أرشيف المقالات

حتى تدوم النعم - مؤمن محمد صلاح

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
كم من أمةٍ كانت آمنة مطمئنة تجبى إليها ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغداً من كل مكان، لم يخفق فيها قلب من خوف ولم تشعر فيها نفس بالجوع، فانقلبت أحوالها في طرفة عين، فإذا بالنعمة تزول وبالعافية تتحول، وإذا بالنقمة تحل، نسمع كل يوم عن كثير من الناس تبدل حالهم من حال إلى حال، كانوا يعيشون في رغد من العيش فأصبحوا في فقر مدقع، وناس كانوا يملكون السلطة والجاه أصبحوا مكسورين مذلولين بين خلق الله، وغيرهم كانوا يمشون بين الناس على إنهم شرفاء ففضحهم الله بين خلقه..
فماذا حدث؟ وماذا فعلوا حتى يغضب الله عليهم ويعاقبهم في الدنيا قبل الآخرة؟!

أولاً: لا بد أن نعرف أن نعم الله على عبيده لا تعد ولا تحصى {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل من الآية:18]، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك» ( صحيح مسلم :2739)، ومن أعظم الأدعية: "اللهم إني أعوذ بك بالسلب بعد العطاء"، فلو فضحك الله بين خلقه لا بد أن يكون سترك كثيراً، ولو زالت نعمة كان يعطيها لك فلا بد أن تكون أنت الذي كفرت بنعمه ولم تحمده، ولم تشكره حق شكره، فكي تستمر نعم الله عليك ويبارك الله لك فيها هناك شيئان لا بد أن تحافظ عليهم باستمرار..

الأول: أن ترجع كل نعمه إلى الله، بمعنى ألا تنسب أي فضل لك في أي نعمة سواء (مال أو صحة أو علم) أو غير ذلك..
وقل دائمًا "هذا من فضل ربي"، وانظر إلى قارون كيف قال على نعم الله عليه {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي} [القصص من الآية:78]، فكانت النتيجة {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص من الآية:81]، وغير قارون كثير قديمًا وحديثًا..

الثاني: الشكر على نعم الله {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم من الآية:7]، فتدوم النعم بالشكر والشكر منبعه القلب وليس اللسان فقط، وتصديق ذلك الجوارح والخضوع لأوامر وأقدار الله، فشكر نعمة المال الصدقة على الفقراء والمساكين، وشكر نعمة العلم بنشره بين الناس وعدم كتمانه، وشكر نعمة الصحة بأن تتقي الله في أعضائك وجسدك، وعدم تناول ما يغضب الله من مسكرات وتدخين، وانظر حولك مما هو مبتلى، كثيراً منهم من يتمنى السجود ولا يستطيع، انزل المستشفيات وترى بنفسك، انزل المصحات النفسية واحمد الله على العافية، وإذا كنت حافي القدمين انظر إلى من بترت ساقه..

واشكره على نعمة الأمن والأمان، ونعمة الزوجة الصالحة، والصديق الصالح بالإحسان إليهم، وشكر نعمة الأبناء بالتربية الصالحة، والنشأة الحسنة وتعليمهم القرآن، فمن حق أولادك عليك تعليمهم شيء من القرآن، واشكره على نعمة البصر بغضه عن الحرام وقراءة القرآن والعلم النافع، واشكره على نعمة السمع بسماع ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه، واشكره على نعمة نطق اللسان بذكر الله والبعد عن الغيبة والنميمة، ومهما حاولت لن تستطيع أن تحصي نعمه عليك {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل من الآية:18].

فبالشكر تدوم النعم..
فاشكر الله على نعمه، واتق الله فيما رزقك من نعم حتى تدوم النعم عليك، أما خاتمُ النبيين وإمامُ الشاكرين محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فقد كان يُصلِّي من الليل حتى تتفطَّر قدَماه، فتقول له عائشة : "يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: «يا عائشة، أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا» (صحيح مسلم:2820).

واعلم أن الشكر نصف الإيمان ، قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله ليُمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذاباً"، ولهذا قديمًا كانوا يسمون الشكر بالحافظ، لأنه يحفظ النعم، وسيجزي الله الشاكرين.
نسأله سبحانه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

مؤمن محمد صلاح

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن