أرشيف المقالات

من أقسام واضح الدلالة: المفسر

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أقسام واضح الدلالة
المفسَّر
 
وهو في اللغة: مأخوذ من الفَسْر، وهو الكشفُ والإظهار[1].
 
أما اصطلاحًا، فيُطلِقه الأصوليون على كلِّ لفظ ظهرت دلالته على معناه بشكل قطعي لا يترك معه احتمالاً لمعنًى آخر، قال الرازي: (المفسَّر: وله معنيان: أحدهما: ما احتاج إلى التفسير، وقد ورد تفسيرُه، وثانيهما: الكلام المبتدَأُ المستغني عن التفسير؛ لوضوحِه في نفسه)[2].
 
وبهذا يظهرُ أن للمفسَّر معنيين: أحدهما: واضح في نفسه، لا يحتمل زيادة ولا نقصًا، مثل (أربعة) و(ثمانين) في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: 4]، فعليه يجب جلدُ القاذف ثمانينَ جَلدةً إن لم يأتِ على دعواه بأربعة شهداء؛ حيث لفظ العدد لا يحتمل زيادة ولا نقصًا، ولا يحتمل غيرَ مدلوله.
 
والمعنى الآخَر للمفسَّر: غيرُ الواضح في نفسه؛ إما لاحتمال لفظه، أو لإجماله، ثم يلحق به ما يمنع احتماله، أو يكشف عن إجماله؛ كقوله تعالى: ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر: 30]؛ فلفظ الملائكة عامٌّ محتمل للتخصيص، لكن لَمَّا أُكِّد بـ: ﴿ كُلُّهُمْ ﴾ انقطع عنه التخصيصُ، كما انقطع احتمالُ التفرُّق في السجود زمانًا بتأكيده ثانية بقوله: ﴿ أَجْمَعُونَ ﴾، وبذلك صار مفسَّرًا.
 
ومثال ما رُفِع إجمالُه قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [المعارج: 19 - 22]؛ فإن لفظ (الهَلَع) المجمَل قد فسَّره النصُّ بالجملتين بعده؛ ولذلك لَمَّا سُئِل أحدُ العلماء عن الهَلَع، قال: (قد فسَّره الله، ولا يكونُ تفسيرٌ أبينَ من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شرٌّ أظهَرَ شدةَ الجزَع، وإذا ناله خيرٌ بخِل به ومنَعه الناس)[3].
 
ولذلك فالمفسَّر عند الأصوليين هو: (ما ازداد وضوحًا على النص، سواءٌ كان بمعنى في النص أو بغيره)[4]؛ لأن المفسَّر قد استوى مع النص في وضوح الدلالة وقَبول النسخ، وسوق الكلام إلى معناه المقصود بالأصالة، وتفرَّد المفسَّر بعدم قَبوله التأويل؛ لأنه بعد تفسيره أصبح قطعيَّ الدلالة، وبذلك ازداد وضوحًا عليه.
 
ففي قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 110]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، وقوله - عز وجل -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183]، كذلك قد فُسِّرت ألفاظُ الصلاة والزكاة والصيام بأقوال وأفعال متواترةٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قاطعةٍ في دلالتها على المعنى المراد منها بشكل محدد، فدخل ذلك كله في المفسَّر.

[1] الصاحبي؛ لابن فارس ص (193).

[2] المحصول (1 /461).

[3] كشف الأسرار (1 /50).

[4] أصول البزدوي (1 /49).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢