أرشيف المقالات

ما الحكمة في ذكر السبعين في قوله تعالى: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)؟

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
ما الحكمة في ذكر السبعين في قوله تعالى:
﴿ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾؟
 
قال الله سبحانه وتعالى لرسوله: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 80].

قيل عن السبعين: "المراد بالسبعين الكثرةُ وليس تمام العدد، كما هو المألوف في الاستعمال العربيِّ والقرآنيِّ لكلمة (سبعين)؛ أي: إنْ تستغفر لهم كثيرًا"، ولا يستقيم هذا القول في الاستعمال القرآنيِّ لكلمة سبعين؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ﴾ [الأعراف:155]، ولم يقل أحدٌ: إنه بمعنى اختار كثيرًا من الرجال.

وقيل: "السبعين غاية الكمال"، ولا يستقيم هذا القول كذلك، بل صحَّ في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله إني لأستغفر اللهَ وأتوبُ إليه في اليوم أكثرَ من سبعين مرة))؛ رواه البخاري.


ولو كان الكمال في السبعين، لاكتفى به، بل المائة أكمل، كما روى مسلم في صحيحه عن الأغرِّ المزنيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه لَيُغانُ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))؛ رواه مسلم.

وكمال الذِّكر من أذكار الصباح والمساء، والنوم، وبعد الصلوات المكتوبات - غالبًا ما يكون في المائة، وكذلك كمال النعيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((في الجنة مائة درجة، ما بين كلِّ درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجةً؛ منها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش؛ فإذا سألتم اللهَ فاسألوه الفردوس))؛ صحيح الترمذي.

فما الحكمة إذًا في ذكر السبعين؟
إذا تأمَّلنا الآية التي تليها، وهي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة:81]؛ ذكر سبحانه وتعالى تضعيف نارِ جهنَّم بالنسبة لنار الدنيا؛ فقال: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان هذا التضعيف كما صحَّ عن أبي هريرة في الحديث المتفق عليه: ((نارُكم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم))[1].

فمعنى الآية: لو استغفرت لهم بعدد هذه الأجزاء من نار جهنم، فلن يغفر الله لهم، وسيوفِّيهم نصيبَهم منها غيرَ منقوص.
والله تعالى أعلم، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.




[1] جهنَّم لها سبعون ألف زمام، كما صحَّ عند مسلم في حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كلِّ زمام سبعون ألف ملَك يجرُّونها))، وبيَّن لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قعرَها؛ فقال: ((لو أن حجرًا يُقذَف به في جهنم، هوى سبعين خريفًا قبل أن يبلغ قعرها))؛ الصحيحة، وهي نفس المسافة التي يباعدها الله عن وجه مَن يصوم يومًا في سبيله؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((لا يصوم عبدٌ يومًا في سبيل الله إلا باعَدَ الله تعالى بذلك اليومِ النارَ عن وجهه سبعين خريفًا))؛ صحيح النسائي.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن