أرشيف المقالات

استدراكات وتعقيبات ابن كثير على غيره من العلماء

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
استدراكات وتعقيبات ابن كثير على غيره من العلماء
 
جاء في "المعجم الوسيط": استدرَك عليه القول: أصلَح خطأه، وأكمَل نقصه، أو أزال عنه لبسًا[1].
 
وجاء في "القاموس المحيط": تعقَّبه: أخذه بذنب كان منه، وعن الخبر: شكَّ فيه وعاد للسؤال عنه[2].
 
فالاستدراك والتعقيب هو إصلاح خطأ، أو إكمال نقص، أو إزالة لبس، أو سؤال عن خبر مشكوك فيه.
 
والاستدراكات والرود والتعقيبات من الأساليب التي تُستخدم لبيان الحق وتوضيحه، وإصلاح الخطأ وإزالة اللبس، وكشف الباطل والتحذير منه، وهذه الأساليب فيها تعليم للجاهل، وتنبيهٌ للغافل، وإقامة الحجة على المعاند والمكابر، وهي جهاد بالكلمة، وطريق من طرق الدعوة إلى الله، وبيانِ الحق ونُصرته والدفاع عنه، وهذا مما يتعين على الدعاة اليوم القيامُ بهذا الواجب، لا سيما في هذا العصر الذي كثُرت فيه الشُّبَهُ التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة في قوالب وأساليب مضللة، وابن كثير رحمه الله له باعٌ طويل في هذا المجال؛ فقد كان رحمه الله عالمًا ناقدًا كما قال الحسيني عنه أنه: "فقيه متفنن محدِّث مفسِّر نقَّاد"[3].
 
ونجد ذلك واضحًا في تفسيره رحمه الله، وذلك من خلال استدراكاته وتعقيباته على غيره من العلماء، أو ردِّه على أخطاء أهل البدع والضلال، وقد سبق أنْ ذكرنا شيئًا من ذلك، وجهود ابن كثير رحمه الله في مجال الردود والتعقيبات والاستدراكات على غيره من العلماء كثيرة ومتنوعة، فمنها ما يتعلق بعلم الحديث ونقد السند والمتن والجرح والتعديل، ومنها ما هو في الفقه وأصوله، ومنها ما هو في النحو والعربية، ومنها أخطاء تتعارض مع العقل والنقل، إضافة إلى نقده وردِّه لِما ورَدَ في بعض الإسرائيليات الموضوعة والمكذوبة، إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره.
 
وابن كثير رحمه الله حينما يقوم بالرد والاستدراك على غيره من العلماء، فرائدُه في ذلك الإخلاصُ في الوصول إلى الحق، وشعارُه محبة الآخرين والحرص على نفعهم، ومنهجُه حسن الظن بهم بالبحث عن مخرج وعذرٍ لهم، وإذا كانوا خصومًا أو أعداء فلا يرضى بغير العدل والإنصاف معهم، مع تجنُّبِه الجدلَ المذموم، ونبذه الجمودَ الفكري والتعصب المذهبي، كما مر معنا سابقًا عند الحديث عن الموضوعية عند ابن كثير.
 
ومن الأمثلة على ذلك:
1- في العقيدة:
♦ ردُّه على القدَريَّة في أن العباد هم الذيـن يختارون الهداية والضلال[4].
♦ رده على بعض المتكلِّمين في أن الكرسي هو الفلك الثامن[5].
♦ رده على الرافضة في المهدي الغائب المنتظَر[6].
♦ رده على المعتزلة في أن الله لا يراه المؤمنون في الآخرة[7].
♦ ردُّه على ملاحدة الصوفية في أن المراد باليقين المعرفة[8].
 
2- في الفقه وأصوله:
♦ ردُّه على ابن عبد البر في أن الصلاة الوسطى هي جميع الصلوات[9].
♦ رده على من أجار نكاح المتعة[10].
♦ رده على من قال بأن الإمساك من طلوع الشمس[11].
♦ رده على الشيعة ومن وافقهم في عدم جواز المسح على الخفَّين[12].
♦ رده على المعتزلة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين[13].
♦ رده على اليهود في النَّسخ، وأنه يجوز شرعًا وعقلًا[14].
 
3- في الحديث وعلومه:
♦ تعقُّبُه لابن الأثير في أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز ليس بأبي سعيد بن المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول[15].
 
♦ تعقبه لابن جرير الطبري في روايته حديثًا موضوعًا لم ينبِّه عليه، قال: "وهذا أمر عجيب غريب منه"[16].
 
♦ ردُّه على من قال بأن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل، واستدلاله بأن الحديث المرويَّ في ذلك لم يصح سنده[17].
 
♦ رده على ابن خزيمة في حديث عائشة أنها لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رؤيته لربِّه، فخاطَبَها على قدر عقلها[18].
4- في النحو والعربية:
♦ تعقُّبُه ابن جرير بأن الحمد ليس بمعنى الشكر[19].
 
♦ تعقبه الزجاجي في معنى قوله تعالى: ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ﴾ [سبأ: 10]؛ أي: سيري معه بالنهار كلِّه، قال ابن كثير: وهو غريب جدًّا لم أجده لغيره، والصواب: رجِّعي مسبِّحة معه[20].
 
♦ استدراكه على زيد بن أسلم، وسفيان بن عيينة، وغيرهم بأن معنى ﴿ تَعُولُوا ﴾ تكثُر عيالُكم، قال: والصحيح قول الجمهور ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]؛ أي: تجوروا[21].
 
♦ تعقبه ابن جرير في قوله أن "ما" في قوله تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68] موصولة، وترجيحه أنها نافية[22].
 
♦ ردُّه على الظاهرية في إعادتهم الضمير في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا ﴾ [الأنعام: 145] على الخنزير، حتى يعم جميع أجزائه، قال ابن كثير: "وهذا بعيد من حيث اللغة؛ فإنه لا يعود الضمير إلا على المضاف دون المضاف إليه، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو مفهوم من لغة العرب ومن العرف المطرد"[23].
 
5- ردود واستدراكات وتعقيبات أخرى:
♦ ردُّه على ابن حبان في قوله بأن بين سليمان عليه السلام وإبراهيم عليه السلام أربعين سنة، قال ابن كثير: "وهذا مما أُنكر على ابن حبان؛ فإن المدة بينهما تزيد على ألوف السنين، والله أعلم"[24].
 
♦ تعقبه على من زعم أن ذا القرنين سار في الأرض مدة والشمس تغرب من ورائه، فشيء لا حقيقة له[25].
 
♦ رده على من زعم أن يأجوج ومأجوج خُلِقوا من منيٍّ خرج من آدم فاختلط بالتراب فخُلقوا من ذلك، فعلى هذ يكونون مخلوقين من آدم وليسوا من حواء، قال ابن كثير: "وهذا القول غريب جدًّا، ولا دليل عليه من عقل ولا نقل"[26].
 
♦ استدراكه على من قال بأن مدة حكم بني أميَّة ألف شهر بالتاريخ والحساب، حيث إن مدة حكمهم اثنتان وتسعون سنة، وذلك أزيد من ألف شهر[27].
 

 
[1] المعجم الوسيط 1/ 281.
 
[2] القاموس المحيط ص 116.
 
[3] انظر ابن كثير ومنهجه في التفسير، د.
إسماعيل عبدالعال ص 147.
 
[4] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 44، عند تفسير سورة الفاتحة آية 7.
 
[5] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 384 عند تفسير البقرة آية 255.
 
[6] انظر المرجع نفسه 2/ 44 عند تفسير المائدة آية 12.
 
[7] انظر المرجع نفسه 2/ 205 عند تفسير الأنعام آية 103.
 
[8] انظر المرجع نفسه2/ 692 عند تفسير الحجر آية 99.
 
[9] انظر المرجع نفسه 1/ 364 عند تفسير البقرة آية 238.
 
[10] انظر المرجع نفسه 1/ 581 عند تفسير النساء آية 24.
 
[11] انظر المرجع نفسه 1/ 276 عند تفسير البقرة آية 187.
 
[12] انظر المرجع نفسه 2/ 38 عند تفسير سورة المائدة آية 6.
 
[13] انظر المرجع نفسه 4/ 178 عند تفسير سورة الجاثية آية 23.
 
[14] انظر المرجع نفسه 1/ 189 عند تفسير سورة البقرة 106.
 
[15] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 19 فضل سورة الفاتحة.
 
[16] المرجع نفسه 3/ 667 في تفسير سورة سبأ آية 51.
 
[17] انظر المرجع نفسه 4/ 23 الصافات 102.
 
[18] انظر المرجع نفسه 4/ 297 في تفسير سورة النجم آية 2.
 
[19] انظر المرجع نفسه 3/ 647.
 
[20] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 647.
 
[21] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 552 في تفسير سورة النساء آية 3.
 
[22] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 491 في تفسير سورة القصص آية 68.
 
[23] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 12 عند تفسير سورة المائدة آية 3.
 
[24] المرجع نفسه 1/ 231 عند تفسير سورة البقرة 130.
 
[25] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 130 عند تفسير سورة الكهف آية 86.
 
[26] المرجع نفسه 3/ 132 عند تفسير سورة الكهف آية 94.
 
[27] انظر المرجع نفسه 4/ 633 عند تفسير سورة القدر آية 3.
وللاستزادة انظر مثلًا: 1/ 35 الفاتحة 3، 1/ 39 الفاتحة 5، 1/ 52 البقرة 1، 1/ 54 البقرة 2، 1/ 63 البقرة 7، 1/ 71 البقرة 18، 1/ 82 البقرة 24، 1/ 90 البقرة 29، 1/ 182 البقرة 102، 1/ 189 البقرة 106، 1/ 190 البقرة 106، 1/ 195 البقرة 114،1/ 198 البقرة 115، 1/ 537 آل عمران 194، 1/ 581، النساء 24، 12/ 717 النساء 164، 2/ 6 المائدة 2، 2/ 38 المائدة 6، 2/ 44 المائدة 12، 2/ 50 المائدة 22، 2/ 160 الأنعام 3، 2/ 205 الأنعام 103، 2/ 308 الأعراف 143، 2/ 346 الأعراف 190، 2/ 527 يونس 83، 2/ 557 هود 71، 2/ 579 يوسف 227، 2/ 585 يوسف 24، 2/ 593 يوسف 53، 2/ 692 الحجر 99، 3/ 31 الإسراء 1/ 3/ 42 الإسراء 15، 3/ 125 الكهف 83، 3/ 130 الكهف 86، 3/ 132، الكهف 84، 3/ 374 النور 55، 3/ 444 النمل 16، 3/ 493 القصص 78، 3/ 515 العنكبوت 48، 3/ 573 السجدة 29، 4/ 19 الصافات 12، 4/ 19 الصافات 102، 4/ 169 الدخان 29، 4/ 178 الجاثية 24،4/ 202 الأحقاف 29، 4/ 227 الفتح 24، 4/ 257 الحجرات 14، 4/ 260 ق 1، 4/ 278 الذاريات 36، 4/ 295 النجم 13، 4/ 297 النجم 13، 4/ 373 الحديد 27، 4/ 525 المدثر 31، 4/ 531 القيامة 24، 4/ 602 الفجر 8، 4/ 603 الفجر 8، 4/ 636 القدر 3، 4/ 672 الكوثر 1.
 

شارك الخبر

المرئيات-١