أرشيف المقالات

الفوائد الصحيحة من الأحاديث الضعيفة

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الفوائد الصحيحة من الأحاديث الضعيفة

الحديث الضعيف لا يعني ردَّه كالموضوع، بل يعني التوقُّف في نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، مع احتمال كونه صحيحًا في نفس الأمر، فإذا كان ضعفه يسيرًا، وجاء ما يشهد له في رواية أخرى ضعيفة، ارتقى للقبول، وبعض الأحاديث الضعيفة يختلف علماء الحديث في تصحيحها وتضعيفها.
 
واعلم أن كثيرًا من الأحاديث الضعيفة أصلها كلام بعض علماء الصحابة أو التابعين، فجعلها بعض الضعفاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو أرسلها بعض الثقات، ولم يبيِّن الواسطة، فحكم عليها المحدِّثون بالضعف، وإن كان معناها صحيحًا؛ فغالب الأحاديث الضعيفة يمكن الاستفادة منها في المواعظ والآداب ونحوها، من غير أن ننسُبَها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعني الحكم بضعف الحديث أن يهمل الموضوع، فتنبَّه يا طالبَ العلم.
 
ومن الأحاديث الضعيفة التي معناها صحيح:
((الكيِّس من دان نفسه، وعمِل لِما بعد الموت)).
 
• كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول إذا خرج من الخلاء: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني))، هذا حديث ضعيف، لكن صحَّ من قول أبي ذر وحذيفة وغيرهما من الصحابة؛ كما في أول مصنف ابن أبي شيبة، ونستفيد من هذا التذكيرَ بهذه النعمة التي تحتاج شكرًا، ومن قال ذلك بعض الأحيان، فقد أحسن؛ فهو دعاء وثناء على الله سبحانه.
 
((الماء طهور إلا ما غُيِّر طعمُه أو لونه أو رِيحُه))؛ هذا حديث ضعيف، لكن معناه صحيح عند الفقهاء، وكأنه قاله بعض فقهاء الصحابة أو التابعين، فنسبه بعض الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
 
فحبذا باحث ينشط لجمع الفوائد الصحيحة من الأحاديث الضعيفة، وسيجد كثيرًا من الحِكَمِ والآداب والمواعظ، التي لو قالها أحد المعاصرين، لاستحسنَّاها منه، فما بالك بكونها مروية بالأسانيد في القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخيرية؟!
 
فكثير من الأحاديث الضعيفة هي قول أحد علماء الصحابة أو التابعين أو أتباعهم، كما نجد التصريح بذلك في الكتب المسنَدة؛ كمصنف عبدالرزاق الصنعاني، ومصنف ابن أبي شيبة، وكتب الزهد.
 
سبحان الله! كم في الأحاديث الضعيفة من فوائد! ولذلك كتبها علماء الحديث في مصنفاتهم، وحفِظوها لمن بعدهم.
 
وينبغي لطالب العلم الاعتناء أولًا بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، لا سيما الصحيحان، ويهتم بتفسير القرآن وفقه الأحاديث وشروحها، ثم بعد ذلك يستفيد من الكتب الجامعة لأقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم، ثم بعد ذلك يستفيد من الكتب الجامعة للأحاديث الضعيفة؛ ككتب المراسيل، والمعاجم، والأجزاء الحديثية، بل يستفيد من كتب الشعر والأدب، والأمثال والتراجِم، ونحوها، ففيها فوائدُ وآدابٌ، وحِكَمٌ ومواعظُ، وإن من الشعر لَحكمةً، وإن كان قائله مشركًا جاهليًّا، و((الحكمة ضالَّة المؤمن أنَّى وجدها، فهو أحق بها))؛ وهذا حديث ضعيف، لكن معناه صحيح.
 
اﻷحاديث النبوية 4 أقسام:
1- صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث، فيجب قَبوله.
 
2- موضوع بلا خلاف بين أهل الحديث، فيجب ردُّه.
 
3- ضعيف بلا خلاف بين أهل الحديث، ومعنى كونه ضعيفًا أنه يتوقف في قبوله ورده، ولا يُنسَب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وإن كان معناه صحيحًا، لكن بعض الأحاديث الضعيفة ضعفها غير شديد، فرأى بعض العلماء العملَ بها في فضائل الأعمال، ورأى بعضهم العمل بها إن لم يكن في المسألة غيرها، ورأى بعضهم عدم العمل بها مطلقًا.
 
4- مختلَف في تصحيحه وتضعيفه بين أهل العلم، فمن أخذ بأحد القولين اجتهادًا أو تقليدًا، فلا حرج عليه؛ لأن مَبْنَى التصحيح والتضعيف على غلبة الظنِّ، وقد يصل العالِم أو الباحث إلى اليقين في حكمه بصحة حديث أو ضعفه، لقرائن تحتَفُّ بالحديث عند جمع طرقه، والنظر في مَتْنِهِ وأسانيده؛ قال الحافظ ابن حجر في [فتح الباري، ج: 1، ص: 585]: "تعليل اﻷئمة للأحاديث مبنيٌّ على غلبة الظن".

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢