منهج الإمام الطبري في عزو وتخريج كتاب غاية الإحكام
مدة
قراءة المادة :
20 دقائق
.
منهج الإمام الطبري في عزو وتخريج كتاب غاية الإحكاممن شأن العلماء، لا سيما المتأخرون منهم، أن يُبيِّنوا للقارئ منهجهم في بداية كتبهم؛ حتى يَتبيَّن لمن بعدهم مقصدهم من التأليف، وطريقتهم في إيراد الأحاديث، وعزوها لأصحابها، بل الحكم عليها أحيانًا، وقد ظهر ذلك المنهج جليًّا في علم تخريج الحديث الشريف، وقد بيَّن إمامنا الطبري في هذا الكتاب طريقته في عزو الأحاديث، فقال في مقدمة الكتاب (1/ 5- 6): "وعزيت كل حديثٍ إلى أصله المخرج منه تقصيًا عن عهدته، فإذا قلت: أخرجاه، فهو ما خرجه الشيخان: البخاري، ومسلم، وإذا قلت: أخرجه السبعة، فالمراد: الشيخان، وأحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وإذا قلت: أخرجه الخمسة، فالمراد من سوى الشيخين ممن ذكرناه، وإذا قلت: أخرجه الأربعة، فالمراد من سوى ابن ماجه من الخمسة، وإذا قلت: أخرجه الثلاثة، فالمراد من سوى أحمد من الأربعة".
وهذا هو التفصيل:
1- ما قال فيه: أخرجاه، فالبخاري ومسلم[1].
2- ما قال فيه: أخرجه السبعة، فهم: الشيخان، وأحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه كما في ح رقم (59)، وفيه يقول المصنف: عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يُقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء))؛ أخرجه السبعة إلا أبا داود [2].
3- ما قال فيه: أخرجه الخمسة؛ فهم: أحمد، وأصحاب السنن الأربعة[3].
4- ما قال فيه: أخرجه الأربعة؛ فهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد[4].
5- ما قال فيه: أخرجه الثلاثة؛ فهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي كما في ح رقم (128) من الرسالة.
6- يذكر الراوي الأعلى للحديث قبل المتن غالبًا؛ إما باسمه الصريح - وهذا في أكثر الأحاديث - كما في ح رقم (1)؛ حيث قال المصنف: عن حذيفة رضي الله عنه قال: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الأمانة..."[5]، وإما بالضمير العائد عليه في حالة ما إذا تكرر متتاليًا في أكثر من حديث؛ كما في الأحاديث من ح رقم (117) إلى ح رقم (131)؛ حيث ذكر المصنف اسم الراوي الأعلى في أول حديث منها - وهو أبو هريرة رضي الله عنه - ثم أحال عليه بقوله: (وعنه) في بقية الأحاديث[6].
7- يحذف الإسناد عدا الصحابي، إلا أنه ربما ذكر التابعي مع الصحابي كما في ح رقم (38)؛ حيث قال المؤلف: عن سعيد بن عبدالله بن جريج، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل...))[7]، وأحيانًا يذكر التابعي، وتابع التابعي مع الصحابي كما في ح رقم (28)؛ حيث قال المؤلف: وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنكم تُحشرون رجالًا، وركبانًا...)).
8- وقد يذكر الحديث دون إسنادٍ لراويه الأعلى، وهذا قليل كما في ح رقم (101)؛ حيث قال المصنف: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لكل نبيٍّ حوضًا...))، ولم يذكر راويه الأعلى[8].
9- يكتفي المؤلف بالعزو الإجمالي للحديث غالبًا، فيقول: أخرجه فلان، وقد يزيد على ذلك اسم الكتاب، فيقول: أخرجه فلان في كتاب كذا كما في ح رقم (159)؛ حيث قال المؤلف عقبه: وأخرجه الدارقطني في كتاب العلل..([9])، وقد يزيد على ذلك، فيُحدِّد مكانه في الكتاب كما في ح رقم (78، 79)؛ حيث قال المؤلف بعدهما: أخرجهما مسلم في حديث مطول من باب الوضوء[10].
10- يذكر المؤلف من أخرج الحديث من الأئمة في نهاية الحديث غالبًا[11]، وقد يبدأ به أحيانًا قبل ذكر الحديث كما في ح رقم (123)؛ حيث عزاه المؤلف لابن حبان، ثم قال: وأخرج مسلم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من يدخل الجنة ينعم فلا يبأس...))، وكما في ح رقم (173)، وفيه يقول المؤلف: وأخرجه أيضًا - أعني أبا حاتم - من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وقال فيه: "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد بالنساء..."[12]، وأحيانًا يذكر عدة أحاديث متتابعة، ثم يقول: أخرج الجميع فلان كما في ح رقم (6، 7)؛ فقد قال المصنف بعدهما: أخرجاهما؛ يعني: البخاري ومسلمًا، وكما في ح رقم (182، 183)؛ فقد قال المصنف بعدهما: "أخرج الجميع أبو حاتم"[13]؛ يعني: ابن حبان.
11- وقد يذكر الحديث دون عزوه إلى مَن أخرجه من الأئمة، وغالبًا ما تكون هذه الأحاديث أثناء التعليق على حديث أو مسألة ما؛ كما في ح من رقم (9): "وقال: (لو كنتُ ثَمَّ لأَريتُكم قبره عند الكثيب الأحمر على جانب الطريق) إلى ح رقم (14): "رُوِي عنه موقوفًا ومرفوعًا: ((أن الأنبياء أحياءٌ في قبورهم))"؛ فقد ذكر المحب الطبري هذه الأحاديث أثناء التعليق على قوله صلى الله عليه وسلم: ((ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات، ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من رفع رأسه، فإذا موسى آخذٌ بقائمةٍ من قوائم العرش، فلا أدري كان ممن استثنى الله، أم رفع رأسه قبلي))، ولم يعزها إلى من أخرجها من الأئمة[14].
وأحيانًا يقول عقب الحديث: حكاه أو ذكره فلان؛ كما في ح رقم (31): "عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تُدنَى الشمس يوم القيامة على قدر ميل...))؛ فقد قال المؤلف عقبه: ذكره قاسم بن أصبغ، وحكاه القاضي عبدالحق في الأحكام[15].
12- عند عزوه الحديث إلى أكثر من إمام ممن أخرجوه، لم يلتزم ترتيبًا معينًا؛ فلم يرتب مصادر التخريج على الأصحية أو سنوات الوفاة؛ كما في ح رقم (217)؛ فقد قال المؤلف فيه: "وأخرجه أحمد من حديث ابن عباس، وكذلك الترمذي.."، وكما في ح رقم (222)؛ فقد قال المؤلف عقبه: "أخرجه الشافعي في المسند، وأبو حاتم موقوفًا، وكذلك الترمذي"[16]، لكنه غالبًا يقدم الكتب الستة على غيرها؛ كما في ح رقم (4)؛ فقد قال المؤلف عقبه: أخرجه النسائي، وأبو حاتم، وكما في ح رقم (21)؛ فقد قال المؤلف عقبه: "أخرجاه، وأبو حاتم"، وكما في ح رقم (58)؛ فقد قال المؤلف عقبه: أخرجه البخاري، وأبو حاتم، وكما في ح رقم (221)؛ فقد قال المؤلف عقبه: "أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأخرجه أبو حاتم..."[17]، ويُلاحظ أنه يُرتِّب الكتب الستة عند ذكرها على الترتيب المشهور: البخاري، فمسلم، فأبو داود، فالترمذي، فالنسائي، فابن ماجه، إلا أنني سوف أرتب مصادر التخريج التي أذكرها على حسب المتابعة، الأتم فالأقل، وقد سار على هذا النهج البيهقي، وابن حجر، وغيرهما من أئمة الحديث..
13- عزا المحب الطبري إلى صحيح الإمام ابن حبان تخريجاتٍ كثيرةً حتى مع وجود الحديث في الصحيحين أو في أحدهما؛ مما يشعر باهتمامه بهذا الكتاب، وأن له مكانةً عنده كما في ح رقم (24): ((إنكم ملاقو الله حُفاةً عُراةً مُشاةً غُرْلًا"؛ حيث عزاه المصنف لابن حبان مع وجوده في الصحيحين[18]؛ مما يدل على أن له مكانةً عنده، وقد نصَّ على ذلك في مقدمته (1/ 5)، فقال: (...وكتاب"التقاسيم والأنواع"؛ لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، وهو كتابٌ جليل القدر، عظيم الخطر، جمُّ الفوائد، غريب المقاصد، وهو معدودٌ في الصحاح...).
14- اعتماده في التخريج على كثير من الكتب الوسيطة (الفرعية) دون التخريج من الكتب الأصلية، وهذا أفادنا في الاطلاع على روايات لا نمتلكها في النسخ التي بين أيدينا، إلا أنه قد تسبَّب في اختلاف يسير بين النسخ الأصلية للكتاب، والنسخ الوسيطة التي يعزو منها[19].
[1] كما في ح رقم (1، 2، 5، 6، 7، 21، 22، 23، 30، 45، 46، 51، 73، 75، 106، 109، 112، 113، 115، 119، 135، 136، 137، 176، 184، 188، 190، 202، 215، 219) من الرسالة.
[2] ويُنظر أيضًا في غاية الإحكام (1/ 687) برقم (1840)، (2/ 90) برقم (2177)، (3/ 547) برقم (6779).
[3] يُنظر: غاية الإحكام (1/ 417) برقم (924)، (2/ 25) برقم (1974)، (4/ 404) برقم (8178).
[4] يُنظر: غاية الإحكام (1/ 666) برقم (1787)، (2/ 458) برقم (3421)، (3/ 97) برقم (5081).
[5] وكما في ح رقم (3، 4، 5، 13، 18، 19،20، 25، 35، 37، 42، 55، 60، 63، 132، 133، 134، 145، 162، 171، 180، 201، 204، 207، 211، 218، 225، 231، 235، 237، 238) من الرسالة.
[6] وكما في ح رقم (2، 6، 24، 26، 43، 47، 56، 57، 104، 137، 141، 142، 143، 144، 153، 154، 178، 186، 187، 189، 195، 196، 197، 199، 203، 219، 220، 232، 233) من الرسالة.
[7] وكما في ح رقم (171) من الرسالة.
[8] وكما في ح رقم (9، 10، 11، 12، 13، 14، 80، 110، 111، 112، 113، 116، 175) من الرسالة.
[9] وكما في ح رقم (141، 222) من الرسالة.
[10] وكما في ح رقم (139، 147، 236، 238) من الرسالة.
[11] كما في ح من رقم (1) إلى (8)، وح رقم (15)، ومن ح رقم (19) إلى (30)، ومن ح رقم (32) إلى (38)، ومن ح رقم (40) إلى (64)، وح رقم (72،73)، ومن ح رقم (75) إلى (79)، ومن ح رقم (108) إلى (122)، ومن ح رقم (124) إلى (147)، ومن ح رقم (149) إلى (154)، ومن ح رقم (156) إلى (164)، وح رقم (167، 168)، ومن ح رقم (170) إلى (172)، وح رقم (174، 176)، ومن ح رقم (178) إلى (192)، ومن ح رقم (195) إلى (203)، ومن ح رقم (201) إلى (210)، ومن ح رقم (218) إلى (222)، ومن ح رقم (224) إلى (230)، ومن ح رقم (232) إلى (234)، وح رقم (236، 237، 239) من الرسالة.
[12] وكما في ح رقم (16، 17، 18، 39،70، 71، 74، 148، 169، 177، 204، 205، 223، 229) من الرسالة.
[13] وكما في ح رقم (40، 41)، ومن ح رقم (108) إلى (116)، وح رقم (178، 179)، ومن ح رقم (209) إلى (212) من الرسالة.
[14] وكما في ح من (65) إلى (69)، وح رقم (80، 175، 193، 194، 238) من الرسالة.
[15] وكما في ح رقم (155، 235) من الرسالة.
[16] وكما في ح رقم (59) من الرسالة.
[17] وكما في ح رقم (22، 30، 45، 46، 50، 56، 60، 64، 72، 128، 134، 135، 142، 160، 163، 170، 185، 201، 227) من الرسالة.
[18] وكما في ح رقم (25، 29، 33، 103، 126، 167، 173، 177، 182، 196، 206، 239) من الرسالة.
[19] نصَّ الإمام المحب الطبري على ذلك في مقدمة كتابه (1/ 6)؛ حيث قال: وما كان من "سنن ابن ماجه"، فهو منتزَع من كتاب "أحكام الحنبلي"، أو من "مختصر السنن"؛ للحافظ عبد العظيم المنذري، وما كان من "مسند الإمام أحمد"، أو من "سنن الأثرم"، فهو من "أحكام الحنبلي" أيضًا، أو من "جامع المسانيد" المتقدم ذكره، وما كان من "مسند البزار"، أو من "مسند ابن أبي شيبة"، أو من "سنن الطحاوي"، فهو من "أحكام عبدالحق" أو من كتاب "الرقائق" له، وما كان غير ذلك، فما كان من الكتب الستة، فهو منتزع؛ إما من كتابه - وهو الأكثر فيها سوى "الموطأ"، و"سنن ابن ماجه"- أو من "شرح السنة" للبغوي، أو من "مختصر السنن" للحافظ المنذري، أو من "السنن والآثار" للبيهقي...