتسليم لما قضاه، وقد يمنع الشيء عنك ليرحمك وينجيك، ثم يعوضك عنه بالكثير ويرضيك، فلم يمنع بخلًا منه، ولا جهلًا بحالك وحاجاتك - حاشاه سبحانه - إنما منعك لطفًا بك، وشفقة عليك, فتخرج الشدة في بعض الأحيان من كونها مصيبة إلى كونها نعمة ومنحة تستوجب الشكر، فلا تتهم الله عز وجل بشيء قضاه، وإن شعرت بالضيق فراجع إيمانك بالله وثقتك بوعده ويقينك بما عنده يذهب عنك ما تعاني ، إذ لا بد من البلاء ليعرف الناس قيمة العطاء, كم تعرضت في حياتك لمواقف، ضقت بها ذرعًا وأوسعتها ذمًّا ،وعضضت أصابعك على فوتها ندمًا، ثم تبيَّن لك أنها كانت لمصلحتك، وأن اختيار الله لك أفضل من اختيارك لنفسك ، فسلِّم لحكمه وإرادته، وارض بقدره ومشيئته، واعلم أن في الصبر على ما تكره خير - لو علمت - كثير.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن