فتاوى حديثية للحافظ العراقي
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
فتاوى حديثية للحافظ العراقيهذه ثلاث فتاوى حديثية للحافظ زين الدين عبدالرحيم بن الحسين العراقي (725 - 806هـ)، وقفتُ على الأولى منها في "تذكرة" الحافظ السيوطي، وعلى الأخريين في "تذكرة" لأحدِ العلماء مخطوطةٍ في مكتبة الإسكندرية، ورأيتُ إخراجَها، ونشرَها، والإفادةَ بها.
وهي دليلٌ على ما في "تذكرات" العلماء من فوائد رائعة، لا نجدُها في غيرها.
♦ ♦ ♦
قال السيوطي في الجزء الرابع من "تذكرته" (الورقة 62 على الصحيح):
(فتوى صورتُها في ملك الموت:
1- هل يحيا بعدما يموتُ أم لا؟
2- وهل قول مَنْ قال: "إنه لا يحيا؛ لئلا تكدِّر حياتُه عيشَ أهل الجنة" حقٌّ أم باطلٌ؟
3- وهل في كتابِ الله أو سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الآثارِ المعتمدةِ التي يَرجعُ الحكمُ في مثلِ هذه الواقعةِ إليها ما يَدلُّ على ذلك أم لا؟
4- وهل يجوزُ نقلُ هذا بحضرة العوامِّ حتى يتحدثوا به في الأسواق؟
5- وماذا يجبُ على مَنْ يتحدّثُ به في الأسواق[1]؟
أجاب حافظُ الوقت زين الدين العراقي رحمه الله تعالى:
الأمورٌ المتعلقة بالآخرة أمورٌ توقيفيةٌ، إنما يُعلمُ منها ما أخبرَ به الصادقُ صلى الله عليه وسلم.
وإنما يصحُّ أنَّ ملكَ الموت يموتُ مع مَنْ يموتُ من الملائكة، ولا يبقى إلا الله عز وجل، ولم يُنقل لنا أنَّ ملك الموت لا يحيا بعد موته.
وأمّا تعليلُ مَنْ علَّلَ ذلك بأنَّ حياتَه تكدِّرُ عيشَ أهل الجنة فعِلَّةٌ لا أصلَ لها، وليس على مَنْ دخلَ الجنة شيءٌ من التكدير، وإنما كان ملكُ الموت موكلاً في الحياة الدنيا بما أمره اللهُ به، فأمّا إذا صاروا إلى دار البقاء فلا تكديرَ عليهم.
وأمّا ما وردَ في الحديث الصحيح أنه (إذا استقرَّ أهلُ الجنة في الجنة، وأهلُ النار في النار، أتى ملكُ الموت في صورة كبشٍ ثم يُقال: يا أهلَ الجنة خلود لا موت فيه، [يا أهلَ النار خلودٌ لا موت][2]، فيزداد أهلُ الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهلُ النار حزناً إلى حزنهم)، فلا يُظن أنَّ الموتَ الذي يذبح هو مَلكُ الموت، معاذَ الله من ذلك، فلا يُظنّ بملائكة الله المُقربين شيءٌ من ذلك، وإنما الموتُ معنى من المعاني، حشرهُ اللهُ في صورةٍ يعرفهُ بها أهلُ الجنة لدوامِ سرورهم، ويعرفه بها أهلُ النار لدوامِ حزنهم وحسرتهم، ولم يكن عند أهل الجنة قبلَ ذبحِ الموتِ تكديرٌ ولا خوفٌ، فإنها دارُ أمنٍ مِنْ أول دخولهم، وإنما قال في الحديث: يزدادون فرحاً، وهم لا يزالون في زيادةٍ من الفرح، بما أنعمَ اللهُ عليهم، وبرضاهُ عنهم، وبرؤيتهم لربِّهم الدائم الباقي، فيراه أهلُ الجنة بأعينٍ باقيةٍ خالدةٍ لا موتَ فيها.
والله أعلم.
وأجابَ بمثلِ هذا جماعةٌ منهم: البُرهان الأبناسي، والشمس البكري، وابنُ النقاش)[3].
♦ ♦ ♦
وأورد صاحبُ "التذكرة" المخطوطة في مكتبة الإسكندرية (الورقة 136) هذه الفتوى:
(الحمدُ لله.
ما يقولُ سيِّدُنا الإمامُ الحافظُ ناصرُ السُّنة -رفعَ اللهُ في مدارج القبول عملَه، وبلَّغه في الدارين أملَه-، في الحديث المرفوع: (نِعْمَ العبدُ صهيب لو لم يخفِ اللهَ لم يعصِه) هل له أصلٌ، ومَنْ أخرجَهُ[4]، وما حالُ سنده؟ أفتنا في ذلك.
فقال: الحمدُ لله الهادي للصواب.
لا أصلَ لهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أقفْ له على إسنادٍ قط في شيءٍ من كتب الحديث[5]، وبعضُ النحاة ينسبونه إلى عمر بن الخطاب مِنْ قوله، ولم أجدْ له إسنادًا إلى عمرَ أيضًا رضي الله عنه، واللهُ تعالى أعلمُ.
كتبه عبدالرحيم[6] بن الحسين العراقي)[7].
♦ ♦ ♦
وأورد صاحبُ هذه "التذكرة" أيضًا (الورقة 152):
(ما يقولُ سيدي -رضي الله عنه- في الأماكن الموقوفة على درْسِ الحديث: هل المرادُ أنَّ مدرِّسَها يقرأ علومَ الحديث كالأنواع لابن الصلاح، أو يتكلمُ في الاستنباط ومعاني الحديث؟
أجاب الشيخُ زينُ الدين العراقي:
جرت العادةُ في هذه الأعصار بالجمعِ بين الأمرين بحسبِ ما يُقرأ فيها من الحديث، والظاهرُ اتباعُ شروطِ الواقفين فإنهم مختلفون في الشروط، وكذلك اصطلاح أهل كل بلد، فإنَّ أهلَ الشام يُلقون دروسَ الحديث كالسَّماع ويتكلمُ المُدرِّسُ في بعض الأوقات، بخلاف المِصريين، واللهُ أعلم).
[1] ترقيم الأسئلة مني.
[2] استدراكٌ من الحديث الوارد في ذلك.
[3] ولم يجب الحافظُ على السؤالين: الرابع والخامس.
[4] في الأصل: مخرجه.
[5] قال السيوطي في "تدريب الراوي" (2 /175): (قال العراقي وغيرُه: لا أصل له، ولا يوجد بهذا اللفظ في شيءٍ من كتب الحديث).
وهذا يؤيد صحة النقل.
[6] في الأصل: "عبدالرحمن" وهو سهو من الناسخ.
[7] وانظر لزامًا ما قاله عن هذا الحديثِ: السخاويُّ في "المقاصد الحسنة"، والسيوطيُّ في "شرح عقود الجُمان"، والعجلونيُّ في "كشف الخفاء".