أرشيف المقالات

تفسير قوله تعالى: { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم }

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
تفسير قوله تعالى:
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
 
قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[البقرة: 134].
 
تضمنت الآيات السابقة الثناء على إبراهيم ويعقوب وبنيهما والتنويه بشأنهم والتعريض بمن لم يقتف آثارهم من ذريتهم، ثم أتبع ذلك بقوله: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ الآية لإفادة أن الجزاء بالأعمال لا بالاتكال، فلا ينفع فقط مجرد الانتساب إلى هؤلاء دون عمل.
 
قوله:﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ الإشارة إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب وبنيهم، والأمة: الجماعة والطائفة من الناس.
 
﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾ أي: قد مضت، وخلى منها المكان.
 
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ "ما": في الموضعين موصولة، أو مصدرية، أي: لها الذي كسبت، أولها كسبها، والكسب: العمل، أي: لها ما عملت وثوابه، وهذا أشبه بالتمهيد لقوله: ﴿ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾.
 
﴿ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أي: ولكم الذي كسبتم، أو ولكم كسبكم، أي: ولكم ما عملتم وجزاؤه.
 
وقدم الخبر في الجملتين وهو قوله: ﴿ لَهَا ﴾، ﴿ وَلَكُمْ ﴾ للقصر، أي: لها ما كسبت لا يتجاوزها إلى غيرها، ولكم ما كسبتم لا يتجاوزكم إلى غيركم، كما قيل: "كل شاة تناط برجليها".
 
والخطاب: للمخاطبين بقوله تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ﴾أي: لكل من يصلح له، أو لليهود الذين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنهم على الحق، وعلى ما أوصاهم به أبوهم يعقوب، أي: فلا ينفعكم صلاح من خلا ومضى من آبائكم وغيرهم، وانتسابكم إليهم، كما لا ينفعهم كسبكم.
 
وقد أحسن القائل:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب

إن الفتى من يقول ها أنذا
ليس الفتى من يقول كان أبي[1]

 
﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ "ما" في قوله: ﴿ عَمَّا ﴾ موصولة أو مصدرية، أي: ولا تسألون عن الذي كانوا يعلمون أو عن عملهم، أي: لا تسألون عما كان يعمل من مضى من الآباء والأجداد وغيرهم، وإنما تسألون عن أعمالكم؛ لأن لكل منكم كسبه وجزاء عمله، أي: لا تحاسبون بأعمال سلفكم وإنما تحاسبون بأعمالكم.

[1] البيتان لأبي العتاهية.
انظر: "جمهرة الأمثال" (2/312).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢