أرشيف المقالات

صناعة المحاور

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
صناعة المحاور

الحمد لله الذي قدَّر فهدى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وأصحابه ومَن تبِعهم واقتفى، أما بعد:
فإن المدافعةَ سُنة كونيةٌ ماضية، ولها ميادين عديدة، وميدان الشرف الأعظم، ومقام العز الأعلى، الذي لا يصل إليه إلا مَن وفَّقه الله - هو مدافعةُ أهل الحق للباطل.
 
وإنه لا يخفى على بصيرٍ أن الأمة تتعرَّض اليوم لغارات تُهدِّدها في عقيدتها، وتُواجِه حملةً شرسة موجَّهة ضد ثوابت دينها، وهي في أمسِّ الحاجة إلى بذلِ الوُسْع في التصدي لهذا الخطر، وإني لأرجو الله أن يكون برنامج (صناعة المُحاوِر) - الذي هو نتاج التعاون بين كيانينِ؛ هما: مركز تكوين للدراسات والأبحاث، وكامل الصورة - من الجهود الطيبة التي بادرَتْ إلى التعامل الإيجابي مع هذا الظرف الذي نعيشه؛ (أعني: موجة التشكيك في الدين وثوابته، وإثارة الشبهات حولهما)، وسأذكرُ في السطور التالية بعض اللمحات التي تُوضِّح ما امتاز به هذا البرنامج عن غيره من البرامج المشابهة، سائلًا الله عز وجل أن يُبارِك في جهود القائمين عليه، وأن يصلح نياتِهم، وأن يحقِّق للجميع النتائج المرجوَّة:
١- شيَّدت أركانَ هذا البرنامج إدارةٌ متميزة، نحسبها على خطى سيِّد الخلق صلى الله عليه وسلم سائرة؛ فالشورى دَيْدَنُهم، والرِّفقُ منهجهم، والحنكة التربوية طبعٌ غالب فيهم.
 
٢- تكوَّنت في ظل هذا البرنامج بيئةٌ تبتهج بها نفوس المؤمنين؛ لِمَا يُرى فيها من علو الهمة والمحبة، والأخوَّة الإيمانية، والرغبة في نفع الآخرين؛ فقد استقطب البرنامج شريحةً هي من أنفس الشرائح في مجتمعات المسلمين، فالمشاركون في هذا البرنامج في الغالب إما راغب في تحصين نفسه من الشبهات، أو راغب في تحصين غيره، فالذي يتجوَّل في أفيائهم، فكأنما يتجول في مَتْجَر للطِّيب تفوح منه رائحة المِسْك، فإما أن يشتري، أو يُهدى إليه، أو يستمتع على الأقل بالرائحة الزكية.
 
٣- أَحْيَا هذا البرنامجُ في النفوس وحدةَ العقيدة، فالربُّ واحد، والدين واحد، فتلاشَتْ بذلك جميع الحواجز والحدود التي فرَّقت بين المسلمين، فلا فرق بين خليجي ومصري، ولا بين شامي ومغربي، ولا فرق بين حنبلي وشافعي، ولا بين مالكي وحنفي، فالجميع في هذا البرنامج ينشدون الحقَّ وبه يفتخرون.
 
٤- نافس هذا البرنامجُ المحاضنَ التربوية التقليدية، بأن ملأ أوقات الشباب بما يعود عليهم بالنفع؛ بتزويدهم بالعلم الشرعي الأصيل، المبنيِّ على الكتاب والسُّنة وَفْق منهج سلف هذه الأمة، وببناء عقولهم وتغذيتِها بالفكر السديد، وتهيَّأت في أفياء هذا البرنامج مجالاتٌ متعددة للعمل التطوعي الذي يصب في نشر العلم والمنافحة عن الدين، فأصبح البرنامج مثل خليَّة النحل في العمل الدؤوب الذي يتم بداخله، فلا مكان في (صناعة المحاور) للكسل والخمول وضياع الوقت، بل جد ومثابرة، وتضحيات ومنافسة، تجدُ المشاركين في هذا البرنامج يقضون أوقاتهم في القراءة أو الحفظ، وفي المدارسة ومحاولة الفهم، وفي تلخيص المواد العلمية، أو تفريغ المقاطع الصوتية، وهكذا.
 
٥- امتاز هذا البرنامج باستغلالِ وسائل التقنية الحديثة؛ لتسهيل أداء مهمته، وللقيام بها على الوجه الأكمل، وهو يتبعُ طريقة التعليم عن بُعْد، فالتواصل فيه مع المشاركين يتم من خلال شبكة الإنترنت، والمقرراتُ، سواء كانت مذكرات مكتوبة، أو موادَّ مسموعة، أو محاضرات مرئية، بالإضافة إلى الاختبارات، وتوجيهات الإدارة - كل ذلك يصل بكل يسرٍ وسهولة إلى حاسوب المشارك أو هاتفه المتنقِّل.
 
٦- نال هذا البرنامج إعجابَ المشاركين فيه، وعزَّز فيهم الشعورَ بالانتماء بفضل الله ثم بفضل ما قدَّمه لهم على الصعيد العلمي والفكري والثقافي، شهِد بذلك عددٌ مِن حملة الشهادات العليا الذين شاركوا فيه، كما نال أيضًا إعجابَ فئة الشباب؛ لِما فيه من أنشطة جماعية جذبت اهتمامهم، وأعطتهم الفرصة لاكتشاف مواهبهم وقدراتهم، وعزَّزت فيهم الشعور بالهُوِيَّة، وأشبعت الجانب العاطفي لديهم بما هو مفيد ونافع لهم بإذن الله في دينهم ودنياهم.
 
٧- البِناء العلمي في هذا البرنامج له طريقةٌ فريدة؛ حيث يتم بناءُ المشارك لَبِنَة لَبِنَة، وذلك في تدرُّج مدروس، يبدأ من نقطة الصفر ثم ينتهي إلى أحدث الأبحاث والمؤلفات المكتوبة في عددٍ من التخصصات الشرعية، التي يتم انتقاؤها بعناية لتحقيق الهدف المنشود من ورائها، مع تميز ملحوظ في الربط بين المواد العلمية، وكذلك بين مستويات الدراسة المختلفة؛ مما يُسهِّل على المشارك استيعابَ كثيرٍ من المسائل الدقيقة في وقت قياسي.
 
٨- هذا البرنامج يُنفَّذ مجانًا بلا رسوم، فهو قائم على الاحتساب، ولسان حال العاملين فيه: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [هود: 51].
 
٩- طريقةُ اختبارات هذا البرنامج تَبنِي في المشاركين قيمةَ الأمانة؛ فالتعهُّد بعدم الرجوع للمقررات - الذي يوافق عليه المشاركون قبل البَدْء في الاختبار - له أثر تربويٌّ لا يعرفه إلا مَن جرَّبه.
 
١٠- نزول البرنامج في الساحة جاء في وقتِ احتياجٍ إليه وتلهُّف، فيلاحظ الإقبال الكبير على الالتحاق به؛ حيث بلغ عدد الذين التحقوا بالدفعة الأولى أكثر من ٣٠٠٠ مشارك، من ٣٣ دولة، وبلغ عدد الملتحِقين بالدفعة الثانية - وهي الحاليَّة - أكثر من ٤٥٠٠ مشارك.
 
وأقول في الختام: إن هذه اللمحات العشر هي غَيْض من فَيْض، ورغم ذلك، فإني لا أزعم بأن البرنامج قد بلغ الكمال، أو انتهى من تحقيق المرجوِّ منه، ولكني أحسبه لَبِنَة متميزة في طريق الدعوة، ومحاولة جادَّة للإصلاح، وهو بحاجة إلى مزيدٍ من التعاون والتكامل مع غيره من البرامج؛ لتعزيز الجوانب الأخرى في المشاركين، التي هي خارج اختصاص هذا البرنامج.
 
أسأل الله عز وجل أن ينفع به، وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يَهْدي ضالهم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 
فيلم وثائقي عن صناعة المحاور:
https://youtu.be/SdPlSTrEZDU

شارك الخبر

المرئيات-١