غسل دم المحيض
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
غسل دم المحيضالصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- الطهارة (4)
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: سألتِ امرأةٌ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إحدانا إذا أصاب ثوبَها الدمُ من الحيضةِ، كيف تصنع؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أصاب ثوبَ إحداكنَّ الدمُ من الحيضة فلتَقْرُصْه، ثم لتَنْضَحْه بماء، ثم لتصلِّي فيه))[1].
عن أمِّ قيس بنت مِحْصَن تقول: سألتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن دمِ الحيض يكون في الثوب، قال: ((حُكِّيه بضِلع، واغسليه بماء وسِدْر))[2].
أهمية حديث أسماء:
قال أبو عمر بن عبدالبر: (وهذا الحديث أصلٌ في غسل النجاسات من الثياب، ولا أعلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في غسل النجاسات أَبْينَ من هذا الحديث، وعليه اعتمد الفقهاء في غسل النجاسات، وجعلوه أصل هذا الباب)[3].
المسألة الأولى: ترجمة أسماء بنت أبي بكر:
أمها: قتيلة بنت عبدالعزى بن عبدأسد من بني مالك بن حسل، وعبدالله بن أبي بكر أخوها لأمِّها، وهي أم عبدالله بن الزبير، تزوَّجها الزبير بن العوام بمكة فوَلَدت له عدة؛ منهم: (عبدالله، وعروة، والمنذر)، ثم طلَّقها وكانت مع عبدالله ابنِها حتى قُتِل، وبقيت مائة سنة حتى عَمِيت، وماتت بمكة بعد قتل عبدالله بن الزبير سنة ثلاثٍ وسبعين بعد ابنها بليالٍ، وكانت أخت عائشة زوجِ النبي - صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي الزِّناد: (كانت أكبر من عائشة بعشر سنين).
عن عروة بن الزبير قال: (كانت أسماء بنت أبي بكر قد بلغت مائة سنة لم يقع لها سن، ولم يُنكَر من عقلها شيء)[4].
روى عنها: (عبدالله بن عباس، وابنها عروة بن الزبير، وعباد بن عبدالله بن الزبير، وأبو بكر بن عبدالله بن الزبير، وعامر بن عبدالله بن الزبير، ووهب بن كيسان، والمطلب بن عبدالله بن حنطب، وعبدالله بن أبي مليكة، ومحمد بن المنكدر، وطلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وصفية بنت شيبة الحجي، وآخرون)[5].
سُمِّيت ذات النِّطاقين؛ لأنها: (صنعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- سُفْرة حين أراد الهجرة إلى المدينة فعَسُر عليها ما تشدُّها بها فشقَّت خمارَها، وشدَّت السُّفْرة بنصفه، وأنطقت النصف الثاني، فسمَّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات النِّطاقين)[6].
اختُلِف في سبب طلاقها، فقيل: إن عبدالله قال لأبيه: مثلي لا تُوطَأ أمُّه فطلقها، وقيل: كانت قد أسنت، وقيل: إن الزبير ضربها فصاحت بابنها عبدالله، فأقبل إليها فلما رآه أبوه، قال: أمك طالق إن دخلتَ، فقال: أتجعل أمي عُرْضَة ليمينِك؟ فدخل فخلَّصها منه، فبانت منه)[7].
المسألة الثانية: ترجمة أم قيس بنت محصن:
هي أم قيس بنت محصن بن حرثان الأزدية، أخت عُكَّاشة بن مِحْصَن، كانت من المهاجرين[8]، أسلمت قديمًا وبايعتِ النبي - صلى الله عليه وسلم[9].
روى عنها من الصحابة: وابصة بن معبد، ومن التابعين عبيدالله بن عبدالله، ونافع مولى حمنة بنت شجاع[10].
ذكر السُّهيلي: أن اسمها آمنة بنت محصن، وقيل: أمية، حكاه الجوهري[11].
المسألة الثالثة: معاني الكلمات:
قوله: (عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: سألتِ امرأةٌ رسول الله)، وقع في رواية الشافعي، عن سفيان، عن هشام أن أسماء هي السائلةُ.
قوله: (أرأيتَ)، استفهام بمعنى الأمر، لاشتراكهما في الطلب؛ أي: أخبرته، وحكمة العدول سلوك الأدب.
قوله: (إذا أصاب ثوبَها الدمُ)، وفي رواية عند البخاري (227): (تحيض في الثوب، كيف تصنع؟)؛ أي: يصل دمُ الحيض إلى الثوب، وفي رواية أبي داود: (كيف تصنع إحدانا بثوبِها إذا رأتِ الطُّهْر).
قوله: (الدمُ من الحَيضة)، بفتح الحاء؛ أي: الحيض، قال الأزهري وغيره: الحيض: جريان دم المرأة في أوقات معلومة يُرْخِيه رحم المرأة بعد بلوغها، ومخرجه عقب الدم، يقال: حاضتِ المرأةُ تحيض حيضًا ومحيضًا ومحاضًا، فهي حائض.
والحيض يُجمع على حُيَّض وحوائض، ويقال للمرأة الحائض: (طامث، ودارس، وعارك، وضاحك، وكابر، ومعصر، ونافث، وطامي)، حكاه الهروي والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهما[12].
قوله: ((فلتَقْرُصْه))، بضم الراء وتخفيفها، وروي بالكسر والتشديد، والمعنى؛ أي: تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلَّل بذلك، فيخرج ما تشرَّبه الثوب منه، زاد البخاري: ((تَحُتُّه ثم تقرصه))، تَحُتُّه بالفتح وضم المهملة وتشديد المثناة الفوقانية؛ أي: تحكه.
قوله: ((ثم لتنضحه بالماء))، وفي رواية عند أبي داود (360) (ولتنضح ما لم تر).
قوله: ((تنضُحُه)).
قوله: ((ثم لتصلي فيه))، بلام الأمر عطف على سابقه، وإثبات الياء للإشباع[13].
قوله: ((بضِلَع))، بكسر الضاد وفتح اللام؛ أي: بعُودٍ، والأمر بالغسل بماء وسدر مبالغة في الانتقاء وقطع أثر دم الحيض[14].
المسألة الرابعة: حكم دم الحيض وطريقة تطهيره:
دم الحيض نجسٌ بالإجماع، ولِمَا ثبت في أحاديث الباب التي مرَّت معنا، وفيها أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بغَسْل ما يُصِيب الثوب منه، ومعلوم أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغسل دليلٌ على نجاسته.
كيفية تطهير الثوب من دم الحيض:
أولاً: إزالة عين الدم:
بأن يدلك موضع الدم، ويدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((تَحُتُّه))، والحتُّ؛ أي: الحك، كما تقدم.
ثانيًا: غسل موضع الدم بالماء:
كما في حديث أسماء: ((ثم لتنضحه بالماء))، والمقصود بالنضح الغسل، كما في حديث أم قيس بنت محصن: ((حُكِّيه بضِلَع واغسليه))، والمقصود بالضلع عُود ونحوه من المنظِّفات للتأكد من إزالة الدم، وهذا مما يستحسن استخدامه.
اعلم أن ما يتبقى من أثر الدم بعد إزالة عينِه لا يضر، خصوصًا إذا تعثرت إزالته، لما ثبت عن أبي هريرة، أن خولة بنت يسار أتتِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إنه ليس لي إلا ثوبٌ واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: ((إذا طَهُرْتِ فاغسليه، ثم صلِّي فيه))، فقالت: فإن لم يخرجِ الدم؟ قال: ((يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره))[15].
[1] البخاري 307، كتاب الحيض، باب غسل دم الحيض، ومسلم 291، كتاب الطهارة، وأبو داود 360، كتاب الطهارة، والموطأ 134.
[2] أبو داود 363، كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ثم تصلي فيه، والنسائي 292، كتاب الطهارة، باب الحيض يصيب الثوب، وأحمد 26998، وحسن إسناده الحافظ في الفتح 1/334، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
[3] التمهيد 3/391.
[4] انظر: معرفة الصحابة لابن منده 1/982 - 985.
[5] معرفة الصحابة لأبي نعيم 22/398.
[6] الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/74 - 75.
[7] أسد الغابة في معرفة الصحابة 7/7 - 9.
[8] معرفة الصحابة لأبي نعيم 24/338.
[9] الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/133.
[10] أسد الغابة في معرفة الصحابة 7/368.
[11] الإصابة في تمييز الصحابة 8/5، 8/453.
[12] شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/871 بتصرف.
[13] انظر: فتح الباري 1/480 - 481، وعون المعبود 1/265.
[14] شرح أبي داود للعيني 2/190.
[15] حسن: أبو داود 365، أحمد 8767، والبيهقي في السنن الكبرى 4117، وصححه الألباني، وحسَّنه محققو المسند.