أرشيف المقالات

حديث: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
حديث: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر
 
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتتْ وعليها صوم شهر، أَفأَقضيه؟ قال: "لو كان على أُمِّك دَينٌ كنتَ قاضيةً عنها؟"، قال: نعم، قال: "فدَين الله أحقُّ أن يُقضى"، وفي رواية: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذرٍ، أفأصوم عنها؟ قال: "أفرأيتِ لو كان على أُمِّك دَينٌ، فقضيتِه، أكان يؤدِّي ذلك عنها؟"، قالت: نعم، قال: "فصومي عن أُمك".
 
• قال البخاري: باب مَن مات وعليه صوم، وقال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز[1]، ثم ذكر حديث عائشة وحديث ابن عباس.
 
• قال الحافظ: (قوله: باب من مات وعليه صوم؛ أي: هل يُشرَع قضاؤه عنه أم لا؟ وإذا شُرِع، هل يختص بصيامٍ دون صيامٍ، أو يُطعم عن كل صيام؟ وهل يتعيَّن الصوم أو يُجزئ الإطعام؟ وهل يختص الولي بذلك، أو يصح منه ومن غيره؟ والخلاف في ذلك مشهور للعلماء.
 
• قوله: (من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه).
• قال الحافظ: قوله: من مات عام في المكلفين لقرينة وعليه صيام، وقوله: صام عنه وليُّه، خبر بمعنى الأمر، تقديره: فليَصُمْ عنه وليُّه، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور.
 
وقد اختلف السلف في هذه المسألة، فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث، وعلَّق الشافعي في القديم القولَ به على صحة الحديث، كما نقله البيهقي في المعرفة، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية، وقال البيهقي في الخلافيات: هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في صحتها، فوجَب العملُ بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي، قال: كل ما قلتُ وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافَه، فخذوا بالحديث، ولا تقلِّدوني، وقال الشافعي في الجديد، ومالك وأبو حنيفة: لا يُصام عن الميت، وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يصوم عنه إلا النذر؛ حملًا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس، وليس بينهما تعارَض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها مَن وقعتْ له، وأما حديث عائشة، فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم؛ حيث قيل في آخره: فدينُ الله أحقُّ أن يقضى، وأما رمضان فيُطعم عنه، إلى أن قال: واختلف المجيزون في المراد بقوله: (وليُّه)، فقيل: كلُّ قريب، وقيل: الوارث خاصة، وقيل: عصبته، والأول أرجحُ، والثاني قريبٌ، ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أُمها، واختلفوا أيضًا: هل يختص ذلك بالولي؛ لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية، ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك في الموت، إلا ما ورد فيه الدليل، فيقتصر على ما ورد فيه، ويبقى الباقي على الأصل، وهذا هو الراجح، وقيل: يختص بالولي، فلو أمر أجنبيًّا بأن يصوم عنه، أجزأَ كما في الحج، وقيل: يصح استقلال الأجنبي بذلك، وذكر الولي لكونه الغالب، وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير، وبه جزم أبو الطيب الطبري، وقوَّاه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم، ذلك بالدين، والدين لا يختص بالقريب[2]؛ انتهى.
 
• قال في الاختيارات الفقهية[3]: (وإن تبرَّع إنسانٌ بالصوم عمَّن لا يُطيقه لكِبَره ونحوه، أو عن ميت - وهما مُعسران - توجَّه جوازه؛ لأنه أقربُ إلى المماثلة من المال، وحكى القاضي في صوم النذر في حياة الناذر نحو ذلك ومَن مات وعليه صوم نذرٍ، أجزأ الصوم عنه بلا كفارةٍ).
 
• قال النووي: (اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجبٌ من رمضان، أو قضاء أو نذرٌ أو غيره، هل يُقضى عنه؟ وللشافعي في المسألة قولان مشهوران: أشهرهما: لا يُصام عنه، ولا يصح عن ميت صوم أصلًا، والثاني: يُستحب لوليِّه أن يصوم عنه، ويصح صومُه عنه، ويبرأ به الميت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صحَّحه محقِّقو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة[4]؛ انتهى.
 
• قوله: (إن أمي ماتتْ وعليها صوم شهرٍ).
 
• قال الحافظ: (هكذا في أكثر الروايات، وفي رواية أبي حريز خمسة عشر يومًا، وفي رواية أبي خالد شهرين متتابعين، وروايته تقتضي ألا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره، فإنها محتملة إلا رواية زيد بن أبي أنيسة، فقال: إن عليها صوم نذرٍ، وهذا واضحٌ في أنه غير رمضان، وبيَّن أبو بشر في روايته سبب النذر، فروى أحمد من طريق شعبة عن أبي بشر أن امرأة ركِبت البحر، فنذرتْ أن تصوم شهرًا، فماتت قبل أن تصوم، فأتتْ أختها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث)[5].
 
• وقال البخاري أيضًا: باب الحج والنذور عن الميت، والرجل يحج عن المرأة[6].
 
وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحجَّ، فلم تحجَّ حتى ماتت، أَفَأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أُمك دَينٌ، أكنتِ قاضيةً، اقْضُوا الله فالله أحقُّ بالوفاء)).
 
وروي مسلم عن بريدة رضي الله عنه، قال: بينا أنا جالسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتتْه امرأة، فقالت: إني تصدَّقتُ على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: فقال: ((وجب أجرُك، وردَّها عليك الميراث))، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهرٍ، أفأصوم عنها قال: ((صومي عنها))، قالت: إنها لم تحج قطُّ، أفأحج عنها؟ قال: ((حجي عنها)).
 
• قال الحافظ: (قوله: ورأيت إلخ فيه مشروعية القياس وضرب المثل؛ ليكون أوضحَ وأوقع في نفس السامع، وأقربَ إلى سرعة فَهمه، وفيه تشبيهُ ما اختُلِف فيه، وأشكَل بما اتُّفِق عليه، وفيه أنه يُستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتَّبت على ذلك مصلحةٌ، وهو أطيبُ لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه، وفيه أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلومًا عندهم مقرَّرًا، ولهذا حَسُنَ الإلحاقُ به، وقال أيضًا: وفيه أن من مات وعليه حج وجَب على وليِّه أن يُجهِّز مَن يَحج عنه مِن رأس ماله، كما أن عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال، فكذلك ما شُبِّه به في القضاء، ويَلتحق بالحج كلُّ حقٍّ ثبَت في ذِمته من كفارة أو نذرٍ أو زكاة، أو غير ذلك)[7]؛ انتهى.
 
• قال النووي: (وفي هذه الأحاديث جوازُ صوم الولي عن الميت كما ذكَرنا، وجواز سماع كلام المرأة الأجنبية في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة، إلى أن قال: وفيه دلالةٌ ظاهرة لمذهب الشافعي والجمهور أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الْمَأْيُوس مِن بُرْئه)[8]؛ انتهى.
 
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأةٌ مِن خَثْعَم، فجعل الفضل ينظُر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يصرف وجهَ الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركتُ أبي شيخًا كبيرًا لا يَثبُت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: ((نعم))، وذلك في حَجة الوداع؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري، وبالله التوفيق.



[1] صحيح البخاري: (3 /45).


[2] فتح الباري: (4/ 193).


[3] (1 /460).


[4] شرح النووي على مسلم (4 /144).


[5] فتح الباري: (4/ 195).


[6] صحيح البخاري: (3 /22).


[7] فتح الباري: (4/ 66).


[8] شرح النووي على مسلم: (4 /144).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣