قضايا المرأة في الغرب
مدة
قراءة المادة :
21 دقائق
.
في مقالي السابق المنشور في مجلة البيان العدد (347) كنت قد وعدت قرائي الأعزاء أن أخصص مقالاً منفصلاً لقضية حقوق المرأة في أمريكا وبعض الحقائق التاريخية التي أوصي زملائي من الدعاة بمعرفتها قبيل ممارسة الدعوة لدين الله تعالى في أمريكا، خاصة في الأوساط التي تقبل الأمريكيات على الاستماع لها والمشاركة فيها، فقضايا المرأة وحقوقها وواجباتها تعتبر من القضايا الشائكة جداً والتي توجه إلينا أسئلة كثيرة جداً حولها كلما ذهبنا في رحلة دعوية، أو حتى في محافلنا العلمية والثقافية والاجتماعية، وإليكم أعزائي القراء الكرام، مجموعة من المحاور الرئيسة التي ينبغي علينا الاطلاع عليها: تاريخ حركة تحرير المرأة الأمريكية بداية من مجهودات «إليزابث كيدي ستنتن»، والحدث الأشهر في تاريخ تحرير المرأة الأمريكية وهو «سينكا فولز كونفنشن» في عام ١٨٤٨م (The Seneca Falls Convention)، مروراً بحصول المرأة الأمريكية على حق التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ١٩٢١م وآثار الحربين العالميتين على ملف قضية عمل المرأة ومساواتها بالرجل، وصولاً إلى الوضع الحالي للمرأة الأمريكية بكل طوائفها (المرأة العاملة، والمرأة المعيلة، والمرأة العاطلة عن العمل، والمرأة العاجزة عن العمل). المرأة الأمريكية نفسياً وتاريخياً تختلف في تكوينها عن سائر نساء الأرض، وهذه الحقيقة لا بد أن يضعها الداعية في حساباته جيداً جداً قبل مخاطبة هذه الشريحة من النساء، فالمرأة الأمريكية هي من بُنيت هذه الحضارة على أكتافها، ولولا مجهوداتها في العقود الأولى لقدوم الإنجليز والألمان وبقية الأعراق إلى هذه الأرض المكتشفة حديثاً، لما كان سيصبح هناك شيء اسمه أمريكا، فلقد كان الرجال يتفرغون لمحاربة الهنود الحمر والسيطرة على الموارد والأراضي، وكانت النساء يقمن بكل شيء ما دون ذلك، كالحمل، والولادة، ورعاية الأبناء، وحياكة الملابس والأدوات الحربية، وإمداد المحاربين بعدتهم ومؤنتهم وزراعة الأرض، والحصاد، وتخزين السلع والغذاء، وتعليم الأبناء، والتمريض والتطبيب، وكل شيء، حتى إنه في بعض المراجع التاريخية الموثقة، قد شهدت هذه الحقبة، تغيراً اجتماعياً واضحاً، حيث كان السكان يفرحون ويقيمون الولائم إذا ما رزقوا بمولودة، لما كان للنساء من دور فاعل وقوي في قيامِ ورسوخِ هذه الحضارة الوليدة. بعد كل هذه الأمجاد واحتفاء المجتمع بأكمله بالمرأة الأمريكية، أماً، وزوجةً، وأختاً، وبنتاً، وبعد كل هذه المجهودات التي قاموا ببذلها على مدار أكثر من قرن كامل من الزمان، حتى أصبح حب العمل والبنية النفسية والجسدية لديهن من أقوى ما يكون، متحديات كل عوامل الطقس الشرس من أعاصير وثلوج وغيرها؛ جاءت الثورة الصناعية، وانتهت حروب الرجال الأمريكيين مع الهنود الحمر، وبدأ الاستغناء التام عن النساء، إذ تم بناء المصانع واقتصرت المصانع على العمالة من الرجال، وطولبت النساء بالعودة إلى بيوتهن لرعاية الأبناء فقط لا غير، والتخلي عن كل الأدوار اللاتي اعتدن على القيام بها مما سبق ذكره، فكانت خيبة الأمل التي لم تنساها المرأة الأمريكية آنذاك، بل ربما وحتى الآن، وبدأت معاناة النساء تزداد يوماً بعد يوم، خاصة حينما ازداد منعهن من ارتياد الكنائس، لدرجة أن من كانت تريد منهن التعبد بصلوات أو أي شيء، كان يُطلب منها أن تجعل واحداً من محارمها يقوم لها بهذا ويذهب للكنيسة نيابةً عنها أما هي فكانت ممنوعة تماماً، وبدأت حالة من التذمر الشديد، والاستياء والشكوى تزداد يوماً بعد يوم، والمطالبة بالمساواة بالرجال وبالعودة للمساهمة في نهضة هذه الأمة، كما كن في سابق عهدهن، إذ شعرت النساء بفراغ عظيم وبإهانة شديدة، كيف يُطلب منهن اليوم اختزال دورهن في رعاية الأبناء فقط وهن من كن يتحملن كل المهام والمسئوليات بصبر وشجاعة وقوة، وبدأت حركة التحرير - وهذا مهم جداً لكل داعية أن يعرفه لأنه سيعطيه مفاتيح قوية في معرفة أفضل الطرق لدعوة النساء الأمريكيات - بالمطالبة بالحقوق الدينية، أي الذهاب للكنيسة بهدف الصلاة والدعاء وعدم الاستعانة بالمحارم في ذلك، وهذه الثورة الدينية لها جذور من قبل هذا التاريخ، وقادت هذه الثورة الدينية امرأة تدعى «آن هتشنسن» وكانت ذات شخصية قوية مفوهة لها أتباع من النساء ولها سطوةٌ وأثرٌ، وكانت تدخل في مناظرات دينية كاملة ضد البيوريتان[1]، وكانت تطالب بحق النساء في الذهاب إلى الكنيسة والعبادة تماماً كما الرجال، وانتهى بها الحال أن أصدر حكم بالإعدام ضدها، وعوقبت هي ومجموعة من أتباعها من النسوة. الاضطهاد الكنسي للنساء الأمريكيات، دائماً هو المتهم الأول لديهن أنه سبب قهرهن وحالة الظلم التي تعرضن لها على مدار قرون، لذا فلديهن عقدة نفسية وقلبية عميقة جداً من فكرة الدين والسلطة الباباوية الذكورية، وبالطبع بعد تقديم الإسلام في صورته المشوهة على أنه الدين الأشد قهراً وظلماً وتحقيراً للنساء فكثير منهن لديهن تصورات مسبقة خاطئة جداً ومن أشد ما يكون ضد الإسلام، وهنا لا أحبذ البدايات التقليدية في دعوة النساء الأمريكيات للإسلام من خلال الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام، لأن النسوة الأمريكيات متأثرات جداً بسطوة الحضارة المادية، ونظرية «ما لا أراه لا أصدقه»، لذا حينما نتحدث إليهن عن مكانة المرأة في الإسلام وعظمها، فوراً يربطن هذا بصور النساء المسلمات الحاليات والتي للأسف غالباً ما تكون إما مقهورة، أو غير ناجحة، أو ليست نموذجاً مشجعاً بالأساس للاقتداء بها، فالنسوة يتأثرن ببعضهن البعض أكثر من الرجال كما هو معلوم، ولا توجد نماذج للنساء المسلمات حديثاً يتم الترويج لها بالقدر الذي يجعل النساء الأمريكيات يتأثرن بمثل هذه النماذج الناجحة، الفاعلة الخلوقة. إذن المدخل دائماً لا بد أن يلعب على الأوتار الأساسية التي تجمع كل النساء، وهي العاطفة الدينية الشديدة جداً، والبحث الدائم عن الإله ومحاولة الوصول له، وهذا أساس الفطرة في بني الإنسان جميعاً لكن ربما يتضاعف الأمر لدى النساء لما لديهن من عاطفة جياشة، وما لديهن من نفسية مرهفة، سحقتها الحياة المادية وضغوطات البقاء والمسئولية، وهنا لا بد للداعية من أن يدرس ويفهم سيكولوجية المرأة بصفة عامة، ثم فهم سيكولوجية المرأة الأمريكية بصفة خاصة، وكما ذكرنا سابقاً، قراءة تاريخ تحرير المرأة الأمريكية وصراع كينونتها في هذه الأمة، وما كانت عليه وما وصلت إليه، هو واحد من أهم المحاور التي لا بد للداعية من أن يلم بها. المحاور الاجتماعية الأخرى التي لا تقل أهمية أيضاً: الزواج، والطلاق، والإجهاض، وحقوق الأبناء، وحقوق الزوجة، وحقوق الأم، ومكانتها عند الله وليس في الإسلام، بمعنى أنه لا بد للداعية من أن يخرج من عباءة الحديث أن هذا هو الإسلام، إلى أن هذا هو الله ومكانتك عنده ومسئولياتك وحقوقك، هذا الحديث لا تفقه النسوة الأمريكيات عنه شيئاً، بل دائماً ينظرن إلى الدين - خاصة النصراني بكل طوائفه - أنه أكبر مصادر همهن وقهرهن في هذه الحياة الدنيا، وهو ما جعل للرجال سطوة تقهرهن، وتسلبهن حقوقهن. قصص الخلق، خلق آدم تحديداً، وخلق حواء وغواية الشيطان لهما، وتوبة الله عليهما ثم هبوطهما إلى الأرض؛ تعد أيضاً واحدة من أجمل الحقائق التي يستطيع الداعية البدء بها، وترقيق قلوب النساء بها، لأنهن عانين معاناةً شديدةً جداً من هذه القصة التي تم تحريفها واتهام حواء، ومن ثم بني جنسها بأنها من أغوت آدم واتحدت مع إبليس، وقصتهم المحرفة هذه كما هو معلوم تم تحريفها في الإنجيل بحيث صورت المرأة على أنها شيطانة توسوس وأنها أفعى خبيثة جاءت لآدم فأغوته، وأنها هي من أخرجت آدم من الجنة وليس إبليس اللعين، والقارئ المطالع للأدب وعلوم الإنسانيات الغربية عامة والأمريكية خاصة سيعلم كم قُهرت النساء وظلمت وسلبت حقوقها بسبب هذه النظرة الدونية جداً والتي تعتبر جزء رئيساً من نظرة الغرب التحقيرية والمعادية للمرأة، لذلك تخلصن من الدين وتبعاته لأنهن يرونه «جاء من عند إله غير عادل كاره للمرأة مفضلاً للرجل عليها مانحاً إياه سلطة باباوية ذكورية مطلقة فوق هذه المسكينة الضعيفة» - تعالى ربنا عن كل هذا علواً كبيراً -، لذا فالحديث عن مكانة المرأة عند الله أهم في البداية من الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام، ولا أقصد أبداً الفصل بينهما، فالإسلام دين الله الأوحد الذي ارتضاه لجميع خلقه، لكن أوصي فقط بالأولوية الدعوية وترتيب الخطاب ليس إلا، بما يجذب قلوب النساء الغربيات عامة، والأمريكيات خاصة، لأن هذه الحقائق ستكون غضة بكراً، لم يسمعوها من قبل ولم يتخيلوا جلالها وجمالها. في النقطة السابقة هناك مقترح لو تم تفعيله بشكل سليم صحيح، سيؤتي ثماره لدى النسوة الأمريكيات بإذن الله، وهو أن نقدم لهن في نفس سياق الحديث عن مكانة المرأة عند الله ما تم فعلياً في عالمنا الإسلامي من قهر للمرأة بسبب سوء الفهم عن الله ورسوله، وفي ذلك احترام لعقلية المرأة الغربية التي ربما تكون قد اطلعت على أحوال بعض أخواتها حول العالم، خاصة الإسلامي، لأننا كما سبق وذكرنا، لو حدثناهن عن مكانة المرأة في الإسلام وعظمها أول ما سيخطر في بالهن: «إن كان الإسلام يرفع المرأة إلى هذه المكانة العظيمة، فلماذا لا نرى أمجاداً ولا عظمة للمرأة المسلمة بل هي الأشد قهراً على الإطلاق؟!»، وهذه هي الصورة التي يروجها الإعلام والأدب الغربي، وتناول هذا المحور يكون بخطة تنفيذية لا بد أن تشمل هذه المحاور مجتمعة: الحديث عن مكانة ومنزلة النساء عند الخالق، يصاحبه الحديث عن مكانة النساء عالمياً، أي لا نتحدث عن المرأة العربية أو الأمريكية في معزل عن بقية النساء، بل نتحدث عن المرأة عالمياً وكيف أنها تواجه منظومة كاملة من القهر والاستبداد والتسلط، يصاحبه الحديث عن دور المؤسسات الرأسمالية في هذا القهر وكيف أنها من أجل عمالة رخيصة وتحقيق مكاسب فإنها تدعم قهر النساء وتهميش دورهن على مستوى العالم، يصاحبه الحديث عن العنف ضد المرأة عالمياً، بنسب وإحصائيات وأرقام موثقة وليس كلاماً عاماً مسترسلاً لأننا ذكرنا مسبقاً أن العقلية الأمريكية عقلية مادية تؤمن بلغة الأرقام والدراسات والأبحاث (أوصي قرائي الأعزاء بمراجعة مقالي في مجلة البيان بعنوان: الدعوة في الغرب ولغة الأرقام)، يصاحبه الحديث عن معاناة المرأة عالمياً، ومعاناة المرأة العربية والإفريقية والآسيوية وكيف أنها ظلمت وقهرت لا بسبب الإسلام وتعاليمه ولكن بسبب هذه الحقب الزمنية الطويلة من الاحتلال والحروب وتفشي الجهل والفقر والاستبداد، يصاحبه الحديث عن دور بعض المؤسسات الدينية عالمياً في استغلال الدين، وهنا لا نقدم الإسلام في معزل حتى لا نكون نقدمه في صورة المتهم - معاذ الله -، ولكن نتحدث عن فكرة الدين بشموليته واستغلال الحب الفطري لدى بني الإنسان للدين وللإله في فرض السطوة والقهر والاستبداد على الجنس البشري وبالطبع لا بد أن يكون النصيب الأكبر من هذا القهر والاستبداد من حق المرأة لأنها الأكثر ضعفاً هي والأطفال، يصاحبه الحديث عن صورة ذهنية يتم تقديمها بعناية فائقة وذكاء شديد عن مكانة المرأة في عصور صدر الإسلام، ودورها العظيم في النهوض بالحضارة الإسلامية والفتوحات ومعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء ثم الصحابة من بعده، وهنا يمكننا أن نعطي بعض التمجيد أيضاً لدور المرأة الأمريكية في النهوض بأمتها كما سبق وذكرنا هذا. خلاصة هذه المحاور السابقة، أننا لا نريد أن نتعامل مع المرأة الأمريكية على أنها المرأة المشركة أو الملحدة التي قد جئنا إليها بالحل الذهبي الذي سيخصلها من كل معاناتها، بل علينا احترام عقلها وموروثها الثقافي والاجتماعي والتاريخي والحضاري، علينا أن نقدم لها دعوة لدين الله، لدين الحق، بطريقة تخاطب عاطفتها، وعقلها، وموروثاتها الكاملة التي جعلتها تعادي الدين ورجاله، أي نقوم بتفكيك ما ترسخ بداخلها من إرث عدائي شديد ضد الأديان بصفة عامة، والإسلام بصفة خاصة، بسبب ما قامت به الكنيسة والقساوسة من قهر وتسلط وظلم ضد المرأة باسم الدين والإله. الحياة الأسرية، والزوجية، والاجتماعية، والجنسية للمرأة الأمريكية تختلف تماماً عن غيرها من النساء، خاصة العربيات والمسلمات كما هو معلوم، لذا علينا في بداية دعوتها لدين الله أن نتجنب الحديث المستفيض حول موقف الإسلام من قضايا حساسة جداً في حياتها، بل تعتبر هي محور حياتها مثل الصداقة أو اتخاذ خليل، وممارسة العلاقة الحميمة قبل الزواج، والإجهاض وحرمته، وعمل المرأة وأحكامه وضوابطه، والتعدد، والحور العين ونعيم الرجال بالجنة، والعذرية وفض غشاء البكارة، وعذرية نساء أهل الجنة، حتى لو أرادت النساء الأمريكيات اللاتي تتم دعوتهن للإسلام الدخول في مثل هذه النقاشات، وبدء الجدال حولها، على الداعية ألا يجيب أو يتفاعل أو يستسلم لإلحاحهن ظناً منه أن هذا سيحببهن في الإسلام ويقبلن عليه، وأذكر هنا موقفاً حدث بالفعل، أن امرأة أمريكية رفضت الاستماع لمزيد من الحديث عن الإسلام حينما وجهت سؤالاً لداعية (امرأة) عن الحور العين ولماذا يكون نعيم الرجال في الجنة من النساء، هل نحن سلع لكي يجعلوننا نعيماً لهم في الجنة أيضاً؟ ولماذا لا يوجد لنا نعيم من الرجال؟ فما كان من الداعية إلا أن استرسلت في الحديث عن الحور العين وكيف أن المرأة المسلمة التي ستدخل الجنة ستكون أكثر جمالاً من جميع الحور العين، وكيف أنها ستكون عذراء شابة، فما أن سمعت المرأة الأمريكية «أن إله المسلمين سيجعل النسوة يعدن إلى عذريتهن في الجنة» حتى بكت وخافت وتركت المجلس كاملاً صائحة: فض غشاء بكارتي كانت أسوأ تجاربي بل المجتمع كاملاً لا يقبلني عذراء وعلي أن أتخلص من هذا العبء الثقيل مبكراً جداً، وأنتم تقولون إن إلهكم يريد أن يجعلنا نعيش هذه التجربة المؤلمة مرة أخرى، أنا لا أريد الإسلام ولا أريد جنتكم» (بالمناسبة، هذه الداعية كانت أنا، وكنت حديثة عهد تماماً بأمور الدعوة في الغرب، وهذه المرأة الأمريكية كانت زميلة لي في الصف الدراسي الجامعي، وجاءت تسمع عن الإسلام منا)، نعم هذه هي عقلية بعض النسوة الأمريكيات، لذا على الداعية أن يكون فطناً وحذراً للغاية، ومحيطاً بتكوينهن النفسي، والاجتماعي والعاطفي، بالطبع أنا لا أقول أن نسلط تركيزنا كاملاً على حالات فردية، أو أن نتحاشى الحديث عن ثوابت الإسلام من أجل جعلهن يقبلن على الدين، لكن أكرر هي مسألة أولويات خطاب، وذكاء دعوي، ومحاولات للاستفادة من أخطاء، ونجاحات بعضنا كدعاة، فالدعوة لدين الله هي أشرف عمل. وأعرف أيضاً من شرح الله صدرها للإسلام لكنها ارتدت مع ضغوط الدعاة والمسلمين الأصليين من حولها لكي تترك «البوي فريند» فارتدت لأنها لا تطيق صبراً على عدم ممارسة العلاقة الحميمة التي تمارسها منذ سنوات طويلة، وهي تستصعب الزواج مادياً واجتماعياً، فاعتبرت أنهم كمن يريد تطليق زوجة من زوجها وحرمانها من هذه الغريزة، فالمرأة الأمريكية لا تنظر «للبوي فريند» نفس نظرتنا نحن أنها تقيم معه علاقة محرمة، وأن هذا عيب وحرام، لا تماماً، هي نشأت في بيئة ومجتمع يعتبر هذه العلاقة علاقة طبيعية جداً، وسوية جداً، بل يشجع عليها ويدعمها ويصاب أهل الفتاة بالقلق إذا ما وصلت لسن محددة وهي ما زالت عذراء، أو وهي ما زالت لم تقم علاقة جنسية كاملة مع شاب، باستثناء الطبقة العليا جداً من الأرستقراطيين أصحاب الأصول العريقة فهم يجدون عيباً وحرجاً في أن تنجب ابنتهم طفلاً من «البوي فريند»، لكن ما دون ذلك يوافقون عليه ويقرونه بل ويشجعونه، لذا على الداعية أن يكون حذراً للغاية وفطناً في تناول هذه العلاقة ونظرة الإسلام لها، وأن يتجنبها في البداية إن استطاع، أما إذا دعت الحاجة فليبين ويوضح، فديننا نبراس عزتنا، وأحكامه شريعتنا الغراء، وإن كان من سينصرف قلبه عن الدين بسبب هذا الحكم أو ذاك، فمن قال إن أمانة التوحيد والإيمان هينة يسيرة؟ وهذه نقطة جوهرية جداً لا بد أن نتوج بها حديثنا عن أحكام الإسلام في المحافل الدعوية الغربية، إذا ما أصروا على أخذنا في شرح وتفسير أحكامه، خاصة التي يصعب عليهم فهمها، وأن الإسلام دين عزيز به تكليف وشرائع وأحكام، وأن من يشرح الله صدره للإسلام لا بد أن يستعد جيداً لحمل الأمانة وأداء حقوق ربه كاملة، بالطبع التدرج سنة الله، وحديث العهد بالإسلام له مساحات من الإمهال لكي يتعلم، ويفهم، لكن من يصر على شيء مما لا يقبله الله في دينه، عليه أن يعلم أن تركه للدين بعد اعتناقه لن يضر الدين ولا أي أحد سواه، أسأل الله أن أكون قد وُفقت في شرح هذه الفكرة المتشعبة، وإنني أطالب الدعاة بأولويات مقترحة بحسب الحاجة والموروثات الحضارية الغربية، بما لا يُثقل «فجأة» رسالة الإسلام وجوهره على غير المسلمين كافة، والنساء الغربيات خاصة. البداية من التوحيد، فالحديث عن وحدانية الله سبحانه وتعالى وعن عظمته وقدرته وصفاته وأسمائه الحسنى وقوته ورحمته بعباده وحبه لهم وخلقه لهم وإكرامهم ورزقهم وإطعامهم وهباته وأفضاله هو المفتاح الذي لا بد أن يتبناه الداعية خاصة للنساء الأمريكيات، والملاحظ المتابع لمرئيات مشاهير القساوسة والدعاة النصارى بأمريكا سيعلم جيداً أنهم يلعبون على عقول النساء وأوتار عواطفهن بكثير من القصص حول محبة الإله ورحمته ومعجزاته لمن يدعوه ويسأله، وهنا نحن لا نطالب بالتشبه بهم، لكن أهل مكة أدرى بشعابها، فهم يعلمون نقاط ضعف المرأة الأمريكية ويتسللون منها ويحققون نجاحات قوية في الدعوة لدينهم الباطل، وأيضاً لأن عقليات النساء «بسيطة» متخمة بهموم الأطفال والسعي والكد، فالمرأة الأمريكية لا معيل لها، وهي من تنفق على نفسها ما أن تتجاوز الـ ١٦ عاماً، وربما من قبل هذا، وربما تنفق أيضاً على أطفالها إذا ما تركها الخليل أو الزوج، وهناك ملفات كاملة اسمها Single Mother أي الأم المُعيلة الوحيدة، أي التي تتولى رعاية أبنائها من الألف إلى الياء في ظل اختفاء تام لزوجها وتخلي كامل عن مسئولياته، وهذا ملف لا يستهان به أبداً، بل إن فيه من المآسي والظلم والمعاناة ما يشيب له الولدان، وما من داعية يوفقه الله للتفقه في هذا الملف وهذا الباب حتى لمس قلوب النساء الأمريكيات، ووجد سبيلاً لقلوبهن، فعاطفة المرأة تتوجه دائماً نحو من يشعر بمعاناتها، لا من يهبط عليها من مكان ما ليحدثها عن مزيد من «المسئوليات والالتزمات التي يتوجب عليها القيام بها لأن الدين يأمرها بهذا» فهي ربما تعمل ١٦ أو ١٨ ساعة متواصلة يومياً حتى في الإجازات لكي تسد حاجتها وحاجة أبنائها، وهذه شريحة كبيرة جداً من النساء، والغالبية العظمى، مع مراعاة أيضاً أن النصرانية بكل طوائفها لا تكليف فيها، بمعنى أننا نتحدث إلى عنصر بشري لم يعتد أصلاً على القيام بتكاليف دينية من عبادات وطاعات وصلوات وصيام، بالأساس، حتى من يعتبرون أنفسهم من أشد الناس التزاماً بالنصرانية، قمة التزامهم يكون لها صورة واحدة - الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد، ومعاملة الناس بخلق حسن، والتبرع للمحتاجين، والعمل التطوعي، ونقطة، فأنت تتعامل مع قلب وروح وجسد لا يفقه أي شيء عن التكاليف والطاعات والعبادات أبداً، لكن المرأة وأيضاً بسبب العاطفة وحب الدين ما أن تفهم الإسلام ويشرح الله صدرها له، حتى تكون من أشد الملتزمات بالطاعات، فالمبتدأ الأساسي هو تأليف القلوب ودلالتها على رب العالمين أولاً، ثم يأتي بعدها الحديث تباعاً بترتيب يراعي ما ذكرناه ويراعي البنية النفسية، والاجتماعية، والتاريخية والإنسانية لهذه المرأة. وختاماً، أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في عرض هذه المقترحات التي حاولت فيها تلخيص جزء من عصارة تجاربي الدعوية بين النسوة الأمريكيات هنا، تجارب كانت تتقلب بين النجاح والإخفاق، والموفق من وفقه الله، وأدعو الله أن يغفر لنا تقصيرنا وأخطاءنا، وأن يتقبل منا صالح أعمالنا.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[1] مذهب بروتستانتي يجمع خليطاً من الأفكار اللاهوتية، والأخلاقية والاجتماعية، والسياسية، ظهر في إنجلترا في عهد الملكة إليزابيث الأولى وازدهر في القرنين السادس والسابع عشر، ويعدون الكتاب المقدس لديهم مصدراً وحيداً للعقيدة دون تعاليم رجال الكنيسة.