المَوَالي مكانتهم وجهودهم في علم الحديث
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
الموالي لغة: مفردها مولى، والمولى يكون من أسفل وأعلى، بالرّق أو بالحِلف، لأن هذه اللفظة من ألفاظ الأضداد، تطلق على المالك والعبد، وعلى المعتِق والمعتَق، كما في القاموس، فالمعتِق بالكسر، هو المولى مِن أعلى، والمعتَق بالفتح هو المولى مِن أسفل، أما من حيث الاصطلاح فهو الشخص المحالف أو المعتق الذي أسلم على يد غيره، وقيل: هم الرواة الذي يعود أصلهم إلى قبائل غير عربية، ولكنهم ينسبون إلى قبائل عربية بالولاء، كقولهم: "مولى قريش"، وهم على أنواع، منها: مولى عتاق انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق) وقوله: (مولى القوم من أنفسهم). وقيل: هو من مسه أو أحد أصوله رق أو ولاء الإسلام أو الحلف أو الملازمة. أنواع الموالي يقسم العلماء الموالي إلى ثلاثة أقسام، هي: مولى الحِلْف، ويمثلون عليه بالإمام مالك بن أنس الأصبحي التيمي.
ومولى العَتَاقة، مثل أبو البختري الطائي التابعي، واسمه سعيد بن فيروز، هو مولى طيئ، لأن سيده كان من طيئ فأعتقه، ومولى الإسلام: مثل الإمام البخاري. فائدة معرفتهم تكمن فائدة معرفته في التنبيه على أن الحرية ليست شرطاً للراوي، خلاف الشاهد، وقال عنه العلماء: هو من المهمات، فربما نسب أحدهم إلى القبيلة، فيعتقد السامع أنه منهم صليبةً، وإنما هو من من مواليهم، فيميز ذلك ليعلم، فالموالي: هم ليسوا من العرب؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث في أمة العرب، فهؤلاء دخلوا في الإسلام وتفقهوا فيه، ورووا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فسادوا بذلك، وربما كانوا أهل كتابة وأهل حضارة، ساعدهم ذلك على تميزهم وتفوقهم.
فالأصل في الإسلام أن قيمة الإنسان بقتواه وإخلاصه، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13)، ولا فضل لعربي على عجمي، إلا بالتقوى، فهؤلاء الموالي كان لهم فضل كبير على نشر الإسلام.
قال ابن خلدون في مقدمته: "من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم"، وهذا واضح في معظم أنواع العلوم، حتى في علوم اللغة العربية، كابن جني، وسيبويه، وراهويه، وفي علوم الحديث، كالبخاري والترمذي، وابن ماجه القزويني، وأبي داود السجستاني، والبيهقي، وغيرهم الكثير. والموالي هم المنسوبون إلى القبائل مطلقاً، وهم مواليهم، فقد يقال: مولى فلان ويراد مولى عتاقة، وهو الأكثر، وقد يكون بالإسلام يقال: مولى الإسلام، كما يوصف به الإمام البخاري، وهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى الجعفيين، لأن أبا جده بردزبه كان مجوسياً فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والي بخارى، وقد يكون بالحلف كمالك بن أنس هو أصبحي صُلبًا، موال لتيم قريش بالحلف، ومثال موالي القبيلة أبو البختري الطائي التابعي مولى طيىء، وأبو العالية الرياحي مولى امرأة من بني رياح والليث بن سعد الفهمي مولاهم. قال السخاوي في فتح المغيث: وربما إلــى الـقبيـل ينسـب *** مولى عتاقة وهذا الأغلب أو لولاء الحلف كالــــتيمي *** مالك أو للدين كـــــالجعفي وربما ينسب مولى الموالى *** نحو سعيد بن يسار أصلاً موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشهر الموالي في عهد الصحابة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كزيد بن حارثة، الذي يعد أول من أسلم من الموالي، وهو من سبي العرب من كلب منَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، فقيل له: زيد ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قول الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (الأحزاب: 5)، وكانت امرأته أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له أسامة بن زيد وأنس، ومنهم: ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من سبي اليمن، وشقران الذي كان حبشياً، ورويفع الذي كان من سبي خيبر، ومنهم سفينة ومهران، كلهم يقال له مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا كلهم ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم، وهناك ثم مولى مولاهم: ومن الأمثلة عليه أبو الحباب الهاشمي فهو مولى شقران مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. مكانة الموالي زمن الصحابة والتابعين كان الخلفاء الراشدون يساوون بين الناس، ولا يفرقون بين العربي وغيره من المسلمين، ومما يدل على ذلك أنه قدم قوم على عامل لعمر بن الخطاب، فأعطى العرب وترك الموالي، فكتب إليه عمر: "أما بعد: فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم"، وفي رواية، كتب إليه: "ألا سويت بينهم"، وروى الإمام مسلم في صحيحه أيضا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمّا تلقاه نائبُ مكة أثناء الطريق في حج أو عمرة، قال له: "من استخلفت على أهل الوادي؟" قال: ابن أبزى.
قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي.
فقال: "أما إني سمعت نبيكَم صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا الدين أقواما، ويضع به آخرين). ويدل على مكانتهم الحوار الذي ذكره الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث"، الذي جرى بين الخليفة عبد الملك بن مروان، وبين الإمام الزهري، كما أورده الحاكم، حيث قال: قدم الزهري على عبد الملك بن مروان، فقال له: من أين قدمت؟ فقال: من مكة، ثم سأل عمن يسود أهلها؟ فذكر شخصاً، ثم سأل عن البلدان الأخرى فذكر أشخاصاً كلهم من الموالي، إلى أن سأل عن أهل الكوفة، فقال: إبراهيم النخعي، فقال له: فمن العرب أم من الموالي؟ قال من العرب.
فقال له عبد الملك: ويلك يا زهري، فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لهم على المنابر والعرب تحتها، فقال له الزهري: "يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط". وسأل بعض الأعراب رجلاً من أهل البصرة، فقال له: من هو سيد هذه البلدة؟ فقال الحسن بن أبي الحسن البصري، قال: أمولى هو؟ قال: نعم، قال: فبم سادهم؟ قال: بحاجتهم إلى علمه، وعدم احتياجه إلى دنياهم، فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السؤدد.
وروى العراقي في التقييد والإيضاح عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي، إلا المدينة فإن الله خصها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع. جهودهم في علم الحديث تضم كتب الرواة العديد من جهابذة العلماء الذين يصعب حصرهم أو تجاوز آثارهم من الرواة الثقات، إذ الرق لا ينافي العدالة، ولهم آثارهم الواضحة في كافة علوم الدين: الحديث، والفقه، والتفسير، وغيره، ونذكر من هؤلاء على سبير المثال، لا الحصر بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً: مكحول، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، وميمون بن مهران، وعبدالرحمن بن هرمز الأعرج، وسفيان الثوري، وغيرهم الكثير والكثير.
ومن الموالي من هو دون ذلك، بل إن منهم الكثيرين الذين اتهموا في عقائدهم، وفهمهم، وكانت لهم آثار سيئة وجهود سلبية في هذا الدين، وقد اهتم العلماء عبر التاريخ قديماً وحديثاً بتراجم الموالي، وذكروا ما لهم وما عليهم، مما يصعب الوقوف عليه في هذا المقال. وروى أبو يعلى في الإرشاد عن الإمام الزهري قال عند بلوغ سنه: إنا لله قد صار العلم إلى الموالي، هو ذا الحسن وابن سيرين يفتيان بالبصرة، وهما موليان؛ يعني يساراً والد الحسن وسيرين والد محمد، وهما من سبي ميسان في زمن عمر حملهما عتبة بن غزوان، وهو ذا سليمان بن يسار يفتي وهو مولى، وهو ذا عطاء بن يسار بمكة، وهو مولى، وهو ذا مكحول بالشام، وهو مولى، ثم قال: إذا تقاعد أبناء المهاجرين والأنصار عن تعليم العلم يغلبهم الموالي، ثم قال: أخذت العلم عن البحار سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وكان بحراً لا تكدره الدلاء وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وكان قد ملئ علماً، حتى عد شيوخه من أبناء المهاجرين، فقيل له: تروي عن الموالي؟ فقال: نعم.
عن جماعة وجدت ديانتهم وفهمهم، فأحدث عنهم. وروى الرامهرمزي عن الزهري أيضاً أنه قيل له: مالك لا تروي عن الموالي؟ قال: بلى قد رويت عنهم، ولكن إذا كان عندي أبناء المهاجرين والأنصار لا أبالي على أيهم اتكأت، فما لي لا أروي عنهم ولكن قد رويت عنهم، منهم: سليمان بن يسار وطاوس ونافع مولى ابن عمر وأفلح مولى أبي أيوب وندبة مولاة ميمونة وحبيب مولى عروة وعطاء مولى سباع وأبو عبيد ومولى ابن الأزهر وعبد الرحمن الأعرج. وهناك عدة أطروحات حول هذا الموضوع منها رسالة ماجستير بعنوان: "مرويات الموالي من التابعين في الكتب والسنة"، وأخرى بعنوان: "الموالي في مكة ودورهم في خدمة الحديث النبوي" رواية ودراسة خلال القرون الثلاثة الأولى، ومما هو معلوم ومشهور أن أعداداً كبيرة منهم قتلوا في المعارك، فقد ورد عن الزهري أنّ قتلى الحرة، كانوا سبعمائة من وجوه الناس، من قريش والمهاجرين والأنصار، وعشرة آلاف من وجوه الموالي. بعض آثار الموالي السلبية يرى بعض المؤرخين أن القوى المضادة لدولة الإسلام زمن التابعين وجدوا الفرصة سانحة لتفريق كلمة المسلمين عن طريق بعض هؤلاء الموالي، حيث انتشر بينهم أفكار الزنادقة والضالة من أخبار اليهود والنصارى، مما ساهم في ظهور التشيع، وغيره من الفرق الضالة، والأفكار الضالة، ومنها ظهرت بعض المواضيع التي ليست من أصل الدين، ومن الأمثلة عليهم الجعد بن درهم، صاحب فكرة خلق القرآن، وغيرهم الكثير والكثير.
والله تعالى أعلم.