آداب المتعلم داخل الفصل ومع الكتاب (1)
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
آداب المتعلم داخل الفصل ومع الكتاب (1)قلة الحركة داخل الفصل:
من آداب المتعلم داخل الفصل: قلة الحركة، إلا لأمر ضروري يحتاجه المتعلم؛ لأن كثرة الحركة داخل الفصل، تضيع تركيز المعلم، وتشتت انتباه المتعلمين، ويضيع بسببها الكثير من الوقت، وقد كان المربون المسلمون الأوائل، يحرصون على أن يلتزم المتعلم بقلة الحركة داخل الموقف التعليمي، وقد أشار إلى ذلك ابن مفلح المقدسي رحمه الله فقال: "سمع وكيع بن الجراح كلام أناس من أصحاب الحديث وحركتهم، فقال: يا أصحاب الحديث، ما هذه الحركة؟ عليكم بالوقار"[1].
وأشار ابن مفلح رحمه الله إلى ذلك أيضًا في موضع آخر فقال: "ورأى الفضيل بن عياض قومًا من أصحاب الحديث بهم بعض الخفة، فقال: هكذا تكونون يا ورثة الأنبياء!"[2].
آداب المتعلم مع الكتاب:
يقول الجاحظ: (أهدى بعض الكتَّاب إلى صديق له دفترًا وكتب معه: "هديتي هذه، أعزك الله، تزكو على الإنفاق، وتربو على الكد، لا تفسدها العواري، ولا تخلقها كثرة التقليب، وهي أُنس في الليل والنهار، والسفر والحضر، تصلح للدنيا والآخرة، تؤنس في الخَلوة، وتمنع من الوحدة، مسامر مساعد، ومحدِّث مطواع، ونديم صدق"[3].
وقد قال ابن مفلح رحمه الله:
"نعم المُصاحب والجليس كتاب
تلهو به إن خانك الأصحابُ
لا مفشيًا عند القطيعة سرَّه
وتُنالُ منه حكمةٌ وصوابُ[4]".
وقد ذكر ابن مفلح رحمه الله آدابًا عدةً، ينبغي للمتعلم أن يتأدب بها مع الكتاب، وقد وضعها الباحث في مجموعة نقاط كالتالي:
احترام الكتاب:
أشار ابن مفلح رحمه الله إلى أنه ينبغي على المتعلم أن يحترم الكتاب، ولا يهينه بأي شكل من الأشكال فقال: "وقال[5]: دخلت عليه يومًا ومعي كتاب له، فرميت به من قامتي، فانتهرني وقال: ترمي بكلام الأبرار؟!"[6].
وأشار ابن مفلح رحمه الله إلى ذلك في موضع آخر فقال: "ويشبه هذا رمي الكتاب بالأرض، وقد فعله رجل عند أحمد فغضب، وقال: هكذا يفعل بكلام الأبرار!"[7].
حب الكتاب:
وحب الكتاب هو الذي يدفع المتعلم إلى احترام الكتاب، يشير ابن مفلح رحمه الله إلى هذه المحبة فيقول:
قال: "ابن هانئ:
أفدي الكتاب بناظري، فبياضُه = ببياضه، وسواده بسواده"[8]
عدم النظر في كتاب غيره إلا بإذنه:
والكتاب له حرمة يجب أن ترعى، وحمًى لا يجوز تجاوزه؛ لذا فقد أشار ابن مفلح رحمه الله إلى ذلك فقال: "فصل في نظر الرجل في كتاب غيره بإذنه أو رضاه"، ثم نقل ابن مفلح رحمه الله في هذا الأدب كلامًا لأهل العلم فقال: "قال الخلال: كراهية النظر في كتاب الرجل إلا بإذنه، قال أبو بكر بن عسكر: كنت عند أبي عبدالله، وعنده الهيثم بن خارجة، فذهبت أنظر في كتاب أبي عبدالله، فكرِه أبو عبدالله أن أنظر في كتابه، واطلع عبدالرحمن بن مهدي في كتاب أبي عوانة بغير أمره فاستغفَر الله مرتين"[9].
وقال ابن مفلح رحمه الله: "وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه، فكأنما ينظر في النار"، قال ابن الأثير في النهاية: وهذا محمول على الكتاب الذي فيه سر وأمانة، يكره صاحبه أن يُطلَع عليه، قال: وقيل: هو عام في كل كتاب"[10].
إعارة الكتاب:
من الآداب التي ينبغي أن يتأدب بها المتعلم: إعارة الكتب؛ لينتشر العلم، وتعم الفائدة، وقد أشار ابن مفلح رحمه الله إلى ذلك فقال: "فصل في بذل العلم، ومنه إعارة الكتب"، ثم أشار ابن مفلح رحمه الله إلى أدب إعارة الكتب، فقال: "وقال ابن الجوزي: ينبغي لمن ملَك كتابًا ألا يبخَل بإعارته لمن هو أهله، وكذلك ينبغي إفادة الطالبين بالدلالة على الأشياخ، وتفهيم المشكل؛ فإن الطلبة قليل، وقد عمهم الفقر، فإذا بخل عليهم بالكتاب والإفادة كان سببًا لمنع العلم، وقال وكيع: أول بركة الحديث: إعارة الكتب"[11].
ثم أشار ابن مفلح رحمه الله إلى أدب من آداب المستعير للكتاب، وهو أنه إذا فرغ من الكتاب، لا يجوز له أن يعيره غيره إلا بإذن صاحبه، فقال رحمه الله: "قال الخلال: كراهية حبس الكتاب، قال المروذي: قلت لأبي عبدالله: رجل سقطت منه ورقة فيها أحاديث فوائد فأخذتها، ترى أن أنسخها وأسمعها؟ قال: لا، إلا بإذن صاحبها"[12].
[1] (المرجع السابق): ج1.
ص283.
[2] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج1.
ص283.
[3] الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي، أبو عثمان.
المحاسن والأضداد.
دار ومكتبة الهلال، بيروت.
1423 هـ.
ج1.
ص21 - 22.
[4] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج4.
ص262.
[5] القائل هو إسحاق بن إبراهيم، يقص خبره مع الإمام أحمد بن حنبل.
[6] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج2.
ص131.
[7] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج4.
ص45.
[8] (المرجع السابق): ج2.
ص366.
[9] (المرجع السابق): ج2.
ص272 - 273.
[10] (المرجع السابق): ج2.
ص273.
[11] المقدسي، محمد بن مفلح.
الآداب الشرعية.
(مرجع سابق).
ج2.
ص275.
[12] (المرجع السابق): ج2.
ص274.