أخلاقُ أهل القرآن
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد
فإن حفظ القرآن من أعظم المنن التي يمن الله على عبده بها، وهذه النعمة تستوجب شكر مسديها سبحانه حتى يبارك فيها وينفع بها صاحبها، ولذا وجب على من حفظ كتاب الله المجيد أن يسترشد بهديه ويتخلق بأخلاقة ويتأدب بآدابه..
تلك الآداب والأخلاق التي تمثلت صورتها العملية في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح حيث سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق (رضي الله عنها وعن أبيها) عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن).
وقد تكلم السادة العلماء والسلف الأجلاء عن بعض هذه الأخلاق والتي نسوق لأهل القرآن شيئا منها:
قال بشر بن الحارث: سمعت عيسى بن يونس ( ت 187 هـ ) يقول: إذا ختمَ العبدُ قبّل الملَك بين عينيه، فينبغي له أن يجعلَ القرآن ربيعاً لقلبه، يَعْمُرُ ماخرِبَ من قلبِهِ، يتأدبُ بآدابِ القرآن،ويتخلّقُ بأخلاقٍ شريفةٍ يتميّز بها عن سائرِ النّاس ممن لايقرأ القرآن.
فأول ماينبغي له أن يستعملَ تقوى الله في السّرّ والعلانية: باستعمال الورع في مطعمه ومشربه ومكسبه، وأن يكونَ بصيراً بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه؛ مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح مافسد من أمره، حافظاً للسانه، مميِّزاً لكلامه؛ إن تكلّم تكلّم بعلم إذا رأى الكلامَ صواباً، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً، قليلَ الخوض فيما لايعنيه..
يخاف من لسانه أشدّ مما يخاف من عدوّه، يحبس لسانه كحبسه لعدوّه، ليأمن شرّه وسوءَ عاقبتِه؛ قليلَ الضّحك فيما يضحك منه النّاس لسوء عاقبة الضّحك، إن سُرَّ بشيءٍ مما يوافقُ الحقَّ تبسَّم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح قال حقاً، باسطَ الوجه، طيّب الكلام، لايمدحُ نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه، يحذر من نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يُسخط مولاه، ولايغتابُ أحداً ولا يحقر أحداً، ولايشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، ولا يسيءُ الظنّ بأحدٍ إلا بمن يستحق؛ وأن يكون حافظاً لجميع جوارحه عمّا نُهي عنه، يجتهد ليسلمَ النّاسُ من لسانه ويده، لا يظلم وإن ظُلم عفا، لا يبغي على أحد، وإن بُغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربّه، ويغيظَ عدوّه.
وأن يكون متواضعاً في نفسه، إذا قيل له الحق قَبِله من صغيرٍ أو كبير، يطلب الرفعة من الله تعالى لامن المخلوقين.
وينبغي أن لا يتأكلَ بالقرآن ولا يحبّ أن تُقضى له به الحوائج، ولا يسعى به إلى أبناء الملوك، ولا يجالس الأغنياء ليكرموه، إن وُسِّع عليه وسَّع، وإن أُمسِك عليه أمسَك.
وأن يُلزم نفسه بِرَّ والديه: فيخفضُ لهما جناحه، ويخفصُ لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، ويشكر لهما عند الكبر .
وأن يصلَ الرحم ويكره القطيعة، مَن قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، مَن صحِبه نفعه، وأن يكون حسن المجالسة لمن جالس، إن علّم غيره رفق به، لايعنّف من أخطأ ولا يخجله، وهو رفيقٌ في أموره، صبورٌ على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً.
عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما): "كنّا صدرَ هذه الأمّة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما معه إلا السّورة من القرآن أو شبه ذلك؛ وكان القرآن ثقيلاً عليهم، ورُزقوا العمل به.
وإنّ آخر هذه الأمّة يُخفّف عليهم القرآن حتّى يقرأه الصّبيّ والأعجميّ، فلا يعملون به".
وعن مجاهد (رضي الله عنه) في قوله تعالى: "يتلونه حقّ تلاوته".
قال: "يعملون به حقَّ عمله".
وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناسُ نائمون، وبنهاره إذا الناسُ مُفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناسُ يختالون، وبحزنه إذا الناسُ يفرحون، وببكائه إذا الناسُ يضحكون، وبصمته إذا الناسُ يخوضون".
وعن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: "حامل القرآن حامل رايةِ الإسلام..
لا يينبغي له أن يلغو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهو مع مَن يلهو".
جعلنا الله تعالى ممن يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاقه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.