أرشيف المقالات

الوطنية والمقاومة بالمفهوم الشيعي ـ نصر الله نموذجًا ـ - شريف عبد العزيز

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .

في توافق لا يخلو من غرابة أو شك، كان لبنان واسطة عقد الاضطرابات في المنطقة العربية والشرق أوسطية علي موعد مع زيارة الرئيس الإيراني نجاد والتداعيات الواسعة التي صاحبت تلك الزيارة، وشريط فيديو قديم يرجع لأكثر من عشرين سنة للوراء، للأمين العام لحزب الله الشيعي حسن نصر الله،وكان وقتها لم يبرز اسمه بصورة لامعة كما هو الحال الآن، وهو الشريط الذي كشف الكثير من الحقائق المخفية علي عامة الناس في المنطقة، عن طبيعة حزب الله وظروف نشأته ومدي علاقاته مع إيران، وأيضا وهو الأخطر عن الهدف الرئيسي والأساسي للحزب والذي يجري تنفيذه بتخطيط إستراتيجي متوازن ودقيق منذ فترة طويلة .
الولاء للملالى

الشريط كشف عن طبيعة الفهم الشيعي لمعني الوطنية والمقاومة، ومدي علاقة الشيعي والوطن الذي يحي فيه من ناحية، وعلاقة الشيعي وإيران من ناحية آخري، وكيفية تعاطي الشيعة مع الاختلافات التي قد تقع بين الوطن الأم أو السياسي والوطن العقائدي،و أين يقع الولاء الحقيقي للشيعة ؟ وحدود هذا الولاء، وسقف التضحيات أو التنازلات التي من الممكن أن يقدم عليها الشيعي من أجل وطنه الأصلي ووطنه العقائدي ؟ وتساؤلات كثيرة أثارها هذا الشريط القديم الذي تناقلته وسائل الإعلام بمختلف أنواعها بسرعة الصاروخ، كأنها قد أحرزت نصرا علي نصر الله!


من فمك ندينك يا نصر الله !!

دعونا نقرأ بمنتهي الوضوح والحيادية كلمات الإعلامي البارز حسن نصر الذي طالما خدع الجماهير العربية والإسلامية، ودغدغ مشاعرها بالخطب الرنانة والتصريحات القوية والتهديدات المخوفة لأعداء الأمة بزعمه !، دعونا نقرأ كلماته التي خرجت من فمه ولا نلوي أعناقها أو نحملها على غير وجهها، بل ننقلها كما جاءت :

"أنا واحد من هؤلاء الناس الذين يعملون في مسيرة حزب الله وفي أجهزته العاملة، لا أبقى لحظة واحدة في أجهزته، لو لم يكن لدي يقين وقطع في أن هذه الأجهزة تتصل عبر مراتب إلى الولي الفقيه القائد المبرئ للذمة الملزم قراره، بالنسبة لنا هذا أمر مقطوع ومطمأن به "

" مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزءاً من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني"

"الإمام (يعني الخميني) الذي يخطط للأمة، والمجتهدون تأتي أدوارهم في كل بلد مكمل لخط الإمام، ولمشروع الأمة الإسلامية الواحد، فلا يجوز أن نجزئ صراع الأمة مع أعدائها، ما دام الأعداء يخوضون صراعاً واحداً مع الأمة، فيجب أن تكون إدارة الأمة في صراعها واحدة وهي من خلال الإمام".

ثم ختم تسجيله الصوتي بالإجابة علي سؤال يتعلق بالدور السياسي للإمام الفقيه خارج حدود إيران أجاب نصر الله عن سؤال يقول :"هل الولي الفقيه هو الذي يعين الحكام ويعطيهم الشرعية في جميع البلاد الإسلامية"، بالقول: "نعم، لأن ولايته ليست محدودة بحدود جغرافية، ولايته ممتدة بامتداد المسلمين".


حقائق مخفية وصدمة قوية

تصريح نصر الله كشف عدة حقائق كانت مخفية عن عموم الناس في منطقتنا العربية والإسلامية ممن كان ينزل الرجل منازل الفاتحين الأولين وكبار أبطال المسلمين، هذه الحقائق شكلت للجماهير صدمة قوية بعد أن غيبتهم المواقف الاستعراضية والتصريحات العنترية لنصر الله، وعبثت بعقولهم الأقلام المأجورة من حملة المباخر الإيرانية في وسائل إعلامنا، وبقراءة متأنية للتصريح النصروي تتضح لنا أهم هذه الحقائق ومنها :

الحقيقة الأولي

حزب الله الشيعي جزء من منظومة تصدير الثورة الخمينية ونقلها لخارج الحدود الإيرانية، وأن ليس حزب ممانعة أو مدافعة أو مقاومة كما يروج ويدعي أتباعه ومن لف لفهم وانبهر بأقوالهم، وأن هذا الحزب ما هو إلا ذراع من الأذرع الإيرانية في المنطقة، وأن إستراتيجية التحرك والتمدد والنمو لهذا الحزب ما هي إلا لخدمة المشروع الإيراني، وأن آلية الوصول لهذا الدور اقتضت منه لبس ثوب المقاومة والتظاهر بعداوة إسرائيل كما هو حادث منذ قيام الحزب، ونصر الله نفسه في تصريحه هذا يقول وبكلمات صريحة أنه لو علم أن الحزب ليس امتدادا لإيران وإمامها الخميني فلن يبقي فيه للحظة واحدة، أي أن المسألة ليست مقاومة وجهاد لأعداء الأمة كما يروج ويدعي، أنما خدمة من أجل إمام الزمان وصاحب ولاية الفقيه ـ الخميني ـ وقت صدور التصريح، ولعل هذا يفسر لنا لماذا يرفض حزب الله الشيعي دائما التنسيق مع أي جماعة سنية مدافعة أو مقاومة للعدو الصهيوني، وما حدث مع قوات الفجر السنية أيام حرب 2006، عندما تركهم رجال الحزب الشيعي بلا إمدادات أو تمويل أو سلاح الصواريخ لمواجهة الطيران الإسرائيلي، علي الرغم من قيام الشيعة باستخدام معاقل السنة وقراهم كمنصات لإطلاق الصواريخ علي الصهاينة، ما حدث معهم خير دليل على طائفية هذا الحزب وانحيازه التام والكامل للمشروع الإيراني في المنطقة، وفي عز المحرقة الصهيونية لأهل غزة الأبرياء العزل أواخر سنة 2008، وقف الحزب ساكنا لم يطلق رصاصة واحدة أو حتى حجرا طائشا علي الصهاينة من أجل تخفيف الضغط العاتي علي أهل غزة، وتركوا حماس السنية تواجه مصيرها وحدها بعد أن تخلي عنها الجميع، بل عندما أطلق صاروخ خطأ من الجنوب اللبناني سارعوا بإعلان تبرؤهم منه، وكأنها رسالة تطمينية للعدو الصهيوني أن اطمئنوا إلى جبهة لبنان فلن يأتيكم منها مايسوؤكم، فلا خوف عليكم !!

الحقيقة الثانية

أن الهدف الإستراتيجي لحزب الله ليس المقاومة أو الممانعة، بل إن الحزب يعمل من أجل إقامة الخلافة الإسلامية !، وهو هدف مشروع ونبيل، ويسعي إليه كافة التيارات الإسلامية العاملة علي الساحة، ولكن الخلافة التي يسعي إليها حزب الله الشيعي، هي الخلافة الإيرانية الجعفرية الطائفية التي تعتقد بوجود إمام معصوم منزه من الخطأ والعيب ــ كما يعتقد النصارى في باباواتهم ــ يحكم نيابة عن صاحب الزمان ، والتي فيها يكون الشيعة طائفة ممتازة عن غيرها، والتي يكون فيها أهل السنة وغيرهم محرومين من كافة الحقوق والخدمات ، تماما مثلما يحدث مع أهل السنة في إيران، ودور الحزب في هذه الخلافة هو التمكين لهذه الخلافة عبر حدود إيران، بحيث يكون لبنان جزءًا وإقليما إيرانيا من الأقاليم الإيرانية التي يخطط الساسة والملالي في إيران من أجل إقامة دولة إيران الكبرى، كأن قدر الأمة الإسلامية في المنطقة أن تقع بين نارين ؛ نار "إسرائيل" الكبرى، ونار إيران الكبرى !!.

الحقيقة الثالثة

أن نصر الله في تسجيله النادر قد أفتى بداهية ذات بعد استراتيجي عقائدي لا يخلو من إشارات ذات دلائل لا يدركها إلا الشيعي ومن فهم نفسية الشيعي وسبر أغواره، في تلك الفتوى قال إن الولي الفقيه هو الذي يعين الحكام ويعطيهم الشرعية في جميع البلاد الإسلامية، وهو بذلك قد نزع الشرعية عن كل حكام المسلمين، وأنزلهم بمنزلة مغتصبي السلطة، لا لظلمهم أو طغيانهم أو عمالتهم أو خيانتهم أو أي مبرر آخر يوجب العزل ونزع الشرعية، ولكن لأن الإمام المعصوم ـ الخميني وقتها ــ لم يعطهم صك الصلاحية، ويعينهم نوابا ووكلاء له كما هو حال نصر الله نفسه الذي يصف نفسه بوكيل المرجعية في لبنان !، وهذه الفتوى هي إشارة ضمنية يفهمها رجال الحزب جيدا وكذلك يفهمها كل شيعي علي وجه الأرض، أنه لا طاعة إلا لصاحب الزمان ووكيله المعصوم ـ الخميني سابقا، وخامنئي حاليا ـ، وبالتالي يجوز الخروج والثورة والانقلاب والتآمر علي كل حكام المنطقة والعالم الإسلامي بأسره، والذين لم يعينهم بالقطع الإمام المعصوم في مناصبهم، وأن الطاعة الكاملة لا تكون إلا لصاحب الزمان والإمام المعصوم، وأن كل دعاوي الوطنية والعروبة وغيرها من الشعارات ما هي إلا من قبيل التقية السياسية التي يخادع بها الحزب اللبنانيين والعرب والمسلمين.


استحقاقات كشف الحقائق

التصريح الخطير الذي بثته وسائل الإعلام والذي حمل العديد من الحقائق التي صدمت الشارع اللبناني والعربي والإسلامي لا يجب أن يمر مرور الكرام، فإنها حقائق لها استحقاقات وتبعات، خاصة وأن هذه الحقائق قد انكشفت عقب سلسلة من الأحداث والمواقف التي وضعت الأقليات الشيعية في المنطقة بأسرها علي المحك، ولا يقل أحد أن هذه سياسة خاصة بالحزب اللبناني فحسب، كلا والله بل هي سياسة إستراتيجية بعيدة المدى يعمل من أجل تحقيقها كل الأقليات الشيعية الموجودة في سائر بلدان المنطقة، وإلا فبماذا نبرر ما يقوم بها الحوثيون في اليمن، والمتآمرون في البحرين، والجواسيس في الكويت ، والنائمون تحت الرماد في السعودية ومصر والسودان والغرب الإفريقي وغيرهم في كل مكان من الوطن العربي والإسلامي الكبير؟! .

فإن من أهم هذه الاستحقاقات التأكد من ولاء ووطنية الأقليات الشيعية في البلدان الإسلامية ــ بمعناها الشرعي الذي لا يقود إلي العصبية الجاهلية ــ ومن الاستحقاقات أيضا منع الاتصال المباشر بين هذه الأقليات وإيران لأنه ثبت بالدلائل القاطعة التي لا تحتمل الشك أو الريب أن إيران تستغل الرحلات الدينية التي يقوم بها الشيعة العرب إلي إيران في تجنيدهم واستقطابهم للعمل لصالحها الخاص حتى ولو ضد وطنهم الأصلي .

ومن الاستحقاقات أيضا مراقبة التحركات الشيعية التي تثير الريب والشك لدي السلطات، والتجمعات والاحتفالات والمدارس وأماكن العبادة الشيعية.

الخميس 14 أكتوبر 2010 م
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١