أرشيف المقالات

المرور بين يدي المصلي

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
تحقيق شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي
المرور بين يدي المصلي

• حدثنا هشام بن عمَّار، ثنا سفيان بن عيينة، عن سالم أبي النضر، عن بُسر بن سعيد، قال: أرسَلوني إلى زيد بن خالد أسألُه عن المرور بين يَدي المصلِّي، فأخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يقوم أربعين، خيرٌ له من أن يمرَّ بين يديه))،‏ قال سفيان: فلا أدري أربعين سنةً، أو شهرًا، أو صباحًا، أو ساعةً.
 
هذا حديثٌ قال أبو عمر في التمهيد: رواه ابن عيينة مَقلوبًا، فجعل في موضعِ زيدٍ أَبا جُهيم، وفي موضعِ أبي جهيمٍ زيدًا، والقول عندنا قولُ مالك، وقد تابعه الثوريُّ، وغيره[1]، ولما ذكر ابن القطان رواية البزار عن بُسر، قال: أرسلني أبو جُهيم إلى زيد بن خالدٍ أسألُه عن المارِّ، قال: خُطِّئ فيه ابنُ عيينة، وليس خطؤه بمتعَين؛ لاحتمالِ أن يكون أبو جهيم بَعث بُسرًا إلى زيد، وزيدٌ بعثه إلى أبي جهيم يسألُه فيما عنده، وأخبر كلُّ واحدٍ منهما بمحفوظه، فشكَّ أحدهما، وجزم الآخر بأربعين خريفًا - يعني الذي في حديث البزار - واجتمع ذلك كلُّه عند أَبي النضر[2]، قال ابنُ ماجه:
• حدثنا عليُّ بن محمد، ثنا وَكِيع، ثنا سفيان، عن سالم[3]، عن بُسر بن سعيد: أن زيد بن خالد أرسل إلى أبي جُهيم يسألُه: ما سمعتَ من النبي صلى الله عليه وسلم في الرَّجل يمرُّ بين يدي الرَّجل وهو يصلي؟ فقال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو يعلم أحدكم ما له أن يمر بين يدي أخيه، وهو يصلي، كان لأن يقف أربعين - قال: لا أدري أربعين عامًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين يومًا - خيرٌ له من ذلك))‏.‏
 
هذا حديث خرَّجه الأئمةُ الستة في كتبهم[4].
 
• حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة، ثنا وَكيع، عن عُبيدالله بن عبدالرحمن بن موهبٍ، عن عمِّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم أحدُكم ما لَه من[5] أن يمر بين يَدَي أخيه، مُعترضًا في الصلاة، كان لأن يقيم مائةَ عام، خيرٌ له من الخطوة التي خَطاها)).‏
 
هذا حديثٌ إسنادُه صحيحٌ على رَسم البُستِيِّ عبيدالله بن عبدالرحمن، وثَّقه يحيى في رواية إسحاق، وذكره ابنُ حبان وابن شاهين في الثقات، وخرَّج حديثَه في صحيحه، وقال ابنُ عديٍّ: حسنُ الحديث، يُكتب حديثُه، وقال الرازي: صالحُ الحديث، وعمُّه عبيدالله بن عبدالله بن مَوهب أبو يحيى التيمي، ذكره ابن حبان البستي في كتاب الثِّقات، وزعم الطحاويُّ: أن حديثَ أبي هريرة هذا متأخرٌ عن حديث أبي جهيم، قال: وأَولى الأشياء بنا أن نظنَّه بالله تعالى: الزيادة في الوعيد للعاصي المارِّ بين المصلي، لا التخفيف[6]، وفي الباب: حديثُ عبدالله بن عمرو بن العاص، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الذي يمر بين يدي المصلي عمدًا، يتمنى يوم القيامة أنه شجرة يابسة))، ذكره أبو القاسم في الأَوسط، وقال: لا يُروى هذا الحديثُ عن عبدالله بن عمرو إلاَّ بهذا الإسناد، تفرَّد به ابنُ وهب؛ يعني: عن عبدالله بن عيَّاش، عن أبي رَزينٍ الغافقي عنه[7]، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم: ثنا سليمان، أظنه عن حميد بن هلال قال: قال عمرُ بن الخطاب: "لو يعلم المصلي ما يَنقص من صلاته، ما صلى أحدُكم إلاَّ إلى شيء يسترُه من الناس"[8]، وفي المصنَّف عن عبدالحميد، عاملِ عمر بن عبدالعزيز، قال عليه السلام: ((لو يعلم المارُّ بين يَدي المصلي، لأحب أن يَنكسر فخذُه، ولا يمر بين يديه))، وعن ابن مسعود: "المارُّ بين يدي المصلي أنقص من المُمَرِّ عليه، وكان إذا مرَّ أحدٌ بين يديه وهو يصلي التزمَه حتى يردَّه، ويقول له: لَيَقطع نصف صلاة المرءِ مرورُ المرء بين يديه[9]".
 
قسَّم بعضُ الفقهاء المرور بين يدي المصلي على أربعِ صور:
الأول: أن يكون للمارِّ مندوحة من أن يمرَّ بين يَدي المصلِّي، ولم يتعرَّض المصلي كذلك؛ فالإثمُ في هذا خاصٌّ بالمار.
 
الثاني: يكون المصلي قد تعرَّض للمرور، والمار ليس له مندوحة عن المرور؛ فالإثم خاصٌّ في هذا بالمصلي.
 
الثالث: أن يتعرض المصلي للمرور، ويكون للمارِّ مندوحةٌ، فيأثمان.
 
الرابع: ألا يتعرض المصلي، ولا يكون للمار مندوحة، فلا إثم عليهما، وهذا كلُّه إنما يأثم مرتكِبه مع العلمِ بالنهي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم المار)).

[1] التمهيد (21 /146 - 147).

[2] بيان الوهم والإيهام (2 /105 - 107) رقم (76).

[3] كذا بالأصل، وفي المطبوع: عن سالم أبي النضر.

[4] البخاري (510)، ومسلم (507)، وأبو داود (701)، والنسائي (2 /66)، والترمذي (336).

[5] كذا بالأصل، وفي المطبوع: في.

[6] مشكل الآثار (1 /84) - ط.
الرسالة.

[7] المعجم الأوسط (1928).

[8] أورده أيضًا العيني في عمدة القاري (4 /291)، وابن حجر في الفتح (1 /584).

[9] مصنف ابن أبي شيبة (1 /316 - 317).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير