أرشيف المقالات

وجه صالح للسينما

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
8 للكاتبة الألمانية فيكي بوم مؤلفة الفندق الكبير (تتمة) وفي صباح أحد الأيام التقى بها رناتس ثوربج وهي صاعدة إلى غرفة الملابس في الأستوديو لتأخذ الشال الذي تضعه على كتفيها أثناء التمثيل.
وسألها قائلاً: صباح الخيرز يا دريجالسكي.
كيف حالك؟ - بخير يا سيدي ونظر إليها ثوربج ملياً ثم قال: - بخير نعم.
أراك تحسنت كثيراً.
. وكأن في صوته ما يدل على عدم رضاه لأنها بخير.

وفكرت دريجالسكي فيما تحمله قلوب الناس من حقد وحسد! (عند عودتها اشترت زهوراً وآنية جديدة للزهور.
واشترت طعاماً تحمله إلى ولدها في المصحة إذ كانت تزوره كل أحد.
وكان سعيداً في تلك المصحة مسروراً بتلك العصي الحمراء والزرقاء التي كانوا يقدمونها له هناك ليلهو بها. كانت دريجالسكي تبتسم كلما فكرت في ولدها.
وهاهي تفكر فيه وتبتسم وتنظر إلى خيالها في المرآة - وكانت قد اشترت مرآة - وابتسمت أيضاً وقد اطمأنت إلى شكلها في مرآتها الجديدة. وكانت أعدت طعاماً فاخراً لهر بوش، واشترت دهاناً لشعرها وزينت رأسها، واشترت غطاء جديداً للمائدة التي كانت تتناول عليها وهر بوش القهوة، وقد بدأ هر بوش يفكر فيها وفي أنها تصلح قرينة له. جاء شهر أكتوبر، ولأول مرة أحست دريجالسكي أن القوم في الأستوديو غير راضين عنها.
وكان ما طلبوه منها سهلاً بسيطاً.
إذ كان عليها أن تعبر شارعاً ثم تقف قليلاً تحت المصباح وتسعل ثم تمضي في طريقها في بطء.

ولكنها أخطأت في كل حركة قامت بها، وقد استقام ظهرها وزال الانحناء الذي كان يزيدها ضعفاً، وجفت عيناها، وقد تعودتا النظر إلى الضوء الساطع وأعاد المخرج المنظر ثلاث مرات، ولكنها لم تفلح فطردها وعادت إلى بيتها. وفي المرة الثانية جاءت في ثوبها الأبيض ومعطفها الأزرق الجديد، فتلقوها بشيء كثير من العنف وقدموا لها ملابس بالية ولكنها لم تظهر في صورتها الحقيقية الأولى، وأمرت في قسوة وحدة أن تحضر دائماً مرتدية تلك الأسمال البالية التي جاءت بها الأستوديو لأول مرة، ولكنها لم تدرك قط ما يريده أولئك الناس وقد أصبحت الآن تخجل من لباسها القديم، ولماذا يسمح لغيرها من النساء أن يظهرن في أثواب جميلة، ويأبون عليها ألا أن تظل في مظهرها التعس؟ ومر شهر نوفمبر ولم تدع للعمل إلا قليلاً؛ وكانت تصور في يوم من أيام ديسمبر بين جمع من الناس في رواية (الأشقياء) ولم تدرك أن هر فيلب المخرج كان يشير إليها حين كان يصيح بعماله لماذا تركتم هذه المرأة من غير تزيين وجهها؟ ما هذا الإهمال؟ ومد أحدهم يده وجرها من ذراعها إلى غرف التزيين وقام العامل بطلاء وجهها وتصوير التجاعيد عليه، تجاعيد الفقر والجوع التي فقدتها من شهور مضت. جاء فيليب إلى غرفة ثوربج فوجد امرأة تبكي بكاء مرا ًوسأل ما الخبر، فأجابه ثوربج - هذه دريجالسكي جاءت تشكو لأننا لم نستدعها من عهد بعيد، فأجابت وهي تنتحب - كنت أقول.
إنه ليس من العدل ألا أدعى إلى العمل وقد أصبح في وسعي الآن أن أحضر في ثياب لائقة، ويخيل إلي أنكم ترونها جريمة من عاملة مثلي أن تأكل وتتغذى، إني أستطيع بتلك الدهانات التي يصبغ بها الوجه أن أسدي لكم ما تريدون.
ولا أحسبكم تريدون مني أن أظل جائعة في أسمالي البالية، فكل ما في الأفلام غير حقيقي، وقد رفضتم عودتي إلى العمل لا لسبب إلا لأن غذائي قد تحسن.
فأجابها فيليب وحدة وغضب: - لا، يا سيدتي فأنت مخطئة، إننا نريد في الأفلام شيئاً أكثر من التمثيل نريد حياة، الحياة الحقيقية.
وإذا كنت تريدين لنفسك عيشة راضية فلا شأن لنا بك. قال ذلك وسكت وترك الغرفة، ثم قال ثوربج وهو يفكر: - نعم، إنه على حق يا دريجالسكي، إن الفن شاق وقاس، عودي إلى حياتك الأولى، أنهكي قواك في العمل، لا تفري من الشقاء، أقضي الليالي ساهرة، وأعيدي إليك ولدك، وعندئذ ندعوك ثانية، هل فهمت الآن؟ لا، لم تفهم درجالسكي قط، وخرجت من الغرفة وكأنما انحنى ظهرها قليلاً مرة أخرى، خرجت وقد استحال عليها أن تفهم شيئاً وكانت تسائل نفسها؛ علام كل هذا؟ أيدفعون نقوداً لكي أظل جائعة؟ فإذا كسبت من النقود ما يكفي لأحسن طعامي طلبوا إلي أن أعود إلى الجوع، وإذا وجدت من الغذاء ما يكفيني طردوني من العمل! سأحدث بوش عن هذا كله.
ربما كان خيراً لي أن أعود إلى عملي، غسيل الملابس، يخيل لي أنهم هنا في الأستوديو كلهم مجانين محمود عزي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ١