أرشيف المقالات

حديث سحر لبيد بن الأعصم للنبي صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
سلسلة الرد المفصل على الطاعنين في أحاديث صحيح البخاري (12)
حديث سحر لبيد بن الأعصم للنبي صلى الله عليه وسلم
 
مما يطعن به بعض الجهلة في صحيح البخاري استنكارهم ما رواه البخاري من أنَّ اليهودي لبيد بن الأعصم سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان يُخَيَّلُ إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، وقالوا: كيف يمكن لساحر أن يسحر النبي؟!
وسنذكر لفظ الحديث من صحيح البخاري كاملاً ليتبين الأمر جليًّا، قال البخاري رحمه الله (3268): حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: ((أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي، أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ)) فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: ((نَخْلُهَا كَأَنَّهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ))، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: ((لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ)).
ولم يتفرد البخاري برواية هذا الحديث كما يظن الجاهلون، بل رواه أيضا مسلم (2189) وابن ماجه (3545) وأحمد (24300) وابن أبي شيبة (23519) والنسائي في السنن الكبرى (7569) وابن حبان (6583) والبيهقي (16494) وغيرهم.
 
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، ولم يؤثر هذا السحر في دعوته صلى الله عليه وسلم، فليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول شيئاً ولا يريد قوله، أو ينسب إلى الدين ما لم يأمره به الله حتى يُنكر هذا الحديث، ولم يستمر هذا السحر طويلا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد دعا النبي ربه كثيرا حتى شفاه، ولا يوجد دليل يمنع من إمكان وقوع السحر بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل يوجد دليل في القرآن الكريم على وقوعه، فقد أخبرنا الله أن موسى عليه الصلاة والسلام سُحِر، قال الله تعالى: ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ﴾ [طه: 66-68].
 
كأني بمنكري هذا الحديث قد أُبلسوا عندما يسمعون دليلا من القرآن الكريم يدل بوضوح على إمكان وقوع السحر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فماذا سيقولون في هذه الآيات وهم يزعمون أنهم متبعون للقرآن؟!
والحقيقة أن هؤلاء الطاعنين في السنة لا يفقهون دين الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعلمون تفسير ما جاء في كتاب الله، وأن ما يقومون به من محاولات فاشلة للطعن في السنة النبوية بأي وسيلة ما هو إلا اتباعا لأهوائهم أو طاعة لأسيادهم وشياطينهم، وما الله بغافل عما يعملون.
 
قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50].
 
وقال سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج: 3، 4].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١