أرشيف المقالات

من أدب القرن التاسع

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
كتاب (سحر العيون) للأستاذ احمد يوسف نجاتي - 2 - 6 - ومن أولاد أبي الوليد بن الشحنة أوحد الدين عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن محمود: ولد سنة 788 وتلقى العلم ببلده وبالقاهرة، ووّلى قضاء مدينة (صفد) مراراً، وناب في القاهرة عن قاضيها وتوفي بها بالطاعون سنة 833 هـ.
رحمه الله. وهؤلاء المتقدمون من بني الشحنة أدركهم الموت قبل مولد البدريّ صاحب (سحر العيون)؛ وأما الذين عاصرهم البدري وانتمى إليهم فمنهم: 7 - محب الدين أبو الفضل بن المحب أبي الوليد المتقدم ابن كمال الدين، فهو محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود وهو من أشهر بني الشحنة وأسيرهم ذكْراً: ولد بمدينة حلب سنة 804، فهو أسنّ من البدريّ بنحو 43 سنة، وسافر مع والده صبيّاً لم يبلغ عشر سنين إلى مصر، ثم قدم إليها مستقلاً بنفسه بعد ذلك، وتلقى العلم بمدن الشام ومصر، وجد في الطلب، وأخذ عن كثيرين من أجلاء عصره بالقطرين، وكان آية في الذكاء وقوة الحافظة حتى قيل فيه: سمح الزمان بمثله فاعجب له ...
إن الزمان بمثله لشحيح فالأصل زاكٍ والخلال حميدة ...
والذهن صاف واللسان فصيح وفيه يقول بعض شيوخه: أقسمت إن جدّ وطال المدى ...
أروي الورى من بحره الزاخر فقل لمن بالسبق قد فضّلوا ...
(كم ترك الأول للآخر؟) ولما كملت أداته، ولى الوظائف الجليلة من قضاء وتدريس ونحوهما فولى القضاء الحنفية بمدينة حلب سنة 836 وعظمت رياسته وظهرت كفايته، وانطلقت الألسنة بذكره، وظل في مدة الظاهر جقمق بين رفعة وخفض وولاية وعزل حتى ولى كتابة السر بالقاهرة سنة 857، ولم يلبث أن صرف عنها وبقي بالقاهرة حيناً من الدهر في عيشة غير راضية، ث رحل إلى بيت المقدس وأقام بها إلى سنة 862 ثم عاد إلى وطنه حلب.
ثم ولى كتابة السر بالقاهرة ثانية سنة 863، فسار فيها سيرة مشكورة واقبل عليه السلطان الأشراف (إينال) إقبالاً عظيماً حتى كان هو المنشئ لعهَده في مرض موته لولده أحمد الملقب (بالمؤيد)، وبقي بعد ذلك بالقاهرة يتقلد وظائف القضاء والتدريس، ولاقي كثيراً من صروف الزمان ومنافسة الأقران حتى توفي بالقاهرة في أوائل سنة 890.
فبان من هذا أن الذي أنشأ عهد (اينال) لولده (المؤيد) هو أبو الفضل المحب الأصغر لا أبوه أبو الوليد المحب الأكبر المتقدم والمتوفى سنة 815، ولكن رأيت في فهرس دار الكتب بالجزء الخامس صفحة 273 ما يأتي: (عهد للسلطان المؤيد أبي الفتح أحمد بن الملك الأشرف (إينال) تأليف العلامة أبي الوليد قاضي القضاة محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب الشهير بن الشحنة التركي الحلبي الحنفي المولود سنة 749، والمتوفى بحلب يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الآخر سنة 815هـ أوله: هذا عهد شريف تبسم ثغر ربيعه لما تنسم الخ (نسخة ضمن مجموعة في مجلد مخطوطة بقلم معتاد) 1هـ رقم 59؛ وهذا غير معقول، فإن الملك الأشرف سيف الدين أبا النصر إينال العلائي - وهو الثاني عشر من ملوك الجراكسة - إنما ولي مملكة مصر في شهر ربيع الأول سنة 857: (بعد وفاة أبي الوليد المحب الأكبر والد أبي الفضل المحب بنحو 32 سنة)؛ واستمر الملك الأشرف (إينال) سلطاناً إلى أن خلع نفسه وعقد الولاية لولده الملك المؤيد شهاب الدين أبي الفتح احمد في 14 من جمادي الأولى سنة 865 بعد وفاة أبي الوليد بنصف قرن (فينبغي إصلاح ما في فهرس الدار بنسبة العهد إلى كاتبه، وإنما كان الاشتباه، لان أبني الشحنة هذين الأب وابنه يلقب كلاهما (بالمحب ابن الشحنة)، وإنما يميز بينهما بالكنية؛ فكنية كاتب العهد أبو الفضل توفي سنة 890، وكنية والده أبو الوليد وتوفي سنة 815.
هذا، وقد توفي الأشرف (إينال) عقب ذلك بيوم واحد (15 جمادي الأولى سنة 865)، ومكث ولده المؤيد احمد سلطاناً زهاء خمسة أشهر، ثم خلعه أنابكه (مربيه) الملك الظاهر (خشقدم) سيف الدين في شهر رمضان سنة 865 الذي كان سلطاناً بارّاً محبّاً للخير توفي في شهر ربيع الأول سنة 872. ولقد كان المحب بن الشحنة أبو الفصل عالماً جليلاً أديباً فصيحاً بديع النظم والنثر سريعهما حلو الحديث حسن العشرة يميل إلى النكتة اللطيفة والنادرة الظريفة، عذب الروح رقيق الطبع عليَّ الهمة صبوراً على محن الدهر ورزايا الأيام، ذا شغف بجمع الكتب واقتناء النادر منها.
وله مصنفات في الفقه والأصول والحديث والتفسير والتاريخ وغيرهما.
وله من مطلع قصيدة وهو بالقدس: قلب المحب بدار البين مشغول ...
كما حشاه بنار البعد مشعول وطرفه الليل ساه ساهر أرق ...
ودمعه فوق صحن الخد مسبول وله مما يقرأ على قافيتين: قلت له لما وفي موعدي ...
وما بقلبي لسواه نفاق وجاد بالوصل على وجهه ...
حبي سما كل حبيب وفاق وله يطلب الإجازة في سنة 828 من الأستاذ العلامة احمد ابن حجر المشهور المتوفى سنة 852: وإذ عاقت الأيام عن لثم تربكم ...
وظنٌ زماني أن أفوز بطائل كتبت إليكم مستجيزاً لعلتي ...
ابلّ اشتياقي منكم بالرسائل ومن مؤلفاته التاريخ المسمى (نزهة الناظر في روض المناظر) وهو تاريخ كبير جعله كالشرح لتاريخ أبيه المسمى (روض المناظر في علم الأوائل والأواخر) السابق.
وله - كما في فهرس الدار - كتاب (الدار المنتخب في تاريخ مملكة حلب) ضمنه تاريخ مدينة حلب وآثارها ومعاهدها وجوامعها ومدارسها وغير ذلك مما يتعلق بشؤون مملكة حلب التاريخية والجغرافية، وجعله ذيلاً على (بغية الطلب في تاريخ حلب).
تأليف العلامة المؤرخ كمال الدين أبي حفص عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي المعروف بابن العديم الحلبي المولود سنة 586 والمتوفى سنة 660؛ وقد انتهى في تاريخه إلى سنة 650؛ ومنه بدار الكتب 14 جزءاً في متتابعة في ثلاثة مجلدات.
وقد رتب المحب بن الشحنة تأريخه على تمهيد وفاتحة وخمسة وعشرين باباً.
وقد طبع بمدينة بيروت سنة 1909م، وبدار الكتب الملكية نسخة منه قيمة رقم 2326 تاريخ، وأخرى رقم 2327.
هذا وفي كشف الظنون في الكلام على (بغية الطلب في تاريخ حلب) لابن النديم ما يأتي: والذيل عليه لأبي الحسن علي بن محمد بن سعد الحلبي الجبريني المعروف بابن خطيب الناصرية المتوفى سنة 843، رتب الأعيان على الحروف وسماه (الدر المنتخب).
ولما طالعه الحافظ بن حجر حين قدم حلب سنة 836 الحق به أشياء كثيرة ثمينة وأثنى على صاحبه.
ثم ذيل عليه موفق الدين أبو ذر أحمد بن إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة 884 وسماه (كنوز الذهب في تاريخ حلب).
ولم يذكر في كشف الظنون أن ابن الشحنة ألف تاريخاً لحلب اسمه (الدر المنتخب) فلعله جمع هذه الذيول قبل وفاته سنة 890 وتصرف فيها ونسبها لنفسه - والله أعلم - أو لعله ألف تاريخاً لحلب مستقلاً واستعار اسمه من اسم تاريخ خطيب الناصرية.
وقد يرجع هذا بما ذكره صاحب كشف الظنون في موضع آخر قال (كنوز الذهب في تاريخ حلب) لأبي ذر احمد بن البرهان إبراهيم الحلبي المتوفى سنة 884 ذيل به (الدر المنتخب في تراجم أعيان حلب).
وأقول إذا علمت أن محب الدين بن الشحنة كان زوج السيدة خديجة بنت القاضي علاء الدين علي بن محمد بن سعد المتقدم المعروف بابن خطيب الناصرية مؤلف (الدر المنتخب) هان الخطب ووضح المشكل، على أنه يؤخذ من ترجمته الطويلة في الضوء اللامع أنه ألف تاريخين وذكر له عدة مؤلفات في علوم مختلفة. (يتبع) أحمد يوسف نجاتي الأستاذ بكلية اللغة العربية

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١