أرشيف المقالات

خطبة عن لعبة تشارلي

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
حديثنا اليوم عن جريمة سماها الناس لعبة؛ لعبة تشارلي قبل أيام عديدة وصلني مقطع على الجوال فيه بيان كيف تُلعب هذه اللعبة بين أطفال وأبناء المدارس فلم أعر الموضوع اهتماما لأني ما كنت أصدق أنها ستنتشر وسيتقبلها الناس، ولكن لما كتبت الصحف وتحدث الناس في بلدان شتى، وليس في قطر خاصة، بل في منطقة الخليج كلها تقريبا، يتحدث الناس عن لعبة راجت بين الأبناء والبنات، وسميت بهذا الاسم شارلي، جني، فيما يزعمون، من أقصى الأرض في الغرب ويلعبون لعبته في بلاد الإسلام، يدّعون أنه يخبرهم عما في الغد، يخبرهم عن الغيب، وما كنت أصدق أن لها تأثيرا حتى سألت من حولي فحدثني أحد الشيوخ أن ولده يأبى أن ينام في غرفته ويأبى إلا أن ينام مع أبيه في الغرفة لأنه مصاب بالذعر بسبب ما حدثه زملاؤه عن حضور هذاالجني. الأمر يحتاج إلى حديث اللعبة باختصار لمن لا يعلمها: عبارة عن وضع قلمين متعاكسين كعلامة ( + ) على ورقة أو على طاولة ، ثم يكتب في المربعات الأربع كلمات مرة نعم ومرة لا ، بالانجليزي yes _ no في كل مربع يُكتب كلمة ثم يصيح من يريد أن يلعب هذه اللعبة يصيح مستغيثاً بشارلي، بتشارلي ويزعم أنه سيجيبه ويسأله فإذا تحرك القلم جهة yes كان الجواب هو المطلوب وإلا كان الجواب بخلاف ذلك، هذه اللعبة انتشرت بين الأبناء والبنات في المدارس وأصبحت تسبب ذعرا لكثير منهم، وهذا يلقي بالظلال على واجبنا نحن الآباء والأمهات ووسائل التوجيه والتعليم وما مدى ما بذلناه في سبيل غرس العقائد الصحيحة في نفوس الأبناء والبنات. يزعمون أن هذا الجني سيخبرهم بما سيكون في الغد، فمن سيصدق أن أبناء المسلمين يقبلون على هذا بنهم، ويتعاطونه برغبة، إلا عندما خفي الحق، عندما لم يُغرس الحق في النفوس والقلوب، أصبحت القلوب قابلة لأن يُغرس فيها ما جاءها. أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى **** فصادف قلبا خاليا فتمكنا هذا الإنسان بأصل خلقته لا يعرف شيئا كما قال الله تعالى: ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، أخرجكم جهّالا لا تعلمون شيئا، وأعطاكم وسائل التعلّم: السمع والبصر والفؤاد، لعلكم تستعملونها في التعلم الصحيح فتشكرون نعمة الله تعالى. والأبناء والبنات هذا حالهم، لا يعلمون شيئا، والواجب على الكبار أن يعلموهم، وأن يبلغوهم دين الله تعالى، فإن من أولى الواجبات، من أهم الفرائض أن يتعلّم الأبناء والبنات التوحيد، كما قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) قوا أنفسكم يعني علموهم وأدبوهم كما قال الصحابة.
وأصل التعليم وأسّه أن تعلمهم ما يجب لله تعالى، وما يختص به الله سبحانه وتعالى من خصائص، وهذا معنى التوحيد، والله عز وجل تفرد بعلم الغيب، فلا يعلم الغيب أحد غيره سبحانه، قال الله سبحانه: ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله )، وقال سبحانه: (وعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ).
ومن ادعى أنه يعلم الغيب، ويُخبر بما سيكون في الغد فإنه كافر، لأنه مكذّب للقرآن، كافر: يعني خارج من ملة الإسلام والعياذ بالله، فإذا مات على ذلك فإنه من حطب جهنم، ومن صدّقه فيما يدعيه، من صدقه أنه يعلم الغيب وأنه يخبر بما سيكون في الغد، فإنه كافر مثله، وإذا مات على ذلك كان من حطب جنهم، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، قال: (من أتى عرّافا فسأله فصدّقه فقد كفر بما أُنزل على محمد). من هو العرّاف؟ العراف: الذي يدعي المعرفة، يدعي أنه يعرف الغيب، يعلم الغيب، والعرافة أنواع عديدة، قد يُستعمل لها مقدمات كقراءة الكف وقراءة الفنجان والضرب بالحصى والخط على الرمل وغير ذلك مما يعلمه الدجالون والكذابون، وقد لا تُستعمل له مقدمات، فيخبر الكاذب بأنه يعلم الغيب مطلقا، هؤلاء كفار، ومن جاءهم وسألهم وصدقهم فإنه كافر مثلهم، (من أتى عرافا فسأله فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد ) أما الذي يأتيه لا للتصديق، ولكن للاطلاع ومعرفة ما عند الناس وحب الاستطلاع كما يسمونه، من أتى هذا العراف فسأله غير مؤمن به، غير مصدق له، فإنه قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، يستحق معها أن يحرم من ثواب الصلاة، كما قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (من أتى عرافا فسأله لم تُقبل له صلاةٌ أربعين ليلة) هذا جاءه ولم يصدقه، جاءه لحب الاستطلاع ليرى ما عنده فقط، فإن عقابه ألا يثيبه الله على صلاته أربعين ليلة، أتى كبيرة من كبائر الذنوب لم يكفر، أرأيتم حجم الخطر الذي يتعرض له الإنسان حين لا يُعلّم الحق، حين لا يُغرس في نفسه التوحيد. إن أوجب الواجبات علينا أن نعلم أبناءنا دينهم الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يصيروا حطباً لجهنم، والعجب العجاب أيها الإخوة - ومن عرف حال الناس وسنة الله في خلقه لا يتعجب - لكن عجبٌ بادئ الرأي أن تنتشر هذه الخرافات وهذه الأكاذيب في جزيرة العرب، موطن الإسلام الأول وموئله بعد تفرقه، في القوم الذين خرج منهم الإسلام وصيّرهم أساتذة البشرية، عجب عجاب أن ينتشر فيهم مثل هذا، ولكن إذا علمت أن الناس إذا تركوا الحق لجؤوا إلى الباطل حينها لا تتعجب، فقد بيّن الله لنا في كتابه أن اليهود من قبلنا أعرضوا عن كتاب الله، فلما أعرضوا عن كتاب الله توجهوا إلى الشياطين (نبذ فريق من الذين أتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون وأتبعوا ما تتلوا الشياطين). وهذا حال الإنسان دائما حين يعرض عن الحق، حين يعرض عن تعلم دين الله، يصيبه الله تعالى بأن يتسلط عليه الباطل، وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن جزيرة العرب هذه ستعود إلى الشرك في آخر الزمان ويفشو فيها كما كان فاشيا فيها قبل الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة) قبائل دوس قبائل يمنية وهي في جزيرة العرب، قبائل كثيرة دخلت الإسلام وحسن إسلامها ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن الشرك عائد إلى هذه الأرض وأنه لن تقوم الساعة حتى تزدحم النساء حول الأصنام وتدفع النساء بعضها بعضا في عبادة هذه الاصنام حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة، فالشرك هو البديل عن التوحيد إذا لم يتعلم الناس دين الله، ويقوموا به فإن الله تعالى سيسلط عليهم الباطل، ستتسلط عليهم الشياطين وهذا كما أخبرنا الله في كتابه في سورة الجن. وتشارلي واحد منهم، أخبرنا الله بأن مؤمني الجن أخبروا نبي الله أخبروه عن حال الجن مع الإنس فقالوا كما قال الله في سورة الجن: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) يقول عكرمة: كان الإنس إذا نزلوا واديا خافت منهم الجن كما يخاف الإنس من الجن أو أشد، تخاف، وهذا الحال الطبيعي، هذا هو الحال الصحيح، أن المؤمن مخيف للشيطان وليس العكس، (إن كيد الشيطان كان ضعيفا). هذا هو الحال الصحيح: أن يكون الشيطان قد ملئ رعبا وخوفا منك، لأنك متسلح بالسلاح الذي يضره ويقتله ألا وهو ذكر الله، كان الإنس ينزلون المنزل فيخاف الجن ويهربون، فأحدث الشيطان لهم وأحدث الناس لهم الاستعاذة بزعيم الجن في تلك البقعة، فكانوا إذا نزلوا وادياً صاح صائحهم: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يستعيذ ويحتمي ويلتجئ بسيد الجن في ذلك الوادي ليدفع عنه شر السفهاء من الجن فيما يزعم، - فعلمت كما يقول عكرمه- : فعلم الجن أن الإنس يخافون منهم فاقتربوا منهم وأصابوهم بأنواع الأذى والخبل، وهذا حال الإنسان حين يعرض عن الله ويتكل على الجني ويعتمد عليه ويخاف منه، فإن الله تعالى يسلطه عليه، قال الله تعالى: (فزادوهم رهقا) لما علم الجن أن الإنس بحاجة إلى أن يستعيذوا بهم ويحتموابهم، كانت النتيجة أن زادوهم رهقا، زادوا من؟ الفريقان زادوا في الرهق، والرهق يأتي بمعنى الإثم والذنب، ويأتي بمعنى العتو والكبر والطغيان، فالفريقان أصيبوا بالرهق، الإنس أصيبوا بالإثم وارتكاب المحارم وغشيان ما حرم الله حين استعاذوا بالجن، والجن زادوا كبرا وعتوا وطغيانا حين علموا بأن الإنس يحتاجون إليهم ويستعيذون بهم فزادوهم رهقا. كان النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا مرة، فعثرت به دابة فقال صاحبه: تعس الشيطان.
فقال عليه الصلاة والسلام (لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل الجبل ولكن قل بسم الله فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب) لا تقل تعس الشيطان هذه الكلمة تُشعر بأنه آذانا وفعل شيئا بنا، واستطاع أن يتمكن منا، ولكن حينما يعلم أنك متوكل على الله معتمد عليه، لا تخاف شر الشيطان، يرجع إلى حجمه الصحيح، يتصاغر حتى يصير مثل الذباب، وحين يرى من قلبك الفراغ من التوكل على الله والاعتماد عليه والالتجاء إلى المخلوق يعظم ويكبر حتى يصير مثل الجبل. لا غرابة أن يصاب الأبناء والبنات بالذعر والخوف إذا لعبوا هذه اللعبة؛ فإن الشيطان يتسرب منها إلى قلوبهم ليغرس فيها أنواع المخاوف، مع أن المطلعين على اللعبة يدركون تمام الإدراك أنه لا علاقة للجن في الإخبار بالغيب، إنما هي مجرد خرافات وسخافات، فقلم رصاص موضوع على آخر سيتحرك بأدنى هواء يرد عليه، ولذلك يدرك العقلاء جميعا بأنها لا حقيقة لها، ولكن الخرافات تروج وتسري وتتقبلها القلوب الضعيفة، وأول هذه القلوب قلوب الصبيان والنساء ولهذا كانوا دائما الهدف الأسهل للوقوع تحت دعاية الشرك وتحت وساوس الشيطان وأساليبه. جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره أن عبد الله بن مسعود رأى في عنق زوجته خيطا فقطعه.
قال ما هذا؟ قالت خيط رُقيَ لي فيه، فقال رضي الله عنه وارضاه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك، وأن آل بن مسعود لأغنياء عن الشرك) لا حاجة بهم إلى الشرك، ولذلك قطع الحبل والخيط، فقالت امرأته لا تقل هكذا، فإن عيني تذرف – تبقى تسيل من الدموع - فإذا ذهبت إلى فلان فرقاها لي، وسمته في بعض الروايات باليهودي، فرقاها لي في هذا الخيط سكنت - هكذا يبتلي الله عز وجل الإنسان، إذا تركت نزلت الدموع وعادت الدموع إلى أذاها، وإذا رقيت لها سكنت، فقال بن مسعود: إنما ذلك فعل الشيطان، فإذا تركته نخسها بيده وإذا رقيتها ترك ذلك) يحاول أن يتسلط على الإنسان فيؤذيه من أجل أن يلجأ إليه، فإذا لجأ إليه كف عنه الأذى والخطر وهذا ما هو واقع في حال كثير من الناس، أكثر الناس اليوم لا سيما في هذه البلدان يشتكون السحر والعين والرقى وأنواع البلاء.
فنحن أحوج ما نكون أن نغرس معاني التوحيد الحقيقية، معاني التوحيد الصحيحة في قلوبنا وقلوب أبناءنا وبناتنا فذلك هو العاصم من الوقوع في سخط الله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. (الخطبة الثانية ): إخوتي في الله: مهما يكن من أمر، فإن تلقين الأبناء والبنات لمعاني العقيدة فرض لا بد من القيام به، أصيبوا بما ذكرنا أو لم يصابوا فإن التحصين واجب، كما أن تعلم هذا العلم فرض في أصله في حد ذاته بغض النظر تعرض الإنسان لما يؤذي أو لم يتعرض، ويدلنا على هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد روت لنا كتب السنة الحديث المشهور الذي يخاطب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شابا لم يبلغ بعد، إنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحتلم، كان قريبا من الاحتلام، علمه الرسول معاني العقيدة في حديث جامع، قال:( يا غلام إني أعلمك كلمات ..
إلى أن قال له: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) هذا الحديث الجامع يلقنه الرسول صلى الله عليه وسلم لمن نسميه نحن طفلاً، طفل لم يبلغ الحلم بعد، وهكذا ينبغي أن يفعل المؤمنون من بعده، أن يعلقوا قلوب أبناءهم بالله. استمع إلى هذه القصة العجيبة الجميلة في كيفية تعليم الأبناء والبنات الاعتماد على الله، يقول ابن الجوزي رحمه الله في كتاب تلبيس إبليس حاكيا عن أحد العلماء في تلقين أحد تلاميذه قال له: إذا حاول الشيطان إيذائك وإغوائك كيف تفعل؟ قال: أجاهده وأصده.
قال: فإذا عاد ثانية كيف تفعل؟ قال أجاهده وأصده.
قال إذن يطول بك الأمر، الأمر طويل لأنك لم تعرف الحقيقية لطرد الشيطان عنك، ثم ضرب له مثلا: قال له: أرأيت إذا كنت في طريق فمررت بغنم ومعها كلبها فنبح بك الكلب كيف تفعل؟ إذا اعترضك الكلب يريد أن يؤذيك كيف تفعل؟ قال: أصده وأدفعه.
قال إذن يطول بك الأمر ولكن إذا استعنت برب الغنم كفه عنك، صاحب الكلب الذي له سلطان على هذا الكلب إذا استعنت به فإنه سيدفع عنك شر الكلب ويرد عنك شر الكلب. وهكذا الحال مع الشيطان إذا استعنت بمن له عليه السلطان، بمن خلقه، فإن الله تعالى يكفه عنك، هكذا ينبغي أن تلقن العقيدة الصحيحة للأطفال للأبناء والبنات حتى يصح اعتمادهم على الله فيسلموا من شرور كثيرة.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

شارك الخبر

المرئيات-١