أرشيف المقالات

حديث (اعرضوا السنة على القرآن) وضعته الزنادقة لهدم الإسلام!

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
حديث: (اعرضوا السنة على القرآن)
وضعته الزنادقة لهدم الإسلام!
 
قال الإمام الشوكاني رحمه الله:
• "حديث: ((إذا رُوي عنِّي حديث، فاعرِضوه على كتاب الله، فإذا وافَقه فاقبلوه، وإن خالَفه فردُّوه))، قال الخطابي: وضعَتْه الزَّنادقةُ، ويدفعه حديث: ((أُوتيتُ الكتابَ ومثله معه))؛ كذا قال الصغاني، قلت: وقد سبقهما إلى نِسبة وضعه إلى الزنادقة: يحيى بن مَعين؛ كما حكاه عنه الذَّهبي، على أنَّ في هذا الحديث الموضوع نفسِه ما يدلُّ على رده؛ لأنَّا إذا عرضناه على كتاب الله عز وجل خالفه؛ ففي كتاب الله عزَّ وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، ونحو هذا من الآيات"؛ انتهى كلام الشوكاني من كتابه "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص (291).
 
وقال ابن عبدالبر رحمه الله في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 1190):
• "أمَر الله عزَّ وجلَّ بطاعة رسوله واتباعِه أمرًا مُطلقًا مجملًا لم يُقيَّدْ بشيء، ولم يقل: ما وافق كتابَ الله؛ كما قال بعضُ أهل الزيغ، قال عبدالرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضَعوا ذلك الحديث، وهذه الألفاظ لا تصحُّ عنه صلى الله عليه وسلم عند أهل العِلم بصحيح النَّقل مِن سقيمه، وقد عارَض هذا الحديثَ قومٌ من أهل العلم فقالوا: نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قَبل كلِّ شيء، ونعتمد على ذلك، قالوا: فلمَّا عرضناه على كتاب الله عزَّ وجل، وجدناه مخالِفًا لكتاب الله؛ لأنَّا لم نجد في كتاب الله ألَّا نقبل مِن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا ما وافق كتابَ الله، بل وَجَدنا كتابَ الله يُطلق التأسِّي به والأمر بطاعته، ويحذِّر المخالفةَ عن أمره جملةً على كل حال"؛ انتهى.
 
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله: "أول ما نَعرض على القرآن الحديثُ الذي ذكرتموه، فلمَّا عرضناه وجدنا القرآنَ يخالفه...
ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أيِّ قرآن وجد أنَّ الظُّهر أربع ركعات، وأنَّ المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صِفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يجتنب في الصوم، وبيان كيفية زَكاة الذَّهب والفضَّة والغنم والإبل والبقر، وبيان أعمال الحج؛ من وقت الوقوف بعَرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجمار، وصفة الإحرام وما يجتنب فيه، وما يحرُم مِن المآكل، وصِفة الذبائح والضَّحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطَّلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا والأقضية وسائر أنواع الفقه؟ وإنَّما في القرآن جُمل لو تُرِكنا وإياها لم ندرِ كيف نعمل فيها؛ وإنما المرجوع إليه في كلِّ ذلك النقلُ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة...
فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورةً، ولو أنَّ امرأ قال: لا نأخذ إلَّا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرًا بإجماع الأمَّة"؛ انتهى من كتاب "الإحكام في أصول الأحكام"؛ لابن حزم (2/ 79، 80).
 
والقول بعرض السنة على القرآن فإن وافقها قُبِلت، وإن خالفها رُدت، قولٌ لا يصدر إلا من جاهل بمنزلة سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله في القرآن بطاعته واتباعه، وحذرنا من مخالفة أمره، وقائل هذا القول - إن كان عارفا معنى كلامه وملتزما به - لم يُعظِّم النبي صلى الله عليه وسلم حق تعظيمه، حيث سوى قوله بقول غيره، ولم يفرق بين قول الرسول وقول غيره!
 
فهذا القول يصح أن نقوله لصحابي أو فقيه أو عالم من العلماء المتقدمين أو المتأخرين، فمن وافقت أقواله القرآن قبلناها منه، ومن خالفت أقواله القرآن رديناها عليه؛ لأن أي عالم لا نقبل قوله في شرع الله إلا بدليل، ولا معصوم من الخطأ إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما أن نقول هذا الكلام على من قال الله عنه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3، 4] فهذه مصيبة عظمى!!
 
ثم إنه لا يوجد أصلا حديث صحيح يعارض القرآن، ونتحدى من يأتي بحديث صحيح يعارض آية في كتاب الله، وإذا وُجِد حديث صحيح ظاهره يخالف القرآن فقد وجهه العلماء، وبينوا معناه، كما وجهوا بعض الآيات التي يخالف ظاهرها آيات أخرى في كتاب الله.
 
وما أكثر المغرورين الجاهلين بالسنة النبوية الذين يجحدون جهود علماء الحديث المتخصصين، ويتعالمون ويتطاولون على أئمة الحديث، ويظهرون أنفسهم علماء مميزين للصحيح من الضعيف، ويدعون الناس إلى عرض الأحاديث صحيحها وسقيمها على القرآن، ويستدلون بهذا الحديث المكذوب: (إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإذا وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه)، ويريدون بذلك رد الأحاديث النبوية بأهوائهم، وهم صنفان:
الصنف الأول: منكر للسنة النبوية كلها، ويدعون الناس للاكتفاء بالقرآن الكريم فقط.
الصنف الثاني: مؤمن ببعض السنة وكافر ببعضها.
 
فالصنف الأول ينكرون السنة النبوية جملة وتفصيلا، فكل ما لم يرد في القرآن ينكرونه، فمثلا ينكرون أن الصلوات خمس، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن المصلي يقرأ الفاتحة في القيام، وأن زكاة الغنم في كل أربعين إلى مائة وعشرين شاة تخرج منها شاه.
 
وأهل هذا الصنف طبقات متفاوتة، وبعضهم يتناقض في منهجه، ولم يبلغ ببعضهم الكفر والضلال إلى أن ينكروا المسلَّمات، فتجد منهم مثلا من ينكر تحريم أكل الحمير، وتحريم الجمع بين المرأة وخالتها، وتجد من ينكر كون ما بقي من المواريث فللعصبة، وبعضهم لا ينكر ذلك ويتحير في دليل ذلك، وتجد عندهم عجائب كثيرة؛ لأنهم لا ينضبطون بمنهج علمي متزن، ومن ناقشهم أو قرأ كلامهم يتبين له أنهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا.
 
والصنف الثاني لا ينكرون جميع السنة النبوية، بل تجدهم يستدلون بالحديث إذا كان يوافق أهواءهم ولو كان حديثا ضعيفا أو موضوعا، ويردون ما لا يوافق أهواءهم ولو كان حديثا صحيحا أو متواترا!!
 
وسبب هذا التخبط العلمي هو أنهم لا يرجعون إلى تمييز صحيح السنة من سقيمها إلى أهل الحديث المتخصصين، فيخبطون خبط عشواء في الاستدلال والرد والقبول، ومن ذلك استدلالهم بهذا الحديث المكذوب: (إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإذا وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه).
 
وسأحرجهم هنا بسؤالين، وأبين لهم تناقضهم، عسى أن يرجعوا إلى رشدهم:
السؤال الأول: يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وفي حديث الصلاة الإبراهيمية الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)، فلو عرضنا هذا الحديث على القرآن لرددناه؛ لأن الله لم يذكر في الآية القرآنية الصلاة على الآل، بل أمر بالصلاة على النبي فقط من غير ذكر آله.
 
والسؤال المحرج: هل ستترك الصلاة الإبراهيمية لعدم ورودها في القرآن أو ستقرأ في تشهدك الصلاة الإبراهيمية وإن لم ترد في القرآن لورودها في السنة النبوية؟
فلو أنصفت لعلمت بهذا المثال أن حديث عرض السنة على القرآن باطل، ولأيقنت أن السنة تبين القرآن كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44].
 
السؤال الثاني: يقول الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 145]، يُفهم من هذه الآية المكية أنه لا يحرم غير ما ذُكِر فيها من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله، وقد روى البخاري في صحيحه برقم (6961) ومسلم في صحيحه برقم (1407) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الإنسية.
 
والسؤال المحرج: نطلب منك أن تعرض هذا الحديث على القرآن، فهل تجده يوافقه فتقبله أو يخالفه فترده؟
إن اتبعت منهج العلماء المؤمنين بالقرآن الكريم والسنة النبوية فهم يقولون: يحرم أكل الحمير بدلالة السنة النبوية، وتلك الآية المكية نزلت قبل الهجرة، ثم في غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم بسنته - بوحي من الله - أكل لحم الحمير، وقد أمرنا الله بطاعته وطاعة رسوله في آيات كثيرة في كتابه، وقال سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
 
وإن لم تتبع منهج العلماء فرددت حديث تحريم أكل الحمير بدعوى مخالفته للقرآن، وعملا بالحديث المكذوب: (اعرضوا السنة على القرآن)، فهنيئا لك بأكل الحمير والكلاب والضفادع، فيلزمك أن تحلها لأنه لم يُذكر تحريمها في القرآن!

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير