شرح المقصود بالإسلام
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
شرح المقصود بالإسلامقال المصَنِّفُ: وفي "الصحيح"[1]، عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه[2] أَنَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله.
تعريف الشهادة:
قال العلامة الهراس في "شرح الواسطية" (ص21): الشهادة الإخبار بالشيء عن علمٍ به، واعتقاد لصحته وثبوته.
ولا تعتبر الشهادة إلا إذا كانت مصحوبة بالإقرار، والإذعان، وواطأ القلب عليه اللسان، فإن الله قد كذب المنافقين في قولهم: ﴿ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون:1]؛ اهـ.
وللبسط والإيضاح راجع "شرح ابن أبي العز على الطحاوية" (ص19).
معنى لا إله إلى الله وبيان مقتضاها:
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب النجدي في رسالته القيمة "الأصول الثلاثة": وتفسيرها أي: تفسير لا إله إلا الله الذي يوضِّحها: قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزخرف: 27]؛ اهـ.
ذكر التقدير الصحيح لخبر (لا) وغلط من قدره (موجود):
قال العلامة صالح آل الشيخ حفِظه الله في "التمهيد" (ص91): عُلم أن مشركي قريش لم يكونوا ينازعون في الربوبية، فصارت هذه الكلمة إذًا دالة على غير ما أراد أولئك المتكلمون، وهو ما ذكرناه آنفًا من أن معنى: (لا إله) هو لا معبود، وأن تقدير الخبر: (موجود).
فيكون المعنى: لا معبود موجود إلا الله، وهذا باطل؛ لأننا نرى أن المعبودات كثيرة، وقد قال جل وعلا مخبرًا عن قول الكفار: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [ص:5]، فدل ذلك على أن المعبودات كثيرة، والمعبودات موجودة، فتقدير الخبر بـ(موجود) غلط.
ومن المعلوم: أن المتقرر في علم العربية أن خبر (لا) النافية للجنس يكثر حذفُه في لغة العرب، وفي نصوص الكتاب والسنة:
من ذلك أن خبر (لا) النافية للجنس، يحذف إذا كان المقام يدل عليه.
و أيضًا إذا كان السامع يعلم ما المقصود من ذلك.
وقد قال ابن مالك في آخر باب (لا) النافية للجنس لَمَّا ساق هذه المسألة:
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ♦♦♦ إذا المراد مع سقوطه ظهر
فإذا ظهر المراد مع حذف الخبر، فإنك تحذف الخبر؛ لأن الأنسب أن يكون الكلام مختصرًا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طِيَرةَ ولا هامةَ، ولا صفرَ ولا نوءَ ولا غولَ»[3]، فأين الخبر فيما تقدم؟
الجواب: أنه في كل ذلك محذوف؛ لكونه معلومًا لدى السامع.
إذًا: فخبر (لا إله) معلوم، ولا يصح تقديره: بـ(موجود)؛ لأن الآلهة التي عبدت مع الله موجودة.
فالصحيح: تقدير الخبر بقولك: بِحَقٍّ أو حَقٌّ؛ يعني: لا إله بحق أو لا معبود بحق، أو لا معبود حق إلا الله، وإن قدرت الظرف فلا بأس، أو قدرت كلمة مفردة فلا بأس.
فلا معبود حق إلا الله: هذا معنى كلمة التوحيد، فيكون كل معبود غير الله جل وعلا قد عبد، ولكن هل عبد بالحق، أو عبد بالباطل، والظلم، والطغيان، والتعدي؟!
الجواب: أنه قد عبد بالباطل، والظلم، الطغيان، والتعدي، وهذا يفهمه العربي بمجرد سماعه لكلمة لا إله إلا الله، ولهذا قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: بئس قوم أبو جهل أعلم منهم بـ(لا إله إلا الله)، فأبو جهل كان يفهم هذه الكلمة، وأبى أن يقولها.
ولو كان معناها: لا إله موجود، كما يزعم كثير من أهل هذا العصر وما قبله: لقالوها بسهولة، ولم يدروا ما تحتها من المعاني، لكنهم كانوا يعلمون أن معناها: لا معبود حق إلا الله، وأن عبادة غيره إنما هي بالظلم، فهل يقرون على أنفسهم بالظلم، والبغي والعدوان؟!.
وحقيقة معنى: (لا إله إلا الله)، هي ما شرحناه، وبيَّنَّاه؛ اهـ.
حكم قول القائل: لا يوجد إله إلا الله، وقول: لا إله موجود إلا الله؟
قال العلامة العثيمين في "شرح أصول التفسير" (ص13): قول القائل: لا يوجد إله إلا الله: هذا غير صحيح؛ لأن هناك آلهة تعبد من دون الله وتسمى آلهة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 117].
وقال: ﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله مِنْ شَيْءٍ ﴾ [هود: 101]، وغيرها من الآية التي أثبت الله للمشركين وجود آلهة، وهي حقيقة ليست بشيء.
وقول القائل: لا إله موجود إلا الله: هذا من القول بوحدة الوجود؛ لأن الله إله خالق السماوات والأرض، وهذه الأصنام إله، إذًا هم واحد، وبهذا يتعيَّن أن المعنى الصحيح لكلمة الشهادة هو: أنه لا إله حق إلَّا الله؛ اهـ.
الحكمة في أن لفظة: (أشهد) بصيغة المتكلم المفرد بخلاف غيرها فبصيغة الجمع؟
قال العلامة الألباني في "خطبة الحاجة" (ص9): يلاحظ هنا أن الفعل بصيغة المتكلم المفرد بخلاف الأفعال المتقدمة، فهي بصيغة الجمع.
وقد أبدى شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك حكمة لطيفة نقلها عنه تلميذه ابن القيم في "تهذيب السنن" (3/54)، فقال: والأحاديث كلها متفقة على أن نستغفره، ونعوذ به، والشهادتين بالإفراد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لَمَّا كانت كلمة الشهادة لا يتحملها أحدٌ عن أحد، ولا تقبل النيابة بحال أفرد الشهادة بها.
ولَمَّا كانت الاستعانة والاستعاذة والاستغفار تقبل ذلك، فيستغفر الرجل لغيره ويستعين الله له، ويستعيذ بالله له، أتى فيها بلفظ الجمع، ولهذا يقول: اللهم أعنا وأعذِنا واغفِر لنا.
قال ذلك في حديث ابن مسعود، وليس فيه نحمَده.
وفي حديث ابن عباس: نحمَده بالنون، مع أن الحمد لا يتحمله أحدٌ عن أحد، ولا يقبل النيابة.
وفيه معنى آخر: وهو أن الاستعانة، والاستعاذة، والاستغفار، طلب وإنشاء، فيستحب للطالب أن يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين.
وأما الشهادة فهي إخبار عن شهادته لله بالوحدانية ولنبيِّه بالرسالة، وهي خبر يطابق عقد القلب وتصديقَه، وهذا إنما يُخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله، بخلاف إخباره عن غيره؛ فإنه يخبر عن قوله ونُطقه لا عن عقد قلبه، والله أعلم؛ اهـ.
قلت أي الألباني: إن لفظة: نَحمَده، قد وردت في حديث ابن مسعود من طريقين، ووردت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند "مسلم"، وغيره؛ اهـ.
[1] المراد به "صحيح مسلم" فقد رواه برقم (8)، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه، أخرجه البخاري برقم (50)، ومسلم (97).
[2] هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعز بن رياح - بتحتانية - بن عبدالله بن قرط بن رزاح - براء ثم زاي خفيفة - بن عدي بن كعب القرشي العدوي، أمير المؤمنين مشهور جم المناقب، استُشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وولي الخلافة عشر سنين ونصفًا؛ ع، اهـ من "التقريب" (412).
[3] عن أبي هريرة رضي الله عنه في "مسلم" برقم (106).