أرشيف المقالات

الدعوة إلى طلب العلم النافع بكل مجالاته

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
مجالات الدعوة في القرآن الكريم وأصولها (7)
الدعوة إلى طلب العلم النافع بكل مجالاته
 
ومن مجالات الدَّعوة في القُرآن دعوتُه الصادقة إلى طلب العلم النافع في عُلوم الدِّين والدُّنيا معًا، بكلِّ مجالاته وفروعه.
 
أسباب تحصيل العلم:
ولا يخفَى شأنُ العِلم والعُلَماء في دِين الإسلام وعُلوُّ قدره ومكانته؛ فإنَّ القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة بيَّنَا منزلةَ العلم الرَّفيعةَ، ومَقامَه العالي، كما دعا القُرآن والسُّنَّةُ إلى الأخْذ به، والحث عليه، ومعرفة أسباب تحصيل العلم وجمعه، والتي تتمثَّل في ثلاثة أسبابٍ، وهي:
1- القراءة.
2- النظَر والتفكُّر في ملكوت السموات والأرض.
3- السَّير في الأرض[1].
 
فهذه هي التي تمدُّ الإنسان بالكثير من العِلم الصحيح والمعرفة النافعة.
 
أمَّا القراءة:
فقد أشاد القرآن بها، وأعلى من قدرها، وذلك في أوَّل آياته المنزلة على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في قوله - تعالى -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].
وقوله - تعالى -: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1].
 
وأمَّا النظَر والتفكُّر:
فالآيات فيه كثيرةٌ، منها:
قولُ الله - سبحانه -: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، وقوله - تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 185].
 
وقوله - سبحانه -: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190-191].
 
وأمَّا السَّيْرُ والسياحة في الأرض:
فقد أرشَدَ الله إليها بقوله - تعالى -: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
 
وقوله - سبحانه -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 19-20].
 
وغير ذلك من الآيات الداعية إلى القِراءة والتفكير والسير، والتي بها تحصيلُ العلم الهادي.
 
ضرورة العلم في الحياة:
ومن هنا تبرز لنا أهميَّة الدعوة القُرآنيَّة إلى العلم وأسباب تحصيله، وما ذلك كلُّه إلا لأنَّ العلمَ من المصالح الضَّروريَّة التي تقومُ عليها حياة الأمَّة، بمجموعها وآحادها، فلا يستقيمُ نظامُ الحياة مع الإخْلال بها، بحيث لو فاتَتْ تلك المصالح الضروريَّة لآلتْ حالُ الأمَّة إلى الفَساد، ولحادَتْ عن الطريق الذي أرادَه لها الشارع.
 
يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله -: "والحِفظ لها - أي: للمصالح الضروريَّة - يكونُ بأمرين:
أحدهما: ما يقيمُ أركانها، ويُثبت قواعدها، وذلك بمراعاتها من جانب الوجود.
والثاني: ما يدرَأُ عنها الاختلال الواقع أو المتوقَّع فيها، وذلك عِبارةٌ عن مُراعاتها من جانب العدَم"[2].
 
والعلمُ بلا ريب يسلك في هذه المصالح الضَّروريَّة التي تجبُ مُراعاتها من الجانبين المذكورين؛ وذلك للأسباب التالية:
1- لأنَّ حاجتنا إليه لا تقلُّ عن حاجتنا إلى المأكل والمشرب، والملبس والدَّواء؛ إذ به قوام الدِّين والدُّنيا.
 
2- لأنَّ المستعمِرين، بل المحتلين الحاقدين، إنما احتلُّوا بلادَ المسلمين لأسبابٍ كثيرة، بَيْدَ أنَّ من أهمها جهلَ المسلمين.
 
3- انتشار المذاهب الهدَّامة، والنِّحَلِ الباطلة، وما حدَث ذلك إلا لأنها وجَدتْ قُلوبًا خاليةً فتمكَّنت منها؛ كما قال الشاعر:
أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الهَوَى ♦♦♦ فَصَادَفَ قَلْبًا خَالِيًا فَتَمَكَّنَا
 
فإنَّ القلوب التي لا تتحصَّن بالعِلم الشرعي تكونُ عُرضةً للانخِداع بالضَّلالات، والوُقوع في الانحِرافات.
 
4- وإنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجبٌ[3]، وهذه قاعدة شرعيَّة معلومة وواضحة.
 
والعلم الذي يطلبه الإسلام هو:
الوحي: كتابًا وسنَّةً، عقيدةً وشريعة.
والعلوم المستمدَّة من الوحي هي: التفسير، والسُّنَّة، والتوحيد، والفقه، والتاريخ الإسلامي، والنظام الإسلامي.
 
وما وراء ذلك من عُلوم الكون، فهو ممَّا يدعو إليه الإسلام، ويحثُّ عليه؛ لتُعرَف سننُ الله في الكون، وأسرارُه في الخلق، وحكمتُه في الوجود.
 
ودراسة العُلوم الكونيَّة والإنسانيَّة لا تقلُّ في أهميَّتها عن دِراسة العلوم الشرعيَّة، وهي: عُلوم الطبيعة، والكيمياء، والفلك، والأحياء والنبات، والنفس والاجتماع، والتاريخ العام[4].
 
وقد تبنَّى القرآن الكريم الدعوة إلى مثْل هذه العلوم في محكم آياته، فمن ذلك:
قوله - تعالى -: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 6 - 11].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ  * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 27-28].
 
والمقصود بالعلماء في هذه الآية علماء الكون والماء والنبات والجبال والناس والدَّواب والحيوانات، لا العلماء بالصلاة والصيام والزكاة والحج فقط.
 
وقال - تعالى -: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50].
 
وقال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43-44].
 
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20-21].
 
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ﴾ [فصلت: 53-54].
 
وقال - سبحانه -: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾ [الطارق: 5 - 7].
 
كلُّ هذه الآيات الكريمة وغيرها تتحدَّث عن العُلوم الكونيَّة والإنسانيَّة والتي دعا إليها القُرآن الكريم وأكَّد الدعوة على طلَبِها.
 
أمَّا الآيات التي تدعو إلى العِلم النافع عُمومًا وإطلاقًا والحث على فَضلِه وطلَبِه، سواء أكان هذا العلم في أمور الدِّين أو الدُّنيا، فهي كثيرةٌ كذلك، فمنها:
قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].
 
وقوله - سبحانه -: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19].
 
وقوله - سبحانه -: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].
 
وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 59].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9].
 
وقوله - سبحانه -: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].
 
وقوله - سبحانه -: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
وقوله - تعالى -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ﴾ [محمد: 19].
وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].

[1] "عناصر القوة في الإسلام"؛ السيد سابق.

[2] "الموافقات"؛ للشاطبي.

[3] "العلم ضرورة شرعية"؛ ناصر العمر.

[4] "عناصر القوة في الإسلام"؛ السيد سابق.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢