إهمال العناية بالضعفاء وعدم نصرتهم
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
إهمال العناية بالضعفاء وعدم نصرتهمقد نشاهد في بعض المجتمعات الإسلامية إهمال الاهتمام بالضعفاء ونصرتهم، فنسمع عن ضرب الأطفال وإيذائهم، والنساء وظلمهم، وانتهاك أعراضهم، أو اغتصاب أموالهم، والاعتداء على المعاقين والأيتام وأكل أموالهم، وظلم الفقراء والعمّال ومماطلتهم في إعطائهم حقوقهم، هذا فضلاً عن ضعف الاهتمام بالعجزة من كبار السن والمعاقين عقلياً وجسدياً...
إلخ.
إن من وسائل النصر والبركة والرزق؛ العناية بهؤلاء الضعفاء على عمومهم بحسب الاستطاعة، ومع هذا يتم تجاهلهم وعدم العناية بهم، فهنا تكمن المشكلة، والتي تكون سبباً في التخلف، وعدم العزة والنصر سواء على مستوى الأفراد، أو مستوى المجتمعات.
وإذا نظرنا إلى حال من يهتم بالضعفاء بإعطائهم حقوقهم ومساعدتهم ونصرتهم على مستوى الأفراد، لتأكد لنا بالمشاهدة مدى الخير والبركة وسعة الرزق والمكانة الرفيعة لهؤلاء في الدنيا بالغنى والسمعة الحسنة، وما أعده الله تعالى لهم خير وأبقى.
إن من حكمة الله البالغة أن خلق الناس متفاوتين في أرزاقهم وفي أخلاقهم وفي أفهامهم وفي قوتهم وضعفهم، ولا يخلو أي مجتمع إنساني من هذه الأصناف البتة، وقد حرصت الشريعة الإسلامية على العناية التامة بالضعفاء من الناس على الإطلاق، ومن التوجيهات الشرعية المهمة التي يجب معرفتها، ومراعاتها:
أولاً: ورد في عدد من كتب السنة، حديث عظيم يغفُل عنه كثير من الناس، ولأهميته سوف يتم عرضه كاملاً:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي، فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: وَيْحَكَ تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ، قَالَ: إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهَا: إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَـالَ: فَأَقْرَضَتْهُ، فَقَضـَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ، فَقَـالَ: أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ، فَقَـالَ: "أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّـةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ[1]"[2].
ثانياً: قَـالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: " هَـلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُـونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ "[3].
قال السعدي - رحمه الله - شرحاً لهذا الحديث: "إنه لا ينبغي للأقوياء القادرين أن يستهينوا بالضعفاء العاجزين، لا في أمور الجهاد والنصرة، ولا في أمور الرزق وعجزهم عن الكسب، وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قد يحدث النصر على الأعداء وبسط الرزق بأسباب الضعفاء، بتوجههم ودعائهم، واستنصارهم واسترزاقهم"[4].
ثالثاً: حرص الخليفة الراشد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عند تولي الخلافة، وخطب خطبته الشهيرة بالتأكيد على نصرة الضعفاء، وتحقيق العدل بين الناس، وإنصاف المظلوم من الظالم، فقال: " أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي؛ الصّـدْقُ أَمَانَــةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَــةٌ، وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ، وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ "[5].
[1] بِفَتْحِ التَّاء الثَّانِيَة أَيْ : مِنْ غَيْر أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى يُقْلِقُهُ وَيُزْعِجُهُ.
[2] ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب: الصدقات، باب: من أدان ديناً لم ينو قضاؤه، حديث رقم: 2417، الألباني، صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، حديث رقم: 2426.
[3] البخاري، صحيح البخاري،كتاب: الجهاد والسير، باب: من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، حديث رقم: 2681.
[4] السعدي، عبدالرحمن، بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، 1423هـ، ص 241.
[5] ابن هشام، السيرة النبوية، خطبة أبي بكر الصديق، ج2 ، ص 661.