أرشيف المقالات

حديث: تعبد الله ولا تشرك به شيئا

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
حديث: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا
 
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير)، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنَة ويُبَاعِدُني عن النار، قال: "لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يَسَّرَهُ اللهُ عليه: تَعْبُدُ الله ولا تُشركُ به شيئًا، وتُقيمُ الصلاة، وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتَحجُّ البيتَ"، ثم قال: "ألا أَدُلُّكَ على أبْوَابِ الخير؟: الصومُ جُنَّةٌ، والصدقةُ تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ - حتى بلغ - ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16-17]، ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر (كله) وعموده وذِروة سَنَامِهِ؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلامُ، وعَمُوده الصلاةُ، وذِروة سَنَامه الجهاد"، ثم قال: "ألا أخبرك بِمِلاكَ ذلك كلِّهِ"؟ فقلت: بلى يا (نبي) الله، فأخذ بلسانه، قال: "كفَّ عليك هذا"، فقلت: يا نبي الله، وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: "ثَكِلتكَ أمُّكَ (يا معاذ)، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو "على مناخِرِهم - إلا حصائد ألسنتهم"؛ رواه الترمذي، وقال: (هذا) حديث حسن صحيح[1]، (ورواه ابن ماجه بنحوه).
 
درجة الحديث: صححه الألباني.
 
أهمية الحديث: هذا الحديث أصل عظيم متين وقاعدة من قواعد الدين.
 
مفردات الحديث:
♦ لا تشرك به شيئًا: يشمل كل أنواع الشرك.
♦ الصوم جنة: الصوم وقاية من النار، والمراد به هنا صوم النافلة لأنه ذكر الصوم سابقًا.
♦ الصدقة تطفئ الخطيئة: أي تطفئ أثر الخطيئة فلا يبقى لها أثر.
♦ جوف الليل: وسطه، أو أثناؤه.
♦ تتجافى: ترتفع وتبتعد.
♦ عن المضاجع: عن الفُرُشِ والمراقد.
♦ ذروة سَنَامه: السَّنَام: ما ارتفع من ظهر الجمل، والذروة: أعلى الشيء، وذروة سنام الأمر: كناية عن أعلاه.
♦ ثكلتك أمك: هذا دعاء بالموت على ظاهره، ولا يُراد وقوعه، بل هو تنبيه من الغفلة وتعجب للأمر[2].
♦ كف عليك هذا: أي اللسان؛ لأنه خفيف الحركة كثير الزلَّة.
♦ حصائد ألسنتهم: ما تكلمت به ألسنتهم من الإثم.
 
ما يستفاد من الحديث:
1- يفيد الحديث الشريف استرشاد الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم وعظته لهم.
 
2- حرص الصحابة رضي الله عنهم على الأعمال التي تؤديهم إلى الجنة، وسؤالهم عن مهام الأمور، وهذا من علو همتهم ورفعتهم.
 
3- أن أعظم ما يسأل عنه هو أسباب دخول الجنة، وأسباب الابتعاد عن النار؛ لأن من دخل الجنة ونجا من النار، فقد فاز الفوز العظيم؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185].
 
وقد قال تعالى في صفات عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان: 65]، وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم).
 
4- أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله أن ييسر له العمل الصالح.
وقد أخبر الله عن نبيه موسى أنه قال: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: 25، 26].
 
وأن يجتهد في تحصيل أسباب الهداية، ومن اجتهد فقد وعد الله له بالهداية؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].
قال ابن القيم رحمه الله: (علَّق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمَل الناس هداية أعظمهم جهادًا، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا).
 
5- الأعمال الصالحة هي فضل من الله تعالى على العبد، وهي سبب وطريق لدخول الجنة.
 
6- أن التوفيق بيد الله تعالى، فمن يسر الله عليه الهدايــة اهتدى، ومن لم ييسِّر عليه لم ييسر له؛ قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].
 
7- أولى شيء وأعظمه توحيد الله تعالى والإخلاص له.
 
8- أن أعظم الذنوب وأكبر الكبائر الشرك.
 
الشرك وتعريفه:
أولًا: تعريفه: هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، (وهذا هو الشرك الأكبر).
وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله؛ كدعاء غير الله، والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين، والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يمرضوه.
 
ثانيًا: هو أعظم الظلم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
والظلم وضع الشيء في غير موضعه، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك أعظم الظلم.
 
ثالثًا: أنه محبط للعمل؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88].
 
رابعًا: لا يغفر الله لصاحبه إذا مات عليه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
 
خامسًا: أن الجنة حرام على المشرك؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ [المائدة: 72].
 
9- كما يرشد إلى أن أداء الفرائض الخمس أول ما يعمله العبد، وأنها سبب لدخوله الجنة والبعد عن النار.
 
10- الصلاة عمود الإسلام، وإذا سقط العمود سقط البنيان، ولذا قال بعض أهل العلم بكفر تارك الصلاة.
 
11- خطر اللسان على الإنسان، والمؤاخذة على عمله، وأنه يورد النار بحصائده.
 
12- على المؤمن أن يستعمل أساليب التشويق في الكلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير؟).
 
13- أن للخير أبواباً.
 
15- الصدقة وقيام الليل تطفئان الخطيئة.
 
16- حفظ اللسان باب للخير الكثير.
 
17- جواز التعليم بالإشارة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخذ بلسان نفسه، وقال: ((كفَّ عليك هذا)).
 
18- إثبات الجنة والنار، وهما الآن موجودتان.
 
19- تحري ما نقل في الحديث من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: (على وجوههم أو على مناخرهم)، وهذا يدل على الأمانة التامة في نقل الحديث، ولله الحمد.

[1] النص المثبت هو الذي عند الترمذي، وما بين الأقواس الكلمات التي سقطت من النص المثبت في الأربعين.

[2] قال النووي رحمه الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك)؛ أي فقدتك، ولم يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الدعاء، بل جرى ذلك على العرب في المخاطبات؛ (شرح النووي على الأربعين).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣