الكذب: تعريفه وأنواعه
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الكذب تعريفه وأنواعه
من آفات اللسان الخطيرة، ومن شروره المستطيرة الكذب، وهو من أقبح هذه الآفات على صاحبه، ومن أسوئها أثرًا، وأشدها خطرًا، ولم لا؟ والكذب أقرب طريق إلى النار، وهو شعبة من شعب النفاق، بل النفاق أثرٌ من آثاره، وهو سبب محق البركة، وعلامة ذهاب الإيمان، وسبب الريبة والاضطراب.
حَد الكَذب:
إذا كان الصدق هو مطابقة الكلام للواقع، فإن الكذب هو مخالفة الكلام للواقع، وإن شئت فقل مخالفة السر للعلانية.
أنْوَاعُ الْكَذِبِ:
الْكَذِبُ عَلَى اللهِ تَعَالَى:
أقبح أنواع الكذب على الإطلاق الكذب على الله تعالى، وتقدم الحديث عنه عند الكلام على آفة القول على الله بغير علم.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾[1].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾[2].
الْكَذِبُ عَلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:
وأشنع أنواع الكذب بعد الكذب على الله تعالى، الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه بالنار، وسخطِ الجبار، وذلك لأن الذي يتعمد الكذبَ على النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى تبديل دين الله تعالى، وتغيير شرعه، ويؤذنُ قبيحُ فعلهِ، وسوءُ عملهِ، بانسلاخه من الدين، وسوء معتقده، نسأل الله العفو والعافية.
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ"[3].
وعَنْ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"[4].
الْكَذِبُ عَلَى الْنَّاسِ:
النوع الثالث من أنواع الكذب، الكذب على الناس، ومع أنه أقل أنواع الكذب خطرًا، وأخفها على صاحبه أثرًا إلا أنه من الكبائر، ومنافٍ للإيمان، وسبب محق البركة، وعلامة من علامات النفاق، وأقرب الطرق للنار، وسبب الريبة والاضطراب، ومن اتصف به كان أبعدَ الناس عن الهداية، وأقرَبَهم إلى الغواية.
أَثرُ الْكَذِبَ:
الْكَذِبُ سَبَبُ مَحْقُ البَرَكَةِ:
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"[5].
الْكَذِبُ رِيبَةٌ:
عن أبي الحوراء السعدي قال قلت للحسن بن علي: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَالا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طمأنينة وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَة"[6].
وسبب الريبة أن آفة الكذاب نسيان كذبه؛ لذلك يظل متخوفًا من أن يفتضح أمره، ويطلع الناس على كذبه، وسوء فعله.
إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل
لدى الناس كذاباً وإن كان صادقا
ومن آفة الكذاب نسيان كذبه
وتلقاه ذا ذهن إذا كان حاذقا
الْكَذِبُ مستقبحٌ عِندَ كل ذي عقل:
من مساوئ الكذب وقبحه أنه مذموم في سائر الشرائع، ومستقبح عند كل صاحب عقل، ويستنكف منه البر والفاجر، والمؤمن والكافر، ودليل ذلك ما حكاه أبو سفيان ابن حرب رضي الله عنه عما جرى قبل إسلامه بينه وبين هرقل فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ.....
"[7].
وروى ابن عساكر أن سليمان بن يسار دخل على هشام بن عبد الملك فقال له: يا سليمان الذي تولى كبره من هو؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: كذبت هو علي، قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول فدخل الزهري فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ فقال: ابن أبي.
قال: كذبت هو علي، قال: أنا أكذب؟ لا أبا لك والله لو نادى مناد من السماء أن الله قد أحل الكذب ما كذبت، حدثني عروة وسعيد وعبد الله وعلقمة عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي"[8].
وقال معاوية رضي الله عنه يوماً للأحنف بن قيس رضي الله عنه وقد حدثه: أتكذب؟ قال: والله ما كذبت منذ علمت أن الكذب شين.
[1] سورة الأنعام: الآية/21.
[2] سورة الأنعام الآية /93.
[3] رواه البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، حديث: 105، ومسلم، باب في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث:2.
[4] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت- حديث:1242، ورواه مسلم باب في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث: 5.
[5] رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا - حديث:1989 ، ورواه مسلم، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان - حديث: 2904.
[6] رواه أحمد حديث: 1675، والترمذي كتاب الذبائح، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب حديث:2502 بسند صحيح.
[7] رواه البخاري، باب بدء الوحي، حديث :7 ، ورواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى - حديث: 3409.
[8] تاريخ دمشق لابن عساكر - رضي الله عنه 55/ 371).