أرشيف المقالات

هل يجوز تكذيب الحديث الذي لا تفهمه؟

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
هل يجوز تكذيب الحديث الذي لا تفهمه؟

من أراد أن يفهم الأحاديثَ النبويَّة فلْيَرجع إلى ما قاله العلماءُ في شرح ذلك الحديث؛ فمَن فَهِم معنى الحديث فلْيَحمدِ اللهَ، ومَن لم يفهمه فلا ضير عليه، وقد يفهمه غيره، ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76].
 
وليس بالضرورة أن نَفهم كلَّ حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فكم مِن عالم يتوقَّف في بيان معنى بعض الأحاديث! أو يتوقَّف في وجه الجمع بين حديثين؛ لكن يجب علينا أن نؤمن بأنَّ ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقٌّ وإن لم نفهم معناه.
 
• قال البخاريُّ في صحيحه (9/ 154): قال الزهْريُّ: "مِن الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البَلاغُ، وعلينا التسليمُ".
 
حتى في القرآن الكريم توجد آيات يُشكِل فَهمُها على كثيرٍ من العلماء، وكثيرٌ من المفسرين المتخصِّصين في التفسير يتوقَّفون في تفسيرها، ولا يجوزُ لمن لم يفهم آية أو حديثًا أن يُكذِّب به؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].
 
ومن الآيات التي لا يَعلمها كثيرٌ من العلماء: الحروف المقطَّعة في أوائل بعض السور، مثل: ﴿ الم ﴾ [البقرة: 1]، ﴿ الر ﴾ [يونس: 1]، ﴿ المر ﴾ [الرعد: 1]، ﴿ كهيعص ﴾ [مريم: 1]، ﴿ طسم ﴾ [الشعراء: 1]، ﴿ حم * عسق ﴾ [الشورى: 1، 2].
 
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴾ [ص: 34].
وقوله سبحانه: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾ [البقرة: 210].
وقوله عز وجل: ﴿ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ [الهمزة: 9].
 
وقال القرطبيُّ في تفسيره (10/ 356، 357): واختلف الناس في الرَّقيم، فقال ابن عباس: كل شيء في القرآن أعلمه إلا أربعة: غِسلين، وحنان، والأواه، والرقيم...
وقال ابن زيد: الرقيم كتاب غم الله علينا أمره، ولم يشرح لنا قصَّتَه.
 
وروى ابن عبدالبر في كتابه جامع بيان العلم وفضله في باب ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم (1556) عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "أيها الناس، مَن علم منكم شيئًا فليقل، ومَن لم يعلم فليقل لِما لا يعلم: اللهُ أعلم؛ فإنَّ مِن عِلم المرء أن يقول لِما لا يعلم: الله أعلم، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86].
 
وعن ابن عمر أنه سئل عن شيء، فقال: "لا أدري، فلما ولَّى الرجل قال: نعما قال عبدالله بن عمر، سُئل عما لا يعلم فقال: لا عِلم لي به"؛ رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1563).
 
وعن عبدالرحمن بن مهدي قال: "كنَّا عند مالك بن أنس، فجاءه رجل فقال: يا أبا عبدالله جئتك من مسيرة ستة أشهر حَمَّلني أهل بلدي مسألةً أسألك عنها، قال: فسل، فسأله الرجل عن مسألة، فقال مالك: لا أُحسِنها، قال: فبُهتَ الرجل كأنَّه قد جاء إلى مَن يعلم كل شيء، فقال: فأي شيء أقول لأهل بلدتي إذا رجعتُ لهم؟! قال: تقول لهم: قال مالك: لا أُحسن"؛ رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (1573).
 
وذكر ابن وهب في كتاب المجالس قال: سمعتُ مالكًا يقول: ينبغي للعالم أن يَأْلف فيما أَشكَل عليه قول: لا أدري؛ فإنَّه عسى أن يهيأ له خير، قال ابن وهب: وكنتُ أسمعه كثيرًا ما يقول: لا أدري؛ رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1574).
 
وقال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه حلية طالب العلم (ص: 184): جُنة العالم (لا أدري)، ويهتك حِجابه الاستنكاف منها، وقوله: يُقال.
وعليه، فإن كان نصف العلم (لا أدري)، فنصف الجهل (يُقال) و (أظن).
سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير