int(50) array(0) { }

أرشيف المقالات

المجلس الثامن من مجالس شرح كتاب تعظيم العلم للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
المجلس الثامن
من مجالس شرح كتاب تعظيم العلم للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فمرحبًا بكم أحبتنا الكرام في المجلس الثامن من مجالس شرح تعظيم العلم.

نحاول اليوم إن شاء الله ونسعى جاهدين أن ندرس المعقدين الثامن والتاسع.
المعقد الثامن: لزوم التأني في طلبه – يعني: في طلب العلم - وترك العَجَلَة.
المعقد التاسع: الصبر في العلم تحمُّلًا وأداءً.

وقبل أن نبدأ أيها الأحبة الكرام مع هذين المعقدين:
• ورد في اللقاء الماضي سؤالٌ؛ وهو: ماذا لو كان المعلم غير مهتم بتوجيه الطالب لِما ينفعه؟

فنقول والله المستعان أيها الأحبة الكرام:
ينبغي لطالب العلم أن يتحمَّل مسؤولية نفسه؛ يعني: إذا وجد في معلمه خللًا، فلا بأس أن يبحث - مثلًا - عن معلم آخر، من هذا المعلم يتعلم هذا الفن، من هذا المعلم – مثلًا - يتعلم التوحيد، ومن ذاك المعلم يتعلم الفقه، وهكذا، هذا المعلم يحصل منه على توجيهات وإرشادات حول سَيْرِهِ في طلب العلم، ذاك المعلم ينجزه له ويساعده في وضع خطة، لا إشكال أن يكون لطالب العلم أكثر من معلم.

المهم أن الطالب ينبغي أن يكون لديه الدافع للاستمرار في طلب العلم، الشعور بالمسؤولية، أنه ينبغي عليه أن يبحث عن الطرق والوسائل التي تساعده في سيره في هذا الطريق الفاضل العظيم، وهو طريق العلم، فيبحث عمن يساعده سواء من المعلمين أو حتى من زملائه طلاب العلم.


ولذا ذكرنا في اللقاء الماضي:
أن من المهم بمكان أن يكون لطالب العلم صحبة تُعِينه - بعد عون الله تعالى - على الاستمرار في طلب العلم.

قال المصنف وفقه الله تعالى:
المعقد الثامن:
لزوم التأني في طلبه وترك العجلة:
إن تحصيل العلم لا يكون جملة واحدة؛ إذ القلب يضعُف عن ذلك، وإن للعلم فيه.
يعني: في القلب.

قال المصنف وفقه الله تعالى:
ثقلًا كثقل الحجر في يد حامله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]؛ أي: القرآن، وإذا كان هذا وصف القرآن الميسَّر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾ [القمر: 17]، فما الظن بغيره من العلوم؟!

وقد وقع تنزيل القرآن رعاية لهذا الأمر منجَّمًا، مفرَّقًا، باعتبار الحوادث والنوازل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، وهذه الآية حُجَّة في لزوم التأني في طلب العلم، والتدرج فيه، وترك العجلة؛ كما ذكره الخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه) والراغب الأصفهاني في مقدمة (جامع التفسير).

أيها الأحبة الكرام:
عندنا حديث يُعتبَر أصلًا في هذا الباب أيضًا؛ وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأناة من الله، والعَجَلة من الشيطان))، نعود لكلام المصنف.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
ومن شِعْرِ ابن النحاس الحلبي قولُه:






اليوم شيء وغدًا مثله
من نُخب العلم التي تُلتقَط


يحصِّل المرء بها حكمة
وإنما السيل اجتماع النُّقط







قال شعبة بن الحجاج.
شعبة عليه رحمة الله، كان يسمى أمير المؤمنين في الحديث.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
اختلفت إلى عمرو بن دينار خمسمائة مرة، وما سمعت منه إلا مائة حديث، في كل خمس مجالس حديث.

يقول: ذهبت وأتيت عمرو بن دينار خمسمائة مرة، وما سمعت منه إلا مائة حديث في كل خمسة مجالس حديث؛ يعني: حديث واحد فقط، على رسلك؛ هذا معنى الكلام، لا تستعجل في طلب العلم.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
وقال حماد بن أبي سليمان لتلميذ له: تعلَّم كل يوم ثلاث مسائل، ولا تَزِدْ عليها شيئًا.

ومقتضى لزوم التأني والتدرج: البُداءة بالمتون القِصار المصنَّفة في فنون العلم، حفظًا واستشراحًا، والميل عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد إليها، ومن تعرَّض للنظر في المطولات، فقد يجني على دينه، وتجاوَزَ الاعتدال في العلم.

طبعًا من تعرض للنظر في المطولات، وهو ليس مؤهلًا لها، هذا معنى السياق، بأن يكون - مثلًا - مبتدئًا في طلب العلم، ويذهب يقرأ في المطولات، وفي تفاصيل العلم والمسائل الدقيقة من العلم؛ قال المصنف: (فقد يجني على دِينه)؛ يعني: قد يؤثر على نفسه سلبًا.


ولذلك من المهم:
أن يعرف الطالب ماذا يدرس؟ وماذا يقرأ؟ وبماذا يبدأ؟ وما هي الكتب التي تناسب مرحلته؟ وما هي الدروس التي تناسب مرحلته؟ فإن هذا يجعله يسير على بصيرة دون تخبُّطٍ، ودون أن يتعرض لِما قد يضره ولا ينفعه.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
ربما أدى إلى تضييعه، ومن بدائع الحِكَمِ قول عبدالكريم الرفاعي أحد شيوخ العلم بدمشق الشام في القرن الماضي: (طعام الكبار سُمُّ الصغار).

فعلًا تعالَ إلى طفل مولود للتو، وأعطِه لحمًا ودجاجًا وأرزًا، قد يموت الطفل بين يدك، بلا شكٍّ؛ ولذلك قيل: (طعام الكبار سم الصغار)، هو طعام، هذا الطعام نافع، لو أعطيته شخصًا كبيرًا ينتفع به، لكن لما أعطيته للطفل الصغير، ضرَّه ذلك الطعام، وهكذا يضرب الشيخ هذا المثال حتى نستوعب معنى هذا المعقد، ونستوعب المقصود بالتدرج في طلب العلم، وأن يقرأ الطالب ويدرس ما يناسبه بحسب مرحلته في طلب العلم.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
وصدق؛ فإن الرضيع إذا تناول طعام الكبار مهما لذَّ وطاب، أهلكه وأعطبه، ومثله من يتناول المسائل الكبار من المطولات، ويوقف نفسه مع ضعف الآلة على خلاف العلماء، وتعدد مذاهبهم في المنقول والمعقول، إذًا يتدرج طالب العلم.

عقد هذا المعقد أيها الأحبة الكرام؛ لكي يتدرج الطالب ولا يستعجل.

أيها الأحبة الكرام:
من أعظم عوائق طلب العلم استطالة الطريق.

نأخذ مثالًا لفهم المقصود: طالب العلم يريد أن يحفظ القرآن، ووصل إلى سورة الذاريات فيبدأ يقلب في المصحف، يفتح المصحف ويقول: يا ألله سبحان الله! يطالع في سورة البقرة، سورة آل عمران، وسورة النساء؛ فيقول: أنا لن أستطيع أن أحفظ، استطالة الطريق، هو الآن جالس يطول على نفسه المسافة، ويصعب الموضوع، أنت في سورة الذاريات مطلوب منك تسميع سورة الذاريات، انشغل بسورة الذاريات، مطلوب منك مراجعة جزء المجادلة، راجع جزء المجادلة، لا تنظر كيف أحفظ المصحف؟ ويطالع في المصحف، ويفتح الفهرس في المصحف، ويقول: 604 أوجه، ويبدأ يستطيل الطريق، ففي النهاية يؤدي به ذلك إلى أن يترك حفظ القرآن، وهذا المثال طبقه على أي كتاب، أو أي علم، أو أي متن من متون العلم، أو أي كتاب في الحديث على سبيل المثال.

يأتي يقرأ يقول: إيش هذه المجلدات؟ يجعل هذه الأفكار تعيق طلب العلم، استطالة الطريق، فلا يستطيل طالب العلم الطريق، أليس هو يسير إلى الله؟ أليس هو على طريق العلم وعلى الطريق الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))؟ يعني: أليس هذا طريق الجنة؟ إذًا فما الضير إن كانت في أول الطريق، في وسط الطريق، في آخر الطريق، أن تسير إلى الله والموت لا تدري متى يأتي، المهم أن تستمر على الطريق وأن تكون على الطريق، وتهتم بيومك، تهتم باليوم والمطلوب منك الآن، ما هو المطلوب منك الآن؟ ما هي المتون المطلوب منك حفظها أو قراءتها؟ ما هي الدروس التي ألزمت نفسي بها؟ أين هو الجدول الذي وضعته لنفسك خلال الفترة الحالَّة؟ هذا هو المطلوب منك، لا تنظر إلى الكتب الكبيرة، إلى المطولات، إلى المسائل الكبيرة، وتقول: كيف سأصل إلى هناك؟ الله يوصلك، كِلْ أمرك إلى الله جل وعلا، أنت عندما تطلب العلم لا تعتمد على نفسك، نحن ذكرنا هذا في المعاقد الأولى من الكتاب، لا تعتمد على نفسك.

حتى أنا أذكر بيتًا:






إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده











فأنت تسير في الأصل متوكلًا على الله، وتسأل الله الزيادة من العلم؛ كما أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك في سورة طه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].

فتكون علاقتك مع الله، توكلك على الله، اعتمادك على الله ليس على شيخ أو كتاب أو كذا، لا، تفويض أمرك إنما يكون لله تعالى وحده، الله يسخر لك، إذا رأى الله صدق نيتك وهذا هو بيت القصيد، يعني هذه الجملة لعلها تكون خلاصة كل الكلام في تعظيم العلم، وكتاب تعظيم العلم، وكيف يطلب طالب العلمِ العلمَ ويتمكن منه.

إذا رأى الله جل جلاله صدق نيتك في طلب رضوانه، وفي تعلم ما ينفعك، فإن الله جل وعلا ييسر لك السُّبُل، يسخر الله سبحانه وتعالى لك الطريق، يسخر الله لك الصحبة الطيبة التي تعينك، يسخر الله لك المعلمين الذين يفيدونك، يسخر الله سبحانه وتعالى لك الدروس النافعة، وأنت تقف على الكتب الجدية التي تعطيك أهم مسائل العلم؛ لأنك صدقت مع الله سبحانه وتعالى، فنسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من الصادقين؛ كما قال الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، نبدأ إن شاء الله في الحديث حول المعقد التاسع.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
المعقد التاسع:
الصبر في العلم تحمُّلًا وأداءً:
إذ كل جليل من الأمور لا يُدرَك إلا بالصبر، وأعظم شيء تتحمل به النفس طلب المعالي تصبيرها عليه؛ ولهذا كان الصبر والمصابرة مأمورًا بهما لتحصيل أصل الإيمان تارة، ولتحصيل كماله تارة أخرى؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾ [آل عمران: 200]، وقال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف: 28].

قال يحيى بن أبي كثير في تفسير هذه الآية: "هي مجالس الفقه"، ولن يحصِّل أحدٌ العلمَ إلا بالصبر.

هذه العبارة لعلها تكون خلاصة هذا المعقد: لن يحصل أحد العلم إلا بالصبر.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
قال يحيى بن أبي كثير أيضًا: لا يُستطاع العلم براحة الجسم، فبالصبر يخرج من معرَّة الجهل.


ينبغي على طالب العلم أن يستشعر: أنه في جهل، وأنه يحتاج إلى العلم، يُحكى عن ابن حزم رحمه الله جاء مرة للمسجد فجلس، فقال له: قُم، وكان كبيرًا، ابن حزم بدأ في طلب العلم ليس من بداية عمره، وإنما بعد أن تقدم به العمر، فجاء في المسجد وجلس، فقال له رجل: قم فصلِّ ركعتين، فقام فصلى، الرجل يقصد قُمْ صَلِّ تحية المسجد، قام ابن حزم وصلى تحية المسجد، جاء مرة أخرى للمسجد، فدخل المسجد فصلى ركعتين، فقال له رجل: لا تصلِّ، هذا ليس وقت صلاة، فقال: سبحان الله، جئت مرة فجلست فقلتم: صَلِّ، وجئت مرة فصليت فقلت: لا تصلِّ!

• طبعًا على خلاف بين أهل العلم أنه هل صلاة تحية المسجد تُصلَّى في وقت النهي أم لا؟

لكن عمومًا هذه القصة التي حصلت مع ابن حزم؛ قال: كيف يُطلَب العلم؟ فدُلَّ على أهل العلم، ثم ذهب وبدأ يطلب العلم.


• فلا بد أن نستشعر أيها الأحبة الكرام كم من المسائل التي نجهل؟
• كم من الأمور التي نحتاجها نحن في حياتنا اليومية؟

ليس أحد يسألنا، لا، بل نحن أنفسنا في عبادتنا، في صلاتنا، في علاقتنا مع الله تبارك وتعالى، في ذهابنا ومجيئنا، وشرائنا وبيعنا، كم نجهل من المسائل؟ فلذلك إذا استشعر طالب العلم حاجته للعلم، فإنه يصبر عليه.

أضِفْ إلى ذلك أن العلم قرين الإيمان:
العلم قرين الإيمان، كيف العلم قرين الإيمان؟ يعني إذا أردت أن يزيد إيمانك فعليك بطلب العلم؛ لأن طلب العلم يحثُّك على فعل الخيرات، أنت تتعلم مسألة ثم تطبِّقها، ثم تتعلم أمرًا ثم تطبقه، ومن ثَمَّ كما هو معلوم عند أهل السنة والجماعة الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، تجد أن إيمانك يزيد.

• لماذا خلقنا الله؟
• أليس لعبادته أيها الأحبة الكرام؟

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فسبيل العبادة طلب العلم، بدون طلب العلم لا يمكن عبادة الله جل في علاه؛ لأن الإنسان الذي لا يطلب العلم سيعبد الله على جهل، وسيعبد الله بالبدع والضلالات، لا يمكن تحقيق عبادة الله جل جلاله إلا من خلال العلم، فانظر شرف العلم، انظر فضل العلم، كيف أنه لا يمكن تحقيق الإيمان بدونه، لا يمكن عبادة الله جل وعلا بدونه، لا يمكن دخول الجنة بدونه، كل هذه الأمور متعلقة بطلب العلم؟ نعم، وهناك أشياء أكثر؛ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

فالمقصود:
أن تحقيق الإيمان ورفعة العبد عند الله جل وعلا إنما تكون من خلال سلوك طريق العلم، ولا يمكن الوصول إلى رضوان الله وجناته من غير هذا الطريق؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153].

من ظنَّ أنه يصل إلى الله، وإلى رضوانه سبحانه، وإلى جناته وإلى القرب منه، وإلى الشعور بمعيته، واستحضار عظمته، وأن يكون له حظ من إجابة دعائه، بدون علم، بغير طريق العلم - فإنما هي أوهام وظنون؛ لأن الله سبحانه وتعالى حصر السعادة في اتباع طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وطالما كانت السعادة لا تتحقق إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يمكن للعبد أن يعرف ما هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يطلب العلم؟! لا يتعلم القرآن، لا يتعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كيف سيعرف طريق العلم وطريق النبي صلى الله عليه وسلم وصراط الله المستقيم الذي ذكره في قوله: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]؟

كثيرون هم الدعاة إلى أبواب جهنم:
وأما الداعي إلى الله، فهو من يدعوك إلى اتباع الكتاب والسنة، وتعلُّم الكتاب والسنة، والعمل بالكتاب والسنة، هو فقط لا غير الداعي إلى الله، كل من يدعو إلى غير الكتاب والسنة فإنما يدعو إلى هوًى، أو إلى ضلال، أو إلى بدعة ولا شك؛ لأن طريق الحق واحد، وأما طرق الباطل فمتعددة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 32].

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
قال الأصمعي: من لم يحتمل ذل التعليم ساعة، بقِيَ في ذُلِّ الجهل أبدًا، وبه تُدْرَك لذة العلم.
يعني: بالصبر.

قال المصنف وفَّقه الله تعالى:
قال بعض السلف: من لم يحتمل ألم التعليم لم يَذُقْ لذة العلم، ولا بد دون الشهد من سُمِّ لسعة.
وكان يُقال: من لم يركب المصاعب لم يَنَلِ الرغائب.

وصبرُ العلم نوعان:
أحدهما: صبر في تحمُّله وأخذه؛ فالحفظ يحتاج إلى صبر، والفهم يحتاج إلى صبر، وحضور مجالس العلم يحتاج إلى صبر، ورعاية حق الشيخ يحتاج إلى صبر.

والنوع الثاني: صبر في أدائه، وبثِّه، وتبليغه إلى أهله، فالجلوس للمتعلمين يحتاج إلى صبر، وإفهامهم يحتاج إلى صبر، واحتمال زلَّاتهم يحتاج إلى صبر.

فوق هذين النوعين من صبر العلم الصبرُ على الصبر فيهما، والثبات عليهما.






لكلٍّ إلى شأو العلا وَثَبات
ولكنْ عزيزٌ في الرجال ثبات











ومن يلزَمِ الصبر يظفَرْ بالرُّشد.

قال أبو يعلى الموصلي المحدث:






إني رأيت وفي الأيام تجرِبة
للصبر عاقبة محمودة الأثر


وقلَّ من جدَّ في أمر تطلبه
واستصحب الصبر إلا فاز بالظَّفَر






• خلاصة المعقد: لا بد دون الشهد من سم لسعة.

إذا اعتقدت أنك ستطلب العلم بدون تعب، بدون مجهود، بدون بذل، بدون تضحيات، بدون مشقة، فأنت تطلب محالًا، تطلب أحلامًا، لا بد دون الشهد من سم لسعة، كيف، لا بد دون الشهد من سم لسعة؟

يعني: الآن الشخص عندما يريد أن يستخرج العسل ألَّا تصيبه لسعات النحل؟ لأنه يطلب العسل يطلب أمرًا ثمينًا، وهو العسل الغذاء المفيد، هكذا من يطلب العلم لا بد أن يضحي.

هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك المقال