أرشيف المقالات

إثبات رواية الزهري أحاديث في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
إثبات رواية الزُّهْري أحاديث في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
 
ألَّف أبو القاسم عبدالله بن أحمد الكعبي البلخي الخراساني المعتزلي المتوفى سنة 319 هجرية كتابًا أسماه "قبول الأخبار ومعرفة الرجال"، وهو كتاب سيء مليء بالجهالات والمغالطات، وقد حشد فيه بعض أخطاء رواة الحديث مما نبَّه أهلُ الحديث على أخطائهم، فتصيَّدها لينفر الناس من الأحاديث النبوية، وليوهم الناس أن أهل الحديث مغفلون، مع أن كثيرًا مما ذكره يدل على خلاف مقصده، لكنه لم يصرح بأن الذي بيَّن تلك الأخطاء هم جهابذة أهل الحديث، وأنهم لا يجاملون أحدًا إذا أخطأ ولو كان شعبة أو الثوري أو يحيى بن معين أو غيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ومن غرائبه أنه حشد أسماء كثير من الرواة الضعفاء والمتروكين، منكرًا على أهل الحديث أنهم رووا عنهم، مع أن علماء أهل الحديث هم الذين بيَّنوا ضعفهم ونكارة أحاديثهم، وأنكروا رواياتهم، وإنما استفاد ذلك من كتبهم!
 
ومن أوابده أنه تكلم على جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ كأبي هريرة، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وأنس بن مالك، وسَمُرة بن جندب رضي الله عنهم، ولا عجب فإنه كان أحد أئمة المعتزلة، وكان رأس طائفة منهم تسمى الكعبية، وله آراء ومقالات في الكلام انفرد بها، وقد ضلَّله بعض المعتزلة فضلًا عن غيرهم.
 
والأكاذيب والأوهام في هذا الكتاب كثيرة جدًّا لا تخفى على طلاب العلم، ومما استغربته في حطه من التابعي الجليل محمد بن شهاب الزُّهْري رحمه الله زعمه أنه لم يروِ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فضيلة قط (1/ 269)! ويريد الكعبي بهذا القول أن يوهم الناس أن الزُّهْري ناصبي يبغض أهل البيت!
 
وبأدنى بحث في كتب الحديث تعلم أن هذا القول ظَنٌّ كاذب أو افتراء متعمد، فقد روى الزُّهْري أحاديث في فضل علي بن أبي طالب وأهل البيت، منها:
ما رواه البخاري في صحيحه (3610) من طريق الزُّهْري في قتال علي للخوارج.
 
وفي صحيح مسلم (2449) من طريق الزُّهْري عن علي بن الحسين عن المسور بن مخرمة في فضل فاطمة وأنها مضغة من النبي صلى الله عليه وسلم.
 
وفي مصنف عبدالرزاق الصنعاني (9722) قال عبدالرزاق: أخبرنا معمر قال: سألت الزُّهْري عن الذي كتب الكتاب يوم الحديبية فقال: علي بن أبي طالب.
 
وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده (3606) بإسناد حسن من طريق معمر عن الزُّهْري عن أنس بن مالك أن علي بن أبي طالب كان يوم حنين أشد الناس قتالًا بين يدي رسول الله.
 
وروى النسائي (2609) بإسناد صحيح عن ابن شهاب الزُّهْري عن عبدالله بن الحارث، عن ربيعة بن الحارث، عن أبيه، قصة فيها تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في كون الصدقة لا تحل لمحمد ولا ﻵل محمد صلى الله عليه وسلم.
 
وروى أبو يعلى الموصلي (2550) من طريق أبي جعفر الباقر والزُّهْري عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس أنه سُئل عن سهم ذوي القربى، لمن هو؟ فقال: هو لنا أهل البيت.
 
وروى الحاكم في المستدرك (4338) من طريق موسى بن عقبة عن الزُّهْري قال: قتل من المشركين يوم الخندق عمرو بن عبد، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
 
وروى الطبراني في المعجم الكبير (328) من طريق الزُّهْري عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، وقد ثبت في روايات أخرى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعلي هذا الكلام حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، فحزن علي رضي الله عنه؛ لكونه لن يذهب مع النبي للجهاد، فأخبره أنه استخلفه على المدينة مثلما استخلف موسى هارون حين ذهب إلى الطور.
 
ومما رواه الزُّهْري في فضل فاطمة رضي الله عنها أنها من سيدات نساء أهل الجنة؛ رواه الحاكم في المستدرك (4854).
 
وروى البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما من طريق الزُّهْري عن أنس قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي.
 
هذه بعض النقول التي تكفي لإبطال القول بأن الزُّهْري لم يرْوِ شيئًا من فضائل علي أو أهل البيت.
 
وقد روى الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (55/ 371) من طريق يعقوب السدوسي قال: حدثني الحلواني، قال: حدثنا الشافعي، قال حدثنا عمي، قال: دخل سليمان بن يسار على الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك بن مروان، فقال: يا سليمان، من الذي تولَّى كِبْرَه منهم؟ قال: عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول، قال: كذبت، هو علي! فدخل ابن شهاب، فسأله هشام، فقال: هو عبدالله بن أُبَيٍّ، قال: كذبت، هو علي! فقال الزُّهْري: أنا أكذب لا أبا لك! فوالله لو نادى منادٍ من السماء: إن الله أحل الكذب، ما كذبت، حدثني سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبدالله، وعلقمة بن وقاص، كلهم عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبدالله بن أُبَيٍّ، قال: فلم يزل القوم يغرون به.
فقال له هشام: ارحل، فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك.
 
هذا، وإن من أشهر مشايخ الزُّهْري: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بزين العابدين، وقد قال عنه الزُّهْري: ما رأيت قرشيًّا أفضل من علي بن الحسين.
 
ويحسن بنا أن نختم هذا المقال بترجمة مختصرة للإمام الزُّهْري:
هو محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب الزُّهْري القرشي، يلتقي نسبه بنسب النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
 
نشأ في المدينة النبوية، وحفظ القرآن، وطلب العلم والحديث عند سيد التابعين سعيد بن المسيب 8 سنوات متواصلة وتفَقَّه به.
 
وسمع الحديث من بعض الصحابة الذين تأخَّر موتهم؛ كأنس بن مالك، وسهل بن سعد الساعدي، وحرص على سماع الأحاديث النبوية من كبار التابعين وأبناء الصحابة الذين أدركهم في المدينة؛ كعروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، وغيرهم، وبلغ عدد شيوخه الذين سمع منهم 247.
 
وكان مشهورًا بسرعة الحفظ، وله أخبار عجيبة في الحفظ واﻹتقان، وكان عابدًا كريمًا قوَّالًا بالحق ناصحًا لأئمة المسلمين وعامتهم.
 
وهو أول من دوَّن السنة النبوية باستقصاء بأمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وكان مهتمًّا بتدوين السنة من قبل أن يأمره الخليفة بذلك، ما ترك شيئًا سمعه من السنة النبوية وأقوال الصحابة وأخبارهم إلا كَتَبَه، روى الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله كلاهما من طريق عبدالرزاق الصنعاني قال: أخبرنا معمر عن صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شيء سمعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه، فقلت: لا ليس بسنة، فقال: بلى هو سنة، قال: فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت.
 
وقال أبو الزناد: كنت أطوف أنا وابن شهاب [أي: لسماع الأحاديث] ومع ابن شهاب الألواح والصحف.
 
وعن إبراهيم بن سعد قال: قلت لأبي: بما فاقكم الزُّهْري؟ قال: كان يأتي المجالس من صدورها ولا يأتيها من خلفها، ولا يبقى في المجلس شابًّا إلا ساءله، ولا كهلًا إلا ساءله، ولا فتى إلا ساءله، ثم يأتي الدار من دور الأنصار فلا يبقي فيها شابًّا إلا ساءله، ولا كهلًا إلا ساءله، ولا عجوزًا إلا ساءلها، ولا كهلة إلا ساءلها.
 
وقال الإمام مالك وعبدالعزيز الدراوردي: أول من دوَّن العلم وكتبه ابن شهاب الزُّهْري.
 
روى عن الزُّهْري مشايخ شيوخ البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل؛ كمالك بن أنس، وعمرو بن دينار، وقتادة وأيوب السختياني، وأبي الزناد، ومعمر بن راشد، وابن جُريج، واﻷوزاعي، وابن إسحاق، وسفيان بن عيينة، وبلغ عدد الرواة الذين رووا عنه الحديث 236 راويًا.
 
وقد كان يحرص أئمة المحدثين على جمع أحاديث الزُّهْري كلها، وعددها 2200 حديث، رووها باﻷسانيد المتعددة عن تلاميذ الزُّهْري، وبَيَّن نُقَّاد المُحدِّثين الصحيح منها وهي نحو نصفها، وضعَّفوا ما رواه الزُّهْري عن قوم ضعفاء أو مجاهيل أو أرسلها من غير ذكر مَنْ حدَّثه بها، وبيَّنوا الروايات التي لا أصل لها من حديث الزُّهْري التي تفرَّد بها بعض تلاميذ الزُّهْري عنه ولم يتابعهم على روايتها غيرهم، بل بيَّن المُحدِّثون ما زاده بعضُ الضعفاء الذين رووا عن الزُّهْري ولو كلمة أو شذ به بعض الرواة ولو جملة!
 
توفي الزُّهْري رحمه الله بالقرب من فلسطين سنة 124 هجرية وعمره 72 عامًا.

شارك الخبر

المرئيات-١