أرشيف المقالات

أحكام الهدية في الشرع

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
أحكام الهدية في الشرع

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
 
وبعد:
فإن الله تعالى خلق الجن والإنس وأمرهم بعبادته ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وبعث فيهم الرسلَ، وأنزل عليهم الكتب؛ ليُبيِّن لهم طريق الجنة، ويُرغِّبهم فيها، وطريقَ النار ويُرهِّبهم منها، وشرع لهم أحكامًا ومناهجَ قويمة؛ تضبط حياة الإنسان وتنقِّيها من المَظالم والرذائل والضنك، وتجعلُها روضةً خصبة، تجنى ثمارها في الدنيا والآخرة، وتؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربها، ومن كمال الشريعة الغرَّاء وسَعَتِها ومناسبتها لكل زمان ومكان، ولكل أمة وشعب، وقبيلة ولسان: أنه تعالى بيَّن فيها أحكام كلِّ شيء كبيره وصغيره، ومنها أحكام الهدية في الشرع؛ لكونها عرفًا اجتماعيًّا دَأَبت عليه المجتمعات البشرية من قديم الزمان؛ لذا بيَّنها شرعُنا الحنيف في كلام ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام.
 
وبعد:
• فيستحبُّ إعطاء الهدية في الشرع؛ لأنها سبب في نشر المحبة بين المسلمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تهادَوا تحابُّوا))؛ رواه البخاريُّ في الأدب المفرد، ومالك، وصححه الألباني.
 
• يُستحبُّ الإهداء للكافر؛ لدعوته إلى الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].
 
• يجب العدل في الهدايا بين الأبناء؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: إن أباه أتى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نحلتُ ابني هذا غلامًا كان لي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكلَّ ولدِك نحلتَه مثل هذا؟))، قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأرجعه))؛ رواه البخاري، "كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها"، باب الهبة للولد، رقم: 2446.
 
• لا يجوزُ الرجوع في الهدية إلا للوالدين؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحِلُّ لأحد أن يُعطِيَ عطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده))؛ رواه الترمذي.
 
• لا يجوز إعطاء الهدية للموظف على واجبه؛ سدًّا لباب الرشوة؛ فعن أبي حُميدٍ الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأَسْدِ يُقال له: ابن اللُّتْبِيَّةِ - (قال عمرٌو، وابن أبي عمر: على الصدقة) - فقال: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ لي، فكَرِه النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، وقال: ((فهلاَّ جلَسَ في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يُهدى له أم لا! والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدٌ منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحملُه على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغاءٌ، أو بقرةً لها خُوار، أو شاةً تَيعِرُ، ثم رفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رأينا عُفرة إبْطيه: ((اللهم هل بلَّغتُ؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟))؛ رواه البخاري في كتاب الهبة، رقم: 2597 ومسلم، رقم: 1832.
 
• ويكره أن تكون الهدية من رديء المال، قال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].
 
• ويُستحب الإثابة على الهدية، والإثابة هي إكرام مَن أهدى لك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها"؛ رواه البخاري.
 
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أهدى لكم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له)؛ رواه أحمد.
 
ويكره في الأصل ردُّ الهدية؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم يَقبَلُ الهَدية إلا لسبب شرعي؛ كأن تكون من مال حرام، أو يُتقرَّبَ بها لقصد محرم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]، ويُسنُّ قبول الهدية من الكافر - إن لم يكن فيها محظور شرعي - لدعوته إلى الإسلام؛ عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن "أُكَيْدِرَ دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم"؛ رواه البخاري (فتح الباري 5 /287)، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قَبول الهدية من المشركين، مسلم (شرح مسلم 19 /20) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه.
 
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣