نصيحة عامة
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
نصيحة عامةبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل الكتابَ المبِين، وقطعَ به الحُجَّةَ والمعذرةَ عن العالَمين، وأرسل الرسلَ للإيضاح والتبيينِ، مبشِّرينَ ومنذرين، وجعَلَ العلماءَ ورثةَ النبيِّينَ والمرسلين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إلهُ الأولينَ والآخِرين، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، خاتَمُ النبيِّينَ والمرسلين، صلى الله عليه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّينِ.
أما بعدُ:
فيا أيها المسلمونَ، إنَّه لا يَجهل أحدٌ مِنا اليومَ المَسالِكَ والسُّبُلَ التي تُفْضي بسالِكها إلى الطريقِ المستقيم، والسلامِ مِن دارِ الجحيم؛ لِتَوَفُّرِ أسبابِ العِلْم ونشْرِه بين الصغير والكبير، والذَّكَرِ والأنثى، في كل مكانٍ، حتى وصَل إلى الأعرابِ في الفيافِي والقِفَارِ.
ولكنَّ كُلَّ مَا نسمعُ ونعلَمُ فهو حجةٌ علينا؛ لعدم العملِ بما نَعلمُ وتطبيقِه، فحالُنا مخالفٌ لِمَا عليهِ سلفُنا الصالحُ؛ قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: (كان الرجلُ منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزها حتى يَعرف معانيَهن والعمل بهن)، وقال أبو عبد الرحمن السُّلَميُّ رحمه الله: (حدَّثني الذين كانوا يُقرئوننا القرآنَ أنَّهم كانوا يَستقرِئونَ مِن النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلَّمَ، وكانوا إذا تعلَّموا عشْرَ آياتٍ لم يُجاوِزوها حتى يَعملوا بما فيها مِن العمل، قال: فتعلَّمنا القرآنَ والعملَ جميعًا).
فالواجبُ علينا أيها المسلمون العملُ بتعاليمِ دينِنا، وتطبيقُه على أنفُسِنا ومَن تحتَ أيدينا مِن أولادٍ ونساءٍ وخدَمٍ وعُمَّالٍ، وأنْ يَرى اللهُ مِنَّا الصِّدقَ في مُعامَلتِه، والإخلاصَ في الأعمالِ، وألَّا تأخذَنا في الله لومةُ لائمٍ في أمْرِ دينِنا وأعمالِنا؛ فإنَّ كلَّ عملٍ لا يَصْدُقُ فيه الإنسانُ مع ربِّه، ولا إخلاصَ فيه، فهو عملٌ مُبَهْرَجٌ لا يَنفعُ صاحبَه في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يأتمِرُ به مأمورٌ، ولا ينزجِرُ به منزَجِرٌ، وليس لصاحبِه قيمةٌ ولا قدْرٌ في نفوسِ الناسِ، ولا حتى في نفوسِ أولادِه وأهلِ بيتِه، يُوَضِّحُ ذلك أنَّ فيه أفرادًا مِن إخوانِنا المسلمين - هدانا الله وإياهم - معه نوعٌ مِن استقامةٍ في دِينه في نفسه، ولكنَّه داخلٌ عليهِ النقصُ في دينِه مِن أمورٍ كثيرةٍ، وهو لا يشعُر؛ تَراه يَتساهلُ ويَغضُّ النظرَ عما يراه مِن المحرَّماتِ والمنكَرَاتِ الموجودةِ في بيته وبين عائلته؛ مِن أغانٍ خليعة، وملابسَ إفرنجيَّةٍ خليعة، وصوَر أطفالٍ مجسَّمة، ومناظرَ سيِّئة، وقنواتٍ فضائيةٍ فاجرة، وغير ذلك مِن المحرَّماتِ التي يَشتمِلُ عليها المسكَنُ، وعدم وجودِ قيامٍ وغَيْرةٍ صادقةٍ مع الأولاد مِن بنينَ وبناتٍ في المحافظةِ على الصلاةِ في أوقاتِها، وأدائِها مع الجماعة في المساجدِ مِمَّن تجبُ عليه مِن البَنين، وقد توانَى وتساهلَ هذا المسكينُ أمامَ هذه المحرَّماتِ وهذه الواجباتِ، وهو يَظنُّ أنه محسِنٌ في عملِه، وفي الحديثِ الصحيحِ: ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِن المؤمنِ الضعيفِ...)) الحديثَ.
أمَا سمعتَ يا عبدَ الله الحديثَ الواردَ: ((إنَّ الجارَ يتعلَّقُ بجارِه يومَ القيامةِ؛ يقول: يا ربِّ، هذا رآني على معصيةٍ فلم يأمُرْني ولم يَنْهََني))؟ هذا في حقِّ الجار، فكيف بمن هو معك في بيتكَ ويُساكنُك ويؤاكلُك وتقُومُ بشؤونِه؟! فالمسؤوليةُ أعظمُ وأكبر؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]، وغير ذلك مِن الآياتِ والنصوصِ الكثيرةِ التي تُوجبُ تقديمَ محبَّةِ الله ورسولِه على محبَّةِ الأهل والأولاد والأموال.
وروي أن نبيَّ اللهِ عيسى ابنَ مريمَ عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاةِ والسلامِ يقولُ: (تحبَّبوا إلى الله ببُغْضِ أهلِ المعاصي، وتقرَّبوا إلى الله بالبُعدِ عنهم، واطلُبوا رضَا الله بسُخْطِهم)، ورُوي أنَّ نبيَّنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلَّمَ قالَ: ((تقرَّبوا إلى الله ببُغضِ أهلِ المعاصي، والْقَوْهم بوجوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ، والتمسوا رضا الله بسخطهم، وتقرَّبوا إلى الله بالتباعُد منهم)).
وعن علي رضي الله عنه مرفوعًا: ((لا يُحبُّ رجلٌ قومًا إلا حُشِر معهم))، وعن أبي مسعودٍ البدريِّ مرفوعًا: ((لا تُصاحِبْ إلا مؤمنًا، ولا يأكلْ طعامَك إلا تقيٌّ)).
وفي حديثٍ رَواه أبو نعيمٍ وغيرُه، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّمَ: ((أَوحَى اللهُ إلى نبيٍّ من الأنبياءِ أنْ قُل لفلانٍ العابدِ: أمَّا زُهْدُك في الدنيا فقد تعجَّلْتَ به راحةَ نفْسِك، وأما انقطاعُك إليَّ فتعزَّزْتَ به، فماذا عمِلتَ فيما لِي عليك؟ قال: يا رب، فما لك عليَّ؟ قال: هل واليتَ لي وليًّا، أو عاديتَ لي عدوًّا؟)).
وفي الأثرِ الإلهيِّ: (أنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى جبرائيلَ عليه السلامُ؛ أنِ اقلِبْ مدينةَ كذا وكذا، وقال: يا رب، فيهم عبدُك فلانٌ الصالحُ، قال الله تعالى: به فابدأْ، وأَسْمِعني صوتَه؛ فإنَّ وجهَه لم يتمَعَّرْ فيَّ قَطُّ).
فالدينُ أيها المسلمون حُبٌّ وبُغضٌ، ومُوالاةٌ ومُعاداةٌ في ذاتِ الله، ولْيَكُنْ دينُ أحدِكم أحبَّ إليه مِن كل شيء، وحتى مِن نفسه، وليحرصْ عليه ولا يدَنِّسْه ولا يَشُبْهُ بشيءٍ، ولْيَتفقَّدْ نفسَه مِن حينٍ وآنٍ، فأكثرُ الناسِ اليومَ أصحابُ سلوكٍ لا فرْقَ عندَهم بين الأتقياءِ البَرَرَة، وبين أهل المعاصي الفَجَرَة، وهذا خلافٌ لما أُنزلَ علينا وأُمِرْنا به في الآيات القرآنية، والأحاديث الثابتة النبوية، وما عليه سلفُنا الصالح رضوان الله عليهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (مَن أحبَّ في الله وأَبْغَضَ في الله، ووالى في الله وعادَى في الله، فإنما تُنالُ وَلايةُ الله بذلك...) إلى آخر ما قال.
فإنني أَخشَى على مَن تساهل في أمْر دِينِه، وتَسامَح في أوامر الله تعالى وأوامرِ رسوله، وداهَنَ في ذلك مع أهلٍ أو ولَدٍ أو قريب - أنْ يُعاقَبَ بالرَّانِ على قلبِه، ثم بالطبْعِ، نعوذُ بالله مِن موت القلوب - ثم لا يَعرِف معروفًا ولا يُنكِر مُنكَرًا.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أتدْرون مَن ميِّتُ الأحياءِ؟ هو الذي لا يَعرفُ معروفًا، ولا يُنكِرُ منكَرًا).
فاحذروا وتيقَّظوا، ولا يذهبْ دينُكم، ولا تضيِّعوا أوامرَ ربِّكم بيْنَ أولاد ونساء، ولا يحملنَّكم حبُّكم إياهم على التساهلِ في أمْر دِينِكم، وذَهابِ الغَيرةِ له؛ يقولُ الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14]، وفي الحديث الصحيح: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه))، وفي الحديث الصحيح: ((ما منكم مِن أحدٍ إلا وهو على ثَغْرٍ مِن ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يُؤتى الإسلامُ مِن قِبَلِه)).
فالواجب على كلِّ مسلم عاقلٍ أن يَتمسَّكَ بما في كتابِ ربِّه وسُنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلَّمَ مِن الأوامرِ والواجبات، وأنْ يَعَضَّ عليها بالنواجذِ، ولو رَغِبَ عنها وحاد عنها الأكثرون مِن الناس، ولا يَغْترَّ بكثرةِ الهالكين والمنحرِفين؛ فإن الله تعالى أخبرَنا وقصَّ علينا أخبارَ الأُممِ الماضينَ بأنَّ أكثرَهم كانوا عنِ الحقِّ مُعْرِضينَ، وعلى غيرِ سبيل الاستقامة سالكين؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، وقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وغيرَ ذلكَ مِن الآيات الكثيرة.
وقال بعضُ السلَف رحمه الله تعالى: (ليس العجبُ بمن هلَكَ: كيف هَلك؟ وإنما العجبُ بمن نَجا: كيف نجا؟)، وقال الفضيلُ بن عياض رحمه الله: (لا تَزهدْ في الحقِّ لقلَّةِ السالكين، ولا تغترَّ بالباطلِ لكثرةِ الهالكين، لا تجعلوا ما نَهَج إليه الهمَجُ مِن الناس وعمِلوا أسوةً لكم وقدوةً؛ فإنكم مَتَعَبَّدون بما في كتاب ربِّكم وسُنَّة نبيِّكم)، قال تعالى: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 3]، ويقول النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلَّمَ: ((لا يؤمِن أحدُكم حتى يكُونَ هواهُ تبَعًا لما جئتُ به))، فالحقُّ وللهِ الحمدُ واضحٌ مُسْتَبِينٌ، عليه منارٌ كمنارِ الطريقِ؛ قال صلى الله عليه وسلَّمَ: ((تَركتُكم على المحجَّةِ البيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ)).
فاحذروا، عبادَ اللهِ، فتنةَ الدنيا وفتنةَ النساءِ، وما بين أيديكم وأمامَكم من الفتنِ؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].
وفي الحديث الشريف: ((إنَّ لِكلِّ أمَّةٍ فتنةً، وفتنةُ هذه الأمَّةِ المالُ)).
وفي الحديث عن النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلَّمَ قال: ((ما تركتُ بَعدي فتنةً هي أضرُّ على الرجالِ من النساءِ)).
وفي الحديث الشريف: عن النبي محمد صلى الله عليه وسلَّمَ؛ أنه قال: ((الدنيا حلوةٌ خَضِرة، وإنَّ اللهَ مُستخلِفُكم فيها فناظرٌ كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساءَ؛ فإنَّ أولَ فتنةِ بني إسرائيلَ كانت في النساء)).
وقد طغتْ نساءُ هذا الوقتِ، واستفحلَ شرُّهن، وازدادتْ فِتَنُهن والفتنةُ فيهن؛ لِتَوَفُّرِ أسبابِ حصولِ مقاصدهن.
فيا عبادَ الله:
ويا مَن له غيرةٌ على دِينِه ومحارمِه، صُونوا محارمَكم وعَوْراتِكم مِن الوسائل والذرائعِ التي تُقرِّبُهنَّ، وتؤدِّي بهنَّ إلى فعْلِ الفاحشة والعياذُ بالله، فقد جاءت السُّنَّةُ المطهَّرةُ بما يَحفظ للنساء كرامتَهن، وكمالَ العفافِ منهن وعليهن، وحِفْظَهن والتحفُّظَ عليهن، وبُعدَهن عما يُدنِّس أعراضَهن.
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلَّمَ؛ أنه قال: ((ما خلا رجُلٌ بامْرأةٍ إلا كان الشيطانُ ثالثَهما)).
وقال صلى الله عليه وسلَّمَ: ((إياكم والدُّخولَ على النساء))، قيل: يا رسول الله، أفرأيتَ الحَمْوَ؟ قال: ((الحَمْوُ الموتُ))، والحمْوُ هو مَن يَمُتُّ إلى زوجِ المرأةِ بصِلةٍ، كابن العمِّ وابنِ الأختِ ونحوِهم، وفي الحديثِ: (النساءُ لَحْمٌ على وَضَمٍ، إلا ما ذُبَّ عنه).
وقد وَرَد النهيُ عن سفَرِ المرأة بدون مَحْرَمٍ؛ فقال صلى الله عليه وسلَّمَ: ((لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أنْ تُسافر يومًا وليلة، إلا مع ذي محرمٍ)).
فإياكم والتساهُلَ وإحسانَ الظنِّ بأحدٍ فيما يتعلَّق بأمور نسائكم ومحارمِكم، ولو كان أقربَ قريبٍ؛ فقد قال أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (احترسوا مِن الناس بسُوء الظن)، فما أَصْدَقَ فراستَه رضي الله عنه، هذا وهو في وقته، الذي هو القرنُ الأول، أفضلُ القرون، فما بالُك اليومَ؟!
وقد قيل:
إِنْ لَمْ تَصُنْ تِلْكَ اللُّحُومَ أُسُودُهَا
أُكِلَتْ بِلَا عِوَضٍ وَلَا أَثْمَانِ
هذا؛ واللهُ المسؤولُ المرجوُّ أنْ يحفظَ علينا وعلى جميع المسلمين دينَنا، وأنْ يُثبِّتَنا على ما جاءنا مِن ربنا، وما أتانا به نبيُّنا ورسولُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلَّمَ، وما مضى عليه سلَفُنا الصالح إلى أن نلقاه، وأنْ يَنصُرَ دينَه، ويُعليَ كلمتَه، وينصرَ أولياءَه ومَن نصَر دِينَه، ويخذُلَ الباطلَ وأهلَه ومَن شايَعه، إنه على كل شيءٍ قديرٌ.
وصلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وآلِه وصحابتِه ومَن تَبِعَهم إلى يوم الدِّين.