توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (7)
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (7)الحديث السابع
عن عبدالله بن مسعُودٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلاَّ في اثنتين: رجُلٍ آتاه الله مالاً فسُلِّط على هَلَكته في الحقِّ، ورجُلٍ آتاه الله الحكمةَ فهو يقضي بها ويُعلِّمُها))[1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
الحسد في الحديث بمعنى الغبطة؛ لأن الحسد معناه: إمَّا تمنِّي زوال نعمةِ الغير مطلقًا، وإمَّا تمنِّي زوالها لنفسه، وهو مذمومٌ في الحالين، أمَّا الغِبطة فهي تمنِّي مثل ما للغير، وهي ممدوحةٌ بخلاف الحسد؛ فهو مذمومٌ حتى فيما استثناه الحديثُ.
وإطلاق "الحسد" على "الغِبطة" فيما قيل مجازٌ مُرسل علاقته الإطلاقُ والتقييد، أو استعارة بجامع الاشتراك في مطلق التمنِّي.
وقد آثر الرسولُ الكريم صلوات الله وسلامه عليه لفظَ "الحسد" مع أنه مذمومٌ على لفظ "الغِبطة" مع أنه ممدوح؛ للإشارة إلى أنَّ في الغِبطة شائبةً من الحسَد وهو التطلُّع إلى ما عند الغير، وبهذا يكون الحامل عليها حب المنافسة، ولا شكَّ أنَّ المنافسة في الخير ممدوحةٌ، ولكن هناك درجة أرقى منها، وهو إرادة الخير لذات الخير، لا لمنافسة الغيرِ فيه؛ لأن المنافسةَ قد تحمل على الحسد عند الإخفاق فيها، بخلاف إرادةِ الخير لذات الخير، ولهذا يكون الأوجه إطلاق "الحسد" على "الغِبطة" من قبيل الاستعارة لا من قَبيل المجاز المُرسل؛ لأن المجاز المرسل الذي علاقتُه الإطلاق والتقييد من المجاز غير المفيد، وعلى هذا الإطلاق استعارة تُشبِّه الغِبطةَ بالحسد بجامعِ ما فيهما من التطلُّع إلى ما عند الغير، لا بجامع اشتراكهما في مطلَق التمنِّي؛ لأنه لا يكفي في إطلاقه عليها، ثم يُستعار لفظ المشبَّه به للمشبَّه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية.
((لا حَسَدَ إلا في اثنتَيْن)): الحصرُ هنا تحقيقي ادِّعائي من قَصْر الموصوفِ على الصفة؛ لأنه قصر فيه الحسدَ - بمعنى الغِبطة - على الكونِ في اثنتين، فهو قصرُ موصوفٍ على صفة، ولكنه ادِّعائي؛ لأن الحسد بمعنى الغِبطة يكون في غير الاثنتين، فنزل غيرهما منزلةَ العدة على سبيل الادِّعاء.
لطيفة: ما حكم تمنِّي زوال نعمة البخيل أو الفاسق أو الكافر ونحوهم؟
قيل إنه يُستثنى مِن ذمِّ تمنِّي زوال نعمة الغير مثل هؤلاء؛ لأنهم يَستعينون بها على معاصيهم، وإن كان الأفضل هنا تمنِّي هدايتهم لا زوال نعمتهم.
((فَهو يَقْضِي بها))؛ معناه: فهو يعملُ بها؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت: 12]؛ أي: عملهنَّ.
[1] رواه البخاري (73)، (1409)، (7141)، (7316)، ومسلم (268).