أرشيف المقالات

الجرائم الموبقة والسبع المهلكة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
الجرائم الموبقة والسبع المهلكة

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبعَ الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشركَ بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) [1].


المفردات:
قوله: ((اجتنبوا))؛ أي: احذروا فعلها
.
قوله: ((السبع)): التقييد بالسبع مثال؛ إذ الموبقات لا تنحصر فيها.
 
قوله: ((الموبقات))؛ أي: الذنوب المهلكات [2]، وسميت بذلك؛ لأنها سبب لإهلاك مرتكبها، والمراد بالموبقة هنا: الكبيرة.
 
قوله: ((الشركَ بالله)): منصوب على البدلية، ويصحُّ رفعُه على الاستئناف، وكذا ما بعده، في النهاية: أشرك بالله فهو مشرك، إذا جعل له شريكًا [3].
 
قوله: ((السِّحْر)) بكسر أوله وسكون ثانيه من سحرَ: صرف الشيء عن وجهه، ويُطلَق عند العرب على كل ما لطف مأخذُه ودقَّ وخفي [4]، وهو: عقد ورقي ينفث فيها، ويحصل بها الضرر بإذن الله عز وجل بهذه الوسيلة المحرَّمة.
 
قوله: ((وقتل النفس))؛ يعني: بغير الحق [5].
 
قوله: ((اليتيم)) في اللغة: المنفرد؛ وهو: من مات أبوه، وهو ما دون البلوغ، وفي البهائم: ما ماتت أمُّه [6].
 
قوله: ((والتولي))؛ أي: الفرار عن القتال يوم ازدحام الطائفتين.
 
قوله: ((يوم الزحف))؛ أي: القتال حين يزحفون؛ أي: يمشون إلى العدوِّ.
 
وقوله: ((وقذف)): نسبة أحد إلى الزِّنا.
 
قوله: ((المحصنات)): جمع محصَنة، بفتح الصاد وكسرها، كلاهما جائز؛ أي: التي أحصنها الله تعالى وحفظها من الزِّنا، وبكسرها: اسم فاعل، وهي التي حفظت فرجَها من الزِّنا، وهن العفيفات.
 
قوله: ((المؤمنات)): احترز به عن قذف الكافرات؛ فإن قذفهن ليس من الكبائر وإن كانت ذميَّة، فقذفها من الصغائر لا يُوجِب الحَدَّ، وفي قذْفِه الأَمَةَ المسلمة التعزير دون الحَدِّ.
 
قوله: ((الغافلات)): كناية عن البريئات؛ لأن البريء غافل عما بهت به من الزِّنا.
وهن هنا الغافلان عما نسب إليهن [7].
وإذا كان المقذوف رجلًا يكون القذف أيضًا من الكبائر، ويجب الحَدُّ أيضًا.
 
السبع الموبقات:
أولها: الشرك بالله الخالق القادر واهب الحياة وسابغ النِّعَم.
وثانيها: السحر والتغرير وخداع المسلمين وتزوير خلق الله.
وثالثها: قتل النفس المعصومة التي حرم الله قتلها.
ورابعها: أكل مال اليتيم واستغلال ضَعفه وعجزه عن الدفاع عن نفسه.
وخامسها: أكل الرِّبا، واستغلال حاجة المحتاج، والزيادة عليه في القرض.
وسادسها: الفرار جُبْنًا أمام أعداء الإسلام حين القتال، وبَثُّ رُوح الخور والوهن في نفوس المسلمين.
وسابعها: الاستهتار بأعراض المسلمين وتناولهم باللسان، وطعنهم وقذفهم بالزِّنا من غير دليل [8].
 
عدم اختصاص الكبائر بما جاء في الحديث:
هذه السبع جاءت في هذا الحديث، ولا يعني ذلك أن الكبائر محصورة فيها؛ فإن الكبائر أكثر من ذلك، وكل ما جاء من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن هذا العمل كبيرة، فإنه يلحق بها؛ ولهذا ذكر العلماء أكثر من هذا العدد، أخذوه من الأحاديث، ومن الآيات الكريمة، والإمام الذهبي رحمه الله ألَّف كتابًا في الكبائر أوصل الكبائر فيه إلى سبعين كبيرة، وجعل آخر الكبائر سَبَّ الصحابة؛ لأن سَبَّ الصحابة من أكبر الكبائر.
 
أقسام الشرك:
الشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
النوع الأول: الشرك الأكبر:
وهو مُخرِج من الملَّة، ومُحبِط لجميع الأعمال، وصاحبُه حلالُ الدم والمال، ومُخلَّد في النار إذا مات ولم يَتُبْ منه.
 
النوع الثاني: الشرك الأصغر:
وهو ما سمَّاه الله ورسولُه شركًا، ولم يصل إلى الشرك الأكبر، ينقص التوحيد، ولا يخرج من الملَّة، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.
 
والشرك الأصغر نوعان:
الأول: شرك ظاهر على اللسان والجوارح، وهو أقوال وأفعال:
فالأقوال؛ كالحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئتُ، أو توكَّلْتُ على الله وعليك، أو لولا الله وفلان، أو هذا من بركات الله وبركاتك، أما الأفعال؛ فكلبس الحلق والخيط لرفع البلاء، وتعليق التمائم خوفًا من العين وغيرها.
 
فمن اعتقد أن هذه أسباب ترفع البلاء أو تدفعه؛ فهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعل هذه أسبابًا، ومَن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها، فهذا شرك أكبر؛ لأنه تعلق بغير الله.
 
الثاني: شرك خفي:
وهو الشرك في الإرادات والنيَّات؛ كالرياء والسمعة، وهو في هذه الأُمَّة أخفى من دبيب النمل، فمن نقصت محبَّتُه لله أحَبَّ غيره، إذ لو كملت محبَّتُه لم يحبَّ سواه؛ كأن يعمل عملًا يريد به ثناء الناس عليه، كأن يحسن صلاته، أو يتصدَّق، أو يصوم، أو يذكر الله، لأجل أن يراه الناس، أو يسمعوه، أو يمدحوه، وهذا بحرٌ لا ساحل له، وقلَّ من ينجو منه، وهو إذا خالط العمل أبطله [9].
هل يقتل الساحر؟
قال مالك وأحمد: نعم.
 
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يُقتَل حتى يتكرَّر منه الفعل أو يُقِرُّ بذلك في شخص معين، فإذا قُتِل، فإنه يُقتَل حَدًّا عندهم إلا الشافعي، فإنه قال: والحالة هذه قصاصًا [10].
 
متى يحرم الفرار من الزحف ومتى لا يحرم؟
يحرم إذا لم يزد عدد الكُفَّار على الضعف، فالفرار من الزحف من الكبائر إلا في حالتين:
الأولى: التحرُّف للقتال، الثانية: التحيُّز إلى فئة [11].
 
ما يستفاد من الحديث:
(1) حرص الصحابة على السؤال.
(2) أن الذنوب تنقسم إلى كبير وأكبر.
(3) أن أكبر الكبائر الإشراك بالله.
(4) أن الكبائر لا تنحصر في سبع؛ بل هذه مثال، فليس ما ذكر في الحديث آخر العدِّ؛ بل هناك كبائر أخرى.
(5) خطورة هذه الكبائر على الفرد والمجتمع.
(6) عدم التهاوُن في ارتكاب الكبائر؛ لما جاء فيها من الوعيد الشديد.
 
الآثار المترتبة على امتثال توجيهات الحديث:
(1) مرضاة الله، وامتثال لأوامر الشرع.
(2) طمأنينة النفس.

(3) أمان المجتمع من الشرك الأكبر والأصغر، ومن جميع ما يُعكِّر صفوه، ويُهدِّد أمْنَه، ويهتِك عرضه.






[1] أخرجه البخاري في كتاب: الوصايا، باب: قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10] 4/10 ح 2766، ومسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها 1/87 ح(92)، وأبو داود في كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم (10) (3/ 74) ح (2876)، والنسائي في كتاب: الوصايا، باب: اجتناب أكل مال اليتيم (6/ 568) ح (3673).


[2] تاج العروس (26/ 449).


[3] التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 365).


[4] معجم لغة الفقهاء (ص 242).


[5] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (20 / 274).


[6] تاج العروس (34/ 134)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 62).


[7] حاشية السندي على صحيح البخاري (4 / 86)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 62).


[8] فتح المنعم شرح صحيح مسلم (1/ 290).


[9] موسوعة الفقه الإسلامي (4/ 479: 481).


[10] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 63).


[11] رسالة في الفقه الميسر (ص: 98).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢