شرح حديث عبد الله بن مغفل: نهى رسول الله عن الخذف
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
شرح حديث عبد الله بن مغفل: نهى رسول الله عن الخذفعَنْ أبِي سعيٍد عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضْيَ اللهُ عنه قَالَ: نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنِ الخَذْفِ، وقَالَ: «إِنَّه لا يَقتلُ الصَّيدَ، ولا يَنْكأُ العدُوَّ، وإنَّه يَفقَأُ العَينَ، ويكسِرُ السِّنَّ» مُتَّفقٌ عليه.
وفِي روايٍة: أنَّ قَرِيبًا لابنِ مُغفَّلٍ حَذَفَ؛ فنَهاه وقَالَ: إِنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عَنِ الخَذْفِ، وقَالَ: «إِنَّها لا تَصِيدُ صَيدًا».
ثُمَّ عادَ.
فَقالَ: أُحدِّثُكَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنه، ثُمَّ عُدتَ تَحذِفُ؟! لا أُكَلِّمُكَ أَبدًا.
قَالَ العلَّامةُ ابنُ عثيمينَ - رحمه الله -:
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن عبد الله بن مُغفَّلٍ - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحَذْفِ، وقال: «إنَّه لا يَقتلُ صيدًا»، وفي لفظٍ: «لا يَصِيدُ صَيدًا»، «ولا يَنْكأُ عدُوًّا، وإنَّما يَفقَأُ العينِ ويَكسِرُ السِّنَّ».
و«الحَذْفُ»: قال العُلماءُ: معناه أن يضَع الإنسانُ حصاةً بين السبابة والإبهام، فيضع على الإبهام حصاة يدفعها بالسبابةِ، أو يضع على السبابةِ ويدفعها بالإبهام.
وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وعلَّل ذلك بأنَّه يفقأ العينَ وكسر السن إذا أصابه، «ولا يصيدُ الصَّيدَ»؛ لأنه ليس له نفوذ «ولا يَنكأُ العدوَّ» يعني لا يدفع العدو؛ لأن العدو إنما يُنكأُ بالسهامِ لا بهذه الحصاة الصغيرة.
ثم إنَّ قريبًا له خرج بخذْفٍ، فنهاه عن الخذْفِ وقال: أخبرتُك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، ثم إنَّه رآه مرَّةً ثانيةً يخذفُ، فقال له: «أخبرتُك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذفِ، فجعلتَ تخذِفُ!! لا أُكلِّمكَ أبدًا» فهجره؛ لأنَّه خالف نهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا كما فعل عبدُ الله بن عمر في أحد أبنائه، حين حدَّث ابنُ عمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعُوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ».
فقال أحدُ أبنائه وهو بلالُ بن عبدِ الله بن عمر: «والله لنَمنَعهُنَّ»؛ لأنَّ النساء تغيَّرت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والناسُ تغيروا، فقال بلالٌ: «واللهِ لنَمنعَهُنَّ».
فأقبل عليه أبوه عبد الله ابن عمر، وجعل يَسُبَّه سبًّا عظيمًا، ما سبَّه مثله قطُّ، وقال: أُحدِّثُك عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتقولُ: واللهِ لنَمنَعهُنَّ.
ثم هجره حتَّى مات، لم يكلمه، فدلَّ هذا على عِظَمِ تعظيمِ السَّلف الصالح لاتِّباعِ السُّنَّةِ.
فهذا عبد الله بن مُغفَّلٍ أقسم أن لا يكلم قريبه؛ لأنه خَذَفَ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخَذْفِ، وهكذا يجب على كل مؤمنٍ أن يعظم سُنَّة النبي عليه الصلاة والسلام.
ولكن إذا قال قائل: هل مثل الأمر يوجب الهجر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هجر المؤمن فوق ثلاثٍ؟
فالجوابُ عن هذا: أن هذين الصَّحابيينِ - وأمثالهما ممن فعل مثل فعلهما - فعلا ذلك من باب التعزير، ورأيا في هذا تعزير لهذين الرجلين، وإلا فالأصل أن المؤمن إذا فعل ذنبًا وتاب منه، فإنه يغفر له ما سلف، حتى الكفار إذا تابوا غفر الله لهم ما سبق.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: من الآية 38] كل ما مضى.
ولكن نظرًا لأن هذين الصحابيين رضي الله عنهما، أرادا أن يُعزِّرا من خالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام، إما بقولِه وإما بفعلِه، ولو عن اجتهادٍ؛ لأن بلال بن عبد الله بن عمر، إنما قال ذلك عن اجتهادٍ، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعارض قولَ الرسول هذه المعارضة الظاهرة، ولو أنه قال مثلًا: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أذِنَ لهنَّ في زمن كانت النياتُ فيه سليمةً، والأعمالُ مستقيمةً، وتغيَّرت الأحوال بعد ذلك، وأتى بالكلام على هذا الوجه، لكان أهون.
ولهذا قالت عائشةُ رضي الله عنها - وهي فقيهة -: لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء من بعده لمنَعهُنَّ - يعني من المساجد - كما منعت بنو إسرائيل نساءها.
ولكن على كل حال ما فعله عبدُ الله بن مغفَّلٍ، وعبدُ الله بنُ عمر رضي الله عنهما، يدل على تعظيم السُّنَّةِ، وأن الإنسان يجب أن يقولَ في حكم الله ورسوله: سَمِعنا وأطَعنا.
والله الموفق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2 /312 - 315)