أرشيف المقالات

المسح على الخفين والجوربين

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
المسح على الخُفَّين والجَوربين

 
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديرًا،والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا،أما بعد:
فإن المسح على الخفين والجوربين له أحكام فقهية تتعلق بهما، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف الخُف:
الخُف: نعل من جلد يغطي الكعبين.
الكعبان: العظمتان البارزتان في القدم؛ (نيل الأوطار للشوكاني جـ 1 صـ 322).

مشروعية المسح على الخفين:
قال النووي - رحمه الله -: أجمع مَن يُعتَد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين، في السفر والحضر، سواء كان لحاجةٍ أو لغيرها، حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزَّمِن (المريض) الذي لا يمشي، وإنما أنكرَتْه الشيعة والخوارج، ولا يُعتد بخلافهم.
قال الحسن البصري - رحمه الله -: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين؛ (مسلم بشرح النووي جـ 2 صـ 170).
روى مسلم عن إبراهيم عن همامٍ، قال: بال جرير بن عبدالله، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟! فقال: نعم،رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه؛ (مسلم حديث 272).

تعريف الجَورب:
الجَورب: هو كل ما يلبَسه الإنسان في قدميه، سواء كان مصنوعًا من الصوف أو القطن أو الكَتَّان أو ما شابه ذلك.

مشروعية المسح على الجوربين:
يجوز المسح على الجوربين.
روى أبو داود عن المغيرةِ بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 143).

شروط المسح على الخفين:
يشترط للمسح على الخفين أو الجوربين شرطان:
(1) أن يلبَسَهما المسلم بعد الوضوء الكامل.
(2) أن يكونا ساترين للكعبين؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 361: صـ 372).

مدة المسح على الخفين:
للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مِن أول مسح بعد انقضاء الوضوء.
روى مسلم عن علي بن أبي طالبٍ قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيامٍ ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلةً للمقيم؛ (مسلم حديث 276).

المسح على الخف أو الجورب المخرق:
يجوز المسح على الخف أو الجورب المخرق خرقًا يسيرًا في عُرف الناس؛ (المدونة لسحنون جـ 1 صـ 40)، (الأوسط لابن المنذر جـ 1 صـ 448: صـ 450)، (المحلى لابن حزم جـ 2 صـ 200)، (المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 100)، (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 21 صـ 172: صـ 176، صـ 212: صـ 213).
مِن المعلوم أن الإذن في المسح على الخفين عام، يدخل فيه كل ما يطلق عليه اسم الخف، ولو كان الخرق اليسير يمنع من المسح على الخف لبيَّنه نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأن معظم الصحابة كانوا فقراء، والغالب أن خفافهم لا تخلو من خروق.

صفة المسح على الخفين:
عندما يريد المسلم أن يمسح على الخفين أو الجوربين فإنه يبل يديه بالماء ثم يمرر على أطراف أصابع القدم إلى ساقه فقط مرة واحدة، ويكون المسح باليدين جميعًا على القدمين جميعًا في وقت واحد، بمعنى أن اليد اليمنى تمسح على القدم اليمنى، واليد اليسرى تمسح على القدم اليسرى في نفس الوقت، والمشروع أن يكون المسح من أعلى الخفين أو الجوربين، ولا يكون من أسفلهما؛ لأن ذلك مخالف للسنَّة.
روى أبو داود عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 147).

نواقض المسح على الخفين:
(1) انقضاء مدة المسح.
(2) الجنابة.
(3) نزع الخفين أو الجوربين أو أحدهما عمدًا أثناء مدة المسح؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 366: صـ 389).

الشك في ابتداء المسح على الخفين:
إذا شك المسلم في ابتداء مدة المسح على الخفين أو الجوربين، وجب عليه أن يبني على اليقين، فإن شك هل مسح لصلاة الظهر أو لصلاة العصر، فإنه يجعل ابتداء مدة المسح من صلاة العصر؛ لأن الأصلَ عدم المسح؛ (فتاوى ابن عثيمين جـ 4 صـ 176).

حُكم الوضوء بعد انتهاء مدة المسح على الخفين:
إذا انتهت مدة المسح على الخفين أو الجوربين، بقي المسلم على طهارته، ما لم يُحدِث؛ لأن انتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء، ولكنه ينقض المسح على الخفين؛ (فتاوى ابن عثيمين جـ 4 صـ 176: صـ 180).

حكم من لبس جوربًا فوق آخر ومسح عليهما:
إذا لبس المسلم جوربين أحدهما فوق الآخر بعد الوضوء، ثم نزع الجورب الأعلى، جاز له إتمام مدة المسح على الجورب الأسفل؛ لأنه يصدُقُ عليه أنه أدخلهما طاهرتين.
وأما إذا لبس جوربًا واحدًا بعد الوضوء ومسح عليه ثم لبس فوقه جوربًا آخر، فلا يجوز له أن يمسح على الثاني؛ لأنه في هذه الحالة لا يصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين؛ (المدونة لسحنون جـ 1 صـ 40).

المسح على العمامة والخِمار:
العمامة: كل ما يُعمَّم به رأس الرجل.
يجوز المسح على العمامة بدل المسح على الرأس عند الوضوء، في أي وقت، مع مراعاة مسح جزء من ناصية الرأس؛ (المحلى لابن حزم جـ صـ 58)، (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 379)، (فتاوى ابن تيمية جـ 21 صـ 184).
روى البخاري عن عمرو بن أمية عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه؛ (البخاري حديث 205).

مسح المرأة على خمارها:
الخِمار: هو ما يغطى به الشيء، وخمار المرأة: هو ما تغطي به المرأة رأسها.
قال ابن تيمية - رحمه الله -: إن خافت المرأة من البرد ونحوه مسحت على خمارها؛ فإن أمَّ سلمة كانت تمسح خمارها، وينبغي أن تمسح مع هذا بعضَ شعرها؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 21 صـ 218).
قال ابن عثيمين - رحمه الله -: إذا كان هناك مشقة، إما لبرودة الجو، أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى، فالتسامحُ في مثل هذا لا بأس به، وإلا فالأولى ألا تمسح؛ (الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 1 صـ 165).

الطهارة عند العمامة والخمار:
لا يُشترط لبس العمامة أو الخمار على طهارة؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ (المحلى لابن حزم جـ 2 صـ 64: صـ 65)، (نيل الأوطار للشوكاني جـ 1 صـ 298).

المسح على الجَبيرة:
تعريف الجبيرة:
هي كل ما يوضع على موضع الطهارة لحاجته، مثل الجبس، الذي يكون على العظام المكسورة، أو اللزقة التي تكون على الجرح، أو على الألم في الظهر، أو ما أشبه ذلك؛ (فتاوى ابن عثيمين جـ 4 صـ 171).

المسح على الجبيرة:
يجوز المسح على الجبيرة، ويجزئ عن الغسل، وتكون هذه طهارة كاملة، فإذا نزع الإنسان هذه الجبيرة أو اللزقة، فإن طهارته لا تنتقض؛ لأنها تمت على وجه شرعي، ولا يجب الجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم لعضو واحد؛ لأن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالف لقواعد الشريعة، ولا يكلف الله عبدًا بعبادتين سببهما واحد؛ (فتاوى ابن عثيمين - جـ 4 - صـ 172: صـ 173).

مبطلات المسح على الجبيرة:
يبطل المسح على الجبيرة بنزعها عن مكانها عمدًا، أو براءة موضعها وإن لم تسقط؛ (فقه السنة للسيد سابق - جـ 1 - صـ 101).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

شارك الخبر

المرئيات-١